صراعات البيت الأبيض والخارجية تحجّم الدور الأمريكي .. بقلم: هنادة الحصري

صراعات البيت الأبيض والخارجية تحجّم الدور الأمريكي .. بقلم: هنادة الحصري

تحليل وآراء

الأحد، ٢٠ أبريل ٢٠١٤

لم ننسَ كيف أطلق "بيل كلينتون" الرئيس الأمريكي على بلاده وضعاً ظلّت وسائل الإعلام تردده وتروّج له بغير انقطاع وهو: أميركا التي لا يمكن الاستغناء عنها. وكم ظلت حكاية عدم الاستغناء تفرض نفسها حتى بعد ولاية كلينتون وحلول ولاية "جورج بوش" مع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى أن وجدت أخيراً من يختلف معها ويحاول أن يتعامل معها بمنطق التنفيذ العلمي والتجربة الشخصية ومن هنا جاء شعار البديل ليقول: الأمة أو الدولة التي يمكن الاستغناء عنها وهذا هو ما أطلق عليه كل النقاد اسم الاستفزاز.
عنوان الكتاب "صراعات البيت الأبيض والخارجية تحجّم الدور الأمريكي" مؤلف الكتاب هو "والي نصر" من أصل إيراني وهو ليس مجرد باحث عادي أو مفكر تقليدي فقد عمل مستشاراً لواحد من أركان السياسة الخارجية الأمريكية هو الدبلوماسي المخضرم الراحل "ريتشارد هولبروك" الذي سبق وأن اختاره الرئيس "باراك أوباما" ممثلاً شخصياً له في أفغانستان وباكستان.
من هنا يمكن أن نعتبر هذا الكتاب أقرب إلى حملة انتقادية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، خاصة وأن المؤلف يأخذ على إدارة أوباما الراهنة أنها أدت إلى النيل من مكانة أمريكا القيادية ودورها المرموق الذي كانت تتمتع به على مسرح السياسة العالمية.
ويعزو "والي نصر" هذا التراجع إلى ما عاشه بنفسه أيام كان يعمل خبيراً في وزارة الخارجية إلى الصراعات والمنافسات الخفية، وقد يضاف إليها مؤامرات الموظفين الصغيرة بين مجموعة "الدائرة الضيقة" المحيطة- في البيت الرئاسي الأبيض- بالرئيس باراك أوباما وبين مجموعة الخبراء والموظفين المخضرمين في وزارة الخارجية الأمريكية، هذا وقد بلغ من أمر هذه المنافسات والصراعات الحد الذي جعل هيلاري كلينتون إذ كانت في منصب وزير الخارجية تعمَد إلى زيارات للمقرّ الرئاسي وإلى مقابلات واجتماعات مباشرة مع رئيس الدولة متخطية بذلك سائر معاوني الرئيس ومساعديه، وكانت تسمي هذا السلوك بأنه أشبه بعبور "سور برلين".
في فصول الكتاب يرى المؤلف أن دور أمريكا على المسرح السياسي العالمي في حال من الانحسار ولصالح منافِستها الجديدة "الصين" والتي يصف الكاتب تحرّكها الراهن والمستقبلي بأنه يتجه غرباً أي من الصين إلى الشرق الأوسط فيما يرى أن حركة أمريكا تتجه على العكس إلى جهة الشرق حيث تلتمس واشنطن لنفسها دوراً مهماً في منطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي..
وفي فصل آخر يعود المؤلف ليذكر أن أمريكا ظلت الثلث الأخير من القرن التاسع عشر في حال من العزلة والتباعد عما كان يجري في العالم من أحداث وقضايا وتحولات؛ فقد بدأت تتحرك نحو الخطوط الأولى من تلك التحولات وخاصة بعد انتهاء الحرب الأهلية التي خاضتها ولايات الشمال مع ولايات الجنوب وأفضت في كل زعامة "أبراهام لنكولن" إلى إعلان تحرير العبيد.
وعلى الرغم من أن الاغتيال كان مصير الرئيس "لنكولن" إلا أن أميركا بدأت تنعم بحسن السمعة وشرعت تتمتع بقدر من علوِّ المكانة الدولية مع مغيب القرن التاسع عشر ولم يكن ذلك بفضل حروب اندلعت ولا صراعات اشتعلت، ولكن بفضل ما أهدته أمريكا من اختراعات وكشوف من أبرزها الهاتف والكهرباء طاقة ونوراً..
وبهذا دخلت أمريكا باحة القرن العشرين تحت ظلال سمعة طيبة ولكن لم يقدر لها أن تشارك في الاستعمار الاستغلالي الذي كان من نصيب الغرب الأوروبي.. بريطانيا وفرنسا.
ولكن ومع العقد العشرين اندلعت حرائق الحرب العالمية الأولى بدأ دور "ويلسون" الذي أعلن عن تفعيل حق تقرير المصير للشعوب وهذا ما أفضى بدوره إلى تعزيز مكانة أمريكا حيث اختارها العالم مقراً دائماً لمنظمة الأمم المتحدة؛ ولكن وحتى بعد انقضاء ولاية كلينتون وحلول ولاية "جورج بوش الابن" جاء الشعار البديل ليقول إن أمريكا هي الأمة أو الدولة التي يمكن الاستغناء عنها، ويعزو الكاتب هذه السلبية التي أصابت سياسات أمريكا إلى ما عاشه وقام برصده شخصياً من ظاهرة سلبية هي صراعات القوة أو السلطة. ونظراً لأن الصراع كان بين موظفين مهما كانت رتبهم الكبيرة فقد شهد الصراع سلوكيات عايشها المؤلف حين عمد موظفو الخارجية الأمريكية إلى استبعاد المبعوث الرئاسي "هولبروك" ومن مستشاره الدكتور والي نصر من مشاهدة وتحليل المؤتمرات التي كانت تتم بين الرئيس أوباما في واشنطن والرئيس الأفغاني قرضاي في كابول وهو ما أدّى إلى تقويض مكانة مبعوث أوباما الشخصي بين صفوف الساسة في أفغانستان لأنهم يعتبرون أنفسهم لهم الفضل في إدخال أوباما إلى البيت الأبيض..
يصل الكاتب إلى أن منافسات القوة والنفوذ مع الصين سوف تشكل عاملاً محورياً ومن قصور النظر أن أمريكا لم تنجح في التعامل مع الصين على أساس نوع من الشراكة أو التفاعل على صعيد الشرق الأوسط ويرجع ذلك إلى فشل صانعي السياسة الأمريكية بالتكهن بالموقع الذي تخطط له الصين كي تشغله في الشرق الأوسط.
أخيراً.. يمكن أن يعدّ هذا الكتاب أقرب إلى حملة انتقادية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ خاصة وأن إدارة أوباما أدّت إلى النيل من مكانة أمريكا القيادية ودورها المرموق على مسرح السياسة العالمية.