اللصَّ يرتدي ثوب المقاتل

اللصَّ يرتدي ثوب المقاتل

تحليل وآراء

السبت، ١٩ أبريل ٢٠١٤

شمس الدين العجلاني
يقولون إن أعظم الأباطرة البيزنطيين في الزمن الغابر كان يدعى هرقل، وحين وصله نبأ هزيمة جيشه شرّ هزيمة في أرض الشام غضب واستشاط، وأصابه اليأس والاكتئاب، ولملم بقايا جيشه وغادر أراضي الشام، ووقف على أعتاب سورية قائلاً: (سلام عليك يا سورية، سلام موَدِّع لا يرجو أن يرجع إليك أبداً).
والقائد العسكري الفرنسي هنري دي جوفنيل، الذي كان يوماً ما المفوَّض السامي في سورية ولبنان (عام 1926) روى حديثاً جرى بينة وبين وزير تركي، حين كانت سورية ما تزال تشكِّل جزءًا من الدولة العثمانية، حول سورية ودمشق فقال للوزير التركي: "بالله عليك، احتفظوا بها لكم (أي سورية)، واحتفظوا خاصة بدمشق! فإن هذه المدينة هي واحدة من تلك المدن المسمومة التي تقضي على الإمبراطوريات!"
والصحافي والكاتب الفرنسي جوزيف كيسِّل الذي زار سورية في العام 1927 في مهمة للاطلاع على مجرى الأمور بخصوص إخماد الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي فقال: "من الواضح بأن جميع الأنظمة السياسية لا نفع لها هنا، حيث إنه ليس هناك بين البلدان ما هو بالطبيعة أكثر تعقيدًا وأكثر صعوبة وأكثر ثورة من هذا البلد: سورية."
والأهم من هذا وذاك قول الرسول العربي المنقوش على قلوب أهل الشام وعلى أحجار الشام: (إن الله باسط أجنحة الملائكة على الشام).
ستبقى دمشق وسترحلون:
ستبقى دمشق شامخة في وجه إرهابكم، وأن تلون بألف لون ولون وارتدى ألف ثوب وثوب، وانتعل كوفية حمراء أو سوداء وشرب الخمر أو النفط وأباح عرض الناس للرعاع، ستبقى دمشق.. ستبقى دمشق برغم ملايين براميل نفطكم، وملايين دولاراتكم، وكل وسائل إعلامكم الصفراء، وملايين فتاويكم وحورياتكم ستبقى دمشق عز الشرق وبوابة الدين والدنيا: (ندخل مرة أخرى لعصر الجاهلية.. ها نحن ندخل في التوحش.. والتخلف.. والبشاعة.. والوضاعة.. ندخل مرة أخرى.. عصور البربرية..إن اللصَّ يرتدي ثوب المقاتل..) فافعل أنت ومن تشاء من العربان والغربان وقطاع الطرق ولصوص الليل والنهار من عجم وترك وأعراب وكل الجنسيات، افعل ما تشاء فليس جديداً علينا ما تتعرض له بلادنا، من ظلم وإرهاب ومؤامرة من ذوي القربى، ليس جديداً على دمشقنا حمل صليب العذاب ولواء العروبة والإسلام والمسيحية.
ستبقى دمشق وترحلون لمزابل التاريخ، ستبقى دمشق المرأة الطاهرة التقية النقية التي تتوضأ بماء العروبة كل يوم خمس مرات لأن: (دمشق من حيث الأقدمية هي الأولى.. وهي الرائدة.. والأستاذة.. وجميع القوميين العرب خرجوا من رحمها وتتلمذوا عليها.. لا أحد يتكلم العربية مثل دمشق.. ولا أحد ينطق الحروف العربية على طريقة الغساسنة والمناذرة.. و"منهج البلاغة"و"العقد الفريد"و"لسان العرب".. إلا دمشق.. ولا أحد يحمل سلم العروبة بالعرض.. إلا دمشق..) فـ: (يا بلدي الطيب.. يا بلدي، لو تنشف آبار البترول ويبقى الماء، لو يخصى كل المنحرفين وكل سماسرة الأثداء، لو تلغى أجهزة التكييف من الغرف الحمراء، لو أعطى السلطة في وطني، جرّدت قياصرة الصحراء من الأثواب الحضريّة، ونزعت جميع خواتمهم.. ومحوت طلاء أظافرهم، وسحقت الأحذية اللّماعة.. والساعات الذهبيّة، وأعدت حليب النّوق لهم.. وأعدت سروج الخيل لهم، وأعدت لهم حتى الأسماء العربيّة).
 يا من تريدون الأذى لدمشقنا انتبهوا جميعاً.. :إنني رأيت موسى وعيسى ومحمد يصلون في محراب واحد وفي وقت واحد ويرفعون أيديهم للسماء: رب العرش احمِ لنا الشام.
ملاحظة: الكلمات بين قوسين هي للشاعر نزار قباني.