التعليم رسالة أم مهنة؟.. بقلم: سامر يحيى

التعليم رسالة أم مهنة؟.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ١٧ أبريل ٢٠١٤

     جاء ولدي "في المرحلة الابتدائية" يشعر بالفرح والسعادة، للوهلةِ الأولى ظننتُه فرحاً لأنه توّج الأول على زملائه، أو تأهّل لمستوى الروّاد، لكنني صدمت كون فرحه لمجرّد أن يوم غدٍ لديه عطلة. جعلتني هذه القصة أتذكّر قصصاً أخرى، فمثلاً: القائمون على السلك التربوي والتعليمي لا يبتعدون كثيراً عن هذه الرؤية، لأن معظم من اختار سلك التدريس هدفه الاستفادة من قصر الدوام، وكثرة أيام العطل. نفس المسألة نعاني منها على صفحات الفيسبوك، كلمات بسيطة، وأحياناً قد لا يكون لها معنىً، ترى عليها من الإعجابات ما يربو على 75% من أصدقاء الصفحة، بينما مقال أو بحث علمي، سواءً كان في مجال العلم أو الإدارة أو الثقافة، أو أي من مجال العلوم قلّة من يقرؤونه كاملاً وبتمعّن، وفي جولةٍ سريعةٍ على المكتبات سواءً العامة أو الخاصة، من النادر أن ترى من يشتري أو يطالع الكتاب العلمي أو التخصصي، إن لم يكن الهدف الإعداد لرسالتي الماجستير والدكتوراة، طبعاً لا أعمم..
هذا ما أرّقني وجعلني أفكّر طويلاً ومليّاً بالمستقبل، وكيف سيكون، فهؤلاء هم عماده وبُناته، إذا كان يفكّر هذا الطالب متى يرتاح من الدراسة وقضاء العطلة، فمن يتحمّل مسؤولية غرس حب العلم والعمل، لدى الطالب؟ هل هي الأسرة، أم التكافل بين الأسرة والمدرسة، أم المجتمع؟ وهل تكفي مدارس المتميّزين والمتفوّقين؟ وندع باقي الطلبة دون إعطائهم الاهتمام الكافي، رغم أهميّة التميّز والتركيز على تخريج المبدعين، لكن بما يشمل كافّة أبناء المجتمع، فلتكن كل مدارسنا متميّزة...
صحيح أن العائلة هي التي تتحمّل مسؤولية نصح الطالب منذ بداية دراسته، لكن تقع المسؤولية الأكبر على القطاع التربوي والتعليمي، بدءاً من المرحلة الابتدائية، التي تبدأ بغرس الحقائق الإيجابية والعادات الحميدة التي تربى عليها في أسرته، وتصحيح بعض الأخطاء وتفادي السلبيات، وتشجيعه على حب العلم والاطلاع والقراءة، ليدخل في نهاية سني دراسته، أيّا كان اختصاصه، معترك الحياة وهو مسلّح بالعلم والثقافة بآنٍ معاً..
التعليم ليس مهنة، إنّما هو رسالة هدفها تزويد المجتمع بالكفاءات والخبرات وبناة المستقبل، فكل مسؤولٍ أو طبيبٍ أو خبيرٍ أو مثقّفٍ... إلخ كان طالباً، وكل طالب اليوم هو مشروع شخصية هامّة ومؤثرة بالمجتمع، سلباً أو إيجاباً..
الآن وفي الأسابيع الأخيرة من العام الدراسي، نتساءل، هل ستقوم وزارتا التربية والتعليم، بدراسة إيجابيات وسلبيات هذا العام، وما اعترض الطاقم التربوي والتعليمي، التدريسي والإداري والطلبة، من سلبياتٍ لتفاديها وإيجابيات لتطويرها، والتحوّل لخليّة نحلٍ للإعداد لعام دراسيّ متميّز يتناسب مع المرحلة الحسّاسة التي يمرّ بها المجتمع، والحاجة الماسة، للمساهمة باستكمال بناء الإنسان، الذي هو أساس إعادة اللحمة والتصدّع الذي أصاب المجتمع في بعض جوانبه، والتأثيرات السلبية من تدمير وتخريب ومحاولة بث الفتنة بين أبناء الأسرة وحتى البيئة الواحدة، قبل بث تفرقةٍ وفتنة بين أبناء المجتمع، يا ترى هل سيتحمّل القائمون على العمل التربوي والتعليمي، المهام الثقيلة الملقاة على عاتقهم بالعمل الجدي لبناء مستقبل سوريتنا؟ نعم إنّ العملية التربوية ليست بالعملية السهلة، لكن الجهد الذي ينصب لضمان حسن العمل عليها والإعداد لها يحقق لنا الفائدة المرجوة والهدف الأساس ببناء جيل مسلّح بالعلم والعقيدة الوطنية والمستندة على احترام الآخر وتقديره، والتعاون معه أياً كان هذا الآخر، ما دام يؤمن بالوطن وبتراب الوطن وبقدسية وسيادة الوطن، وأبناء الوطن من المفترض أن يكونوا كلّهم يتمتّعون بهذه الصفات ومن يشّذ فهو خارج عن الوطن ولا يستحق هذا اللقب..
كم حريّ بنا إيجاد السبيل الأمثل واقتراح الآلية الأفضل لنضع الخطوات الأساسية ليبدأ العام الدراسي القادم بهمّة قوية، وتحضير إيجابي، بحيث يبدأ الدوام الإداري وقد استكمل بشكلٍ واقعي لا نظري عملية النقل والانتقال للمدرسين والطلبة، وتوزيع الكتب وفق قوائم منظّمة، ويستكمل خلال الأسبوع الإداري كل هذه النواقص إن تم الاستعداد الجدّي لها، بحيث تكون الاستثناءات والضرورات القصوى نادرةً جداً كي يسير العام الدراسي بشكلٍ منتظم وبأفضل حال، وبدون أيّة مشاكل، ولا ننسَ إمكانية الاستفادة من جهود الوكلاء والمدرسين الاحتياط لمساعدة المدرّس ضمن القاعة الصفيّة بمتابعة الدروس وتوجيه الطلبة لانشغال المدرّس بشرح الدرس، بحيث يعود الطالب إلى منزله وكلّه حيوية ونشاط لحسن سير العملية التدريسية، وعدم إضاعة ثانيةً واحدةً خلال الحصة، وبذلك نستطيع إكساب الطالب أهميّة الوقت، واحترام المعلم وزميله، أياً كان اتجاهه أو انتماؤه أو مستوى معيشته، وتغذيته بحب العلم والقراءة والاطلاع والبحث عن المعلومة، وعكس استخدام التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة بالشكل الإيجابي لتصب بمصلحة العملية التربوية والتعليمية، وأن يتمكّن الطالب من التفكير السليم واختيار الوسائل الإيجابية والبنّاءة وحتى الألعاب التي تنمّي الذكاء وطلب العلم.. وزيادة الثقافة.
وربّما تساهم الرسالة التعليمية عبر تخصيص خمس دقائق ببداية كل حصّة درسية، يُجمِلُ فيها المدرّس موضوعاً مهمّاً وتذكير بمضمون الدرس السابق، مستفيداً من خبراته العلمية والعملية، للولوج في الدرس بقوّة أكبر وعصف فكري للطالب.
الطالب هو مستقبل البلد، وبناء البلد يعتمد بالأساس على بناء الجيل، فمن يستثمر في الطالب، سيحصد نتائج استثماره في كل قطّاعات المجتمع كافّة دون استثناء، بدءاً من سلك القضاء، وصولاً للقضاء على الفساد.. فكلّنا كان طالباً..