يا شاري الهَم عن قلب صاحبه.. بقلم: إيفلين المصطفى

يا شاري الهَم عن قلب صاحبه.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٠ أبريل ٢٠١٤

Evlism86@gmail.com

يقال "إذا كانت العربة هي السياسة، والحصان هو الاقتصاد فيجب وضع الحصان أمام العربة"، لا ريب أن هذه المقولة صورة واضحة عن أهمية الاقتصاد في القدرة على إيصال السياسة للمكان الذي تطمح الوصول إليه؛ وبالتالي فإن توجيه الاقتصاد يتطلب فريقاً قادراً على تحمل المسؤولية في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها سورية.
من هنا لابد من تسليط الضوء على المتغيرات الأخيرة التي طرأت على سوق أسعار صرف العملات، والتي أبرزها سعر الليرة السورية مقابل الدولار الذي شهد ارتفاعاً جديداً سواء بالنشرة الرسمية للبنك المركزي أو في سعر صرف السوق غير النظامية "السوداء"، ورغم محاولاتنا المتكررة عبر مجلة الأزمنة منح الفريق الاقتصادي بعض الدروس والعِبر من أزمات دول تتعرض لذات الأزمة في سعر صرف عملتها، إلا أن الفريق الاقتصادي يبدو أنه منشغل في أمور لا تتيح له الاطلاع على الصحف أو حتى توضيح ما إذا كانت تلك الدروس والعبر ملائمة للوضع الذي يتعرض له الاقتصاد السوري.
وقبل الشروع في الحديث عن إجراءات البنك المركزي الأخيرة لضبط سعر الصرف في السوق علينا أن نوضح ماهيّة السياسة النقدية، وهي مجموعة الأعمال والتدابير التي يقوم بها المصرف المركزي من خلال الرقابة على النقد لتحقيق أهداف السياسة الاقتصادية حيث يندرج عمل السلطات النقدية تقليدياً في إطار السياسة الاقتصادية بمظاهرها المختلفة لتحقيق الأهداف التي يُرمز لها عادة بالمربع السحري: معدلات نمو عالية - استخدام كامل - استقرار سعر النقد - توازن ميزان المدفوعات، أما اليوم فقد غدت السياسة النقدية أكثر التفافاً حول هدف مركزي أساسي هو الاستقرار النقدي؛ المتمثل بتخفيض معدلات التضخم أو إلغائه إن أمكن للحفاظ على القوة الشرائية للنقد.
ولعل المتابع للسياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي سيجد أن المربع السحري شبه غائب عن إنجازات القائمين على السياسة النقدية، من خلال المؤشر الأكثر وضوحاً والذي هو مؤشر القوة الشرائية لليرة السورية التي أصبحت شبه متآكلة في ظل ارتفاع الأسعار غير المنطقي، والذي رغم تصريح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أنها لم تتأثر نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار مؤخراً والذي وصل إلى قرابة 180 ليرة؛ إلا أن أسعار السلع ارتفعت بنسبة 10% نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار لكن كالمعتاد فإن بعض المسؤولين الاقتصاديين يصرّحون وفق تأثير سعر صرف الدولار على مدخراتهم.
وللتمعّن أكثر في الإجراءات الإسعافية التي تم اتخاذها مؤخراً لإعادة سعر صرف الدولار إلى ما كان عليه أصدر البنك المركزي قراراً بالسماح لشركات الصرافة بالاحتفاظ بنسبة 20% من الحوالات الشخصية الواردة إلى سورية يومياً وتتراوح قيمة المبالغ فيها بين /1,5/ إلى /2,5/ مليون دولار يومياً ليتم طرحها في السوق بشكل فوري من قبل شركات الصرافة كي تستطيع أن تتصرف بها وبيعها حسب احتياجات السوق إضافة لاستعداد البنك المركزي للتدخل عبر بيع شريحة من القطع الأجنبي تقدر بـ 20 مليون دولار يوم الاثنين في 21/4/2014 لشركات الصرافة لتمكينها من تمويل متطلبات السوق وسدّ احتياجاته من القطع الأجنبي ومواجهة الطلب على تمويل المستوردات وحاجة السوق.
أثَرُ قرارات المركزي على السوق لم يكن له قيمة، فسعر صرف الدولار لم ينخفض إثر تلك التصريحات والقرارات؛ حتى أن سعر صرف النشرة الرسمية للبنك المركزي سجل رقماً قياسياً جديداً في اليوم التالي للقرارات وهو 148.62 ،كذلك ارتفع سعر صرف اليورو الرسمي ليرتين مسجلاً رقماً قياسياً جديداً هو 206,46 ليرة سورية، وإن كانت الغاية تمويل المستوردات فإن المثير للدهشة أن المركزي رفع سعر صرف التمويل إلى 165.96 ليرة سورية.
تلك الإجراءات تبعتها تعليمات تنفيذية لتطبيقها تبيّن من خلالها أن المركزي خفف الضغط عنه لتمويل المستوردات بمنح شركات الصرافة نسبة الـ 20% من الحوالات على أن يتم بيعها في ذات اليوم وألّا يتم إرجاعها للمركزي، كما يتوجب أن يتم بيعها بسعر +1% عن سعر شراء الحوالة كما يحق لهم أن يبيعوها للتجار للتمويل بسعر +1% على ألّا تتجاوز 30 ألف دولار في كل مرة وعلى ألّا يحق للتاجر إلا مرتين بالشهر (سقف التاجر 60 ألف دولار شهرياً).
جميع تلك التعليمات تبيّن أن الإجراءات ليست إلا لتخفيف الضغط عن البنك المركزي أي إن هذه العملية لن تساهم في خفض سعر صرف الدولار طالما أن المواطن لا يحصل على حوالته كما هي واردة إليه، إضافة لأن شركات الصرافة تقوم بمنحه الحوالة بالليرة السورية وبسعر صرف لا يتساوى مع سعر صرف السوق السوداء الذي هو أقرب للسعر الحقيقي والذي يتم تسعير الذهب بسعره، وبالتالي فإن المواطن (يُسرق علناً من أمواله)، دون أن يكون هناك أي إجراء يمنحه حقه بما يجهد للحصول عليه، إضافة لذلك فإن إجراءات المركزي تعكس من يقوم بشراء الهم عن قلب صاحبه، بمعنى أن المركزي وجد عبئاً في تمويل إجازات الاستيراد الصغيرة فأرسل بشركات الصرافة لتعينه على تحمّل ذلك العبء. 
ويوماً إثر يوم نجد أن المركزي يضطر لرفع سعر صرف الدولار، حيث قام مؤخراً برفع سعر الحوالة لتصل إلى 165.7 أي بمقدار 1.38 ليرة، أي إن التمويل سيكون 167.35 ليرة، كذلك قام برفع سعر صرف دولار شركة الطيران 6 ليرات ليصل سعره إلى 156.25 ليرة.
وبالتالي إذا فشلت الإجراءات بالتأثير حقيقة على سعر صرف الدولار على المدى المنظور الذي يسعى إليه البنك المركزي فهل اتخذ الفريق الاقتصادي بالاعتبار الأزمة القادمة التي ستطرأ على سعر صرف الدولار قريباً نتيجة السماح للمربين بتصدير أغنامهم خاصة وأن من شروط السماح بالتصدير أن يقوم الغنّامة بشراء دولارات تعادل سعر الغنم ومن ثم إيداعها في المصارف ضمانة قبل التصدير، إضافة إلى 35% من قيمتها بالليرة السورية، خاصة إذا علمنا أن هذه الشروط تسببت برفع سعر صرف الدولار العام الماضي، حيث إن كلفة الغنم تساوي ما يقارب 100 مليون دولار؛ أي: خلال شهر واحد سيبلغ حجم الطلب على الدولار ما يعادل 100 مليون دولار في حال تم تصدير 500 ألف رأس غنم..
ويبقى السؤال إلى متى سيبقى الفريق الاقتصادي لا يتعلم من أخطائه؟