عندما أكون أنت.. بقلم:إسماعيل مروة

عندما أكون أنت.. بقلم:إسماعيل مروة

تحليل وآراء

الأحد، ٢٠ أبريل ٢٠١٤

يطرب أحدنا ممن امتهن الكتابة، يطرب عندما يقول له أحدهم: أنت تكتب كما يريد الناس، ويتخيل هذا أنه وصل مرحلة البطولة، متناسياً أن الكتابة مهنة، وأن الكاتب الذي هو قد يملك ذخيرة تجعله قادراً على دغدغة عواطف المتلقي، ويظن أن هذا الخداع يمنحه القدرة على احتلال صفة المفكر والقادر! وإن منحه أحدهم صفة المفكر يصدق، ومن ثم يقوم بإلصاقها باسمه لقباً لا يتنازل عنه، ويغيب عنه أن كافوراً خلد بعد ما فعله بالمتنبي، وأن مسيلمة عاش وأثر في الحياة، وأن سجاح، وإن كانت الكتب تسخر منها إلا أنها تذكرها وتذكر ذكاءها.. إن حب الناس.. إن وجد وتم قياسه حقيقة- لا يعني للكاتب أي شيء، فهناك أمور أكثر أهمية، ليس المهم أن تكتب كما يحب الناس، بل المهم أن تكتب كما تتنفس أنت، وألا يتمكن أحدهم من سرقة أنفاسك وأفكارك مهما حاول، والأكثر جمالاً أن يتطابق تنفسك الكتابي والحياتي مع إحساس الناس، وحين تتطابق أنت مع الناس تكون منهم، وليس التطابق في أن تستقرئ ما يحبون وتقوم بصياغته، بينما تحتفظ لنفسك بكم من العهر والتناقض من الكتابة التي لا تتجاوز حدود صفحاتها..
منذ اليوم الذي قرر أن يكون الكاتب فيه كاتباً لا أن يكون رسولاً ونبياً انتهى دوره وانتهى كل شيء منذ ذلك اليوم الذي بحث فيه الكاتب عن إعجاب الناس لا إعجاب ذاته ضاع دوره ولم يعد مؤثراً، النص الذي كتبه المتنبي كتبه لأنه هو، والمعري صاغ (رسالة الملائكة) لأنه يفكر هكذا، وليس لأن الناس تريد رسالته الملائكية، وشكسبير عندما كتب أعماله كتبها لأنه يعيشها هاجساً، وليس لأن الجمهور سيحبها، قدمها شكسبير والحب جاء بعد قرون لا عقود..
همنغواي أراد أن يتحدى الكون فكان (الشيخ والبحر) أو العجوز، أو أي تسمية أخرى نضعها لهذا العمل الملحمي، تحدى همنغواي، من كليمنجارو إلى الشيخ والبحر، ووضع خطاً لحياته الممتعة الجميلة كما أرادها، لذلك نجح، وأعلى دليل على نجاحه أنه عندما خرجت الحياة عن رؤيته للحياة والتحدي وضع حداً لحياته الجميلة، لأنه لم يشأ أن يحيا إلا الحياة الجميلة، وعندما تخلت الحياة عن جمالها وضع حداً لها بنفسه، ولكن هذا الحد لم يكن قادراً على إلغاء صفة التحدي في شخصه وأدبه، ولم يعبأ همنغواي بآراء العامة ورجال الدين، لم يعنه أي شيء أن يوصف بشتى الأوصاف بعد أن ذاع خبر نهايته، ولكنه كان يعلم أن منتقديه الكثر عجزوا عن فعل ما فعله، لم يكترث للحب المذاع بين الناس، ولكنه بحث عن حب الإنسان وعن تصالحه العالي.. بحث في جوهر الإنسان، وعندما وصل إلى قناعة تحدى، وعندما غادر قناعته كان نفسه فأنهى حياته بنفسه، ليكون هو كما يتنفس، لا كما يريد الآخرون.. بقي الشيخ والبحر علامة فارقة للإنسان القارئ، وللإنسان الذي هو همنغواي، ولا يزال عطيل يبحث عن جذوره، وهاملت يدور على نفسه عند شكسبير، إنهما يشبهان القارئ، وإن عجز القارئ عن البوح، وألصق الشخصية بشكسبير الذي كان أكثر براعة حين اقتنص نبضات روحه وروح القارئ، وفي لحظة التطابق كتب ما كتب.
حين جاء الأمر لغوركي، قرأ ما يقول الناس، حاول الإحاطة بما يدور في الشارع، فاستجلب الأم المثال، وكتب الأم كما يريدها الناس، وكما تريدها الأيديولوجيا لا كما يشعرها هو، تغنى الناس بالأم، أحبوا أفعالها، وحين انتهوا من القراءة ألقوا الأوراق جانباً، وجدوا أن الأم لا تشبههم، ولا تشبه أمهاتهم، لقد كانت مثالاً لما يريده الشارع، لا لما يريده غوركي الكاتب والقارئ..!
وبعد ذلك يبحث أحدنا عما يروق للناس.. ويكتب ما يحبه الناس!
ستأتيه رسائل إعجاب!
سيصبح من الشخصيات المؤثرة!
ولكنه سيموت حالاً مع توقف قبضته عن الإمساك بمكافأة الكتابة!
ابحث عن نفسك أيها الكاتب
تعمق في تعرية ذاتك وهواجسك
كن جريئاً في نبش ذاتك، فأنت أنا، عندما تنبش ذاتك تكشف ذاتي لي، ربما أصبح بعدها قادراً على قراءة معالم الطريق!
لا تبحث عن لقب إن أردت أن أكون أنت
قمة العشق التوحد بالألق، وأعلى ما أريد منك أن تتطابق نبضات القلب مع نقط الحبر المسالة على ورق أعددته للكتابة، لا تبحث أيها الكاتب عني، فأنا مزدوج ومنافق، وغير قادر على تحديد ما أريد، يقتلني الجبن والخوف والعهر، أما أنت فمهارتك تجعلك قادراً أن تقول، وأن تخلق شخصيات قد لا تتجاوزك.. اخترع حتى أتطابق معك حد التماهي
كاتبي لا تبحث عن إعجابي
لا تستجد لقباً
حين يرتفع صوت التصفيق تضيع تفاصيل الألم
ابحث عما يؤلمك.. إنه سيؤلمني
ابحث عن نفسك.. إنها أنا
امسح ما تبقى عليك من زيف لتكون متعدداً
كاتباً.. رسولاً.. نبياً.