الصراع التاريخي بين السحر والحقيقة.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

الصراع التاريخي بين السحر والحقيقة.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الخميس، ١٧ أبريل ٢٠١٤

إن فعل الشيطان- سواء شياطين الإنس والجن- في كل ما نحذره ونتقيه ونخشاه إنما هو السحر، والسحر مهما بلغ لا يقوى على إنسان الحق والصدق، وهذا ليس للأنبياء وحدهم بل لجميع المؤمنين من الناس أيضاً، فإنهم إذا كانوا على خطى رسالات الأنبياء ومراشد دعواتهم الإنسانية الحضارية الرحيمة فهم جميعاً سيشملهم النص القرآني الحكيم في الدعوة لموسى عليه السلام: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)، وتلقف أي تبتلع ولا تبقي أي أثر لكل ما صنعوا، فإذا جاء الحق فعلاً وفاعلية وعقلانية فسينهار الباطل كما هي طبيعته (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ)، أما إذا أصبح الحق دعاوى ونداءات وعناوين وتملقات، ومصالح خاصة وتبييض وجوه فإن النتيجة ستحول هؤلاء جميعاً إلى ضحايا مذللة مستعبدة لشبكات السحر وأشواكها ثم يكون الوهم بدل العقل والفكر والفهم.. إن الإنسان القوي بالله عز وجل لن يؤثر فيه شيء في كرامته وعزته وفي ثوابت فكره وعقيدته، وهو أقوى من أي شيطان فرداً أو مفرداً أو أمة أو أي كون كما في القرآن: (اِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)، وهذا ما يعترف به الشيطان عندما يرى أو لا يرى مساقط الفتن والهوى وتسلط (الأنا) على النور والحق والإيمان كما قال القرآن الكريم: (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، وعندئذ يتحقق كل مؤمن قوي مخلص بنفسه في: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) أجل، هذا هو الإنسان الذي يجب بناؤه وإعداده وتربيته، وهو نفسه (إن كان) له الحق في أهلية أي موقع من مناصب الحياة ومواقعها حتى لا تتدخل في مهمات عمله وإدارته لأية نقطة من نقاط الحياة أهواء ونفاقيات أو خيانات لنفسه أو لمنهج النور والحق أو انزلاقات في الشهوات وفي تعظيم النفس الأمارة بالسوء ثم هو لا يمكن أن تربو عليه فطريات المدّاحين والانتهازيين والمصلَحيّين!.. ومن هنا كانت أهمية مهمات التأهيل الروحي والتربوي النفسي والمصداقية العقلية والعملية من بوابات الحصانة القرآنية ومن تعزيزات الهدي النبوي الحكيم، وخصوصاً الفهم المتدبر لفاعليات السيرة النبوية الشريفة في متغيرات الزمان والمكان والإنسان والأمثال، فهذا هو الموئل لتعود للإنسان حقيقته ومهمته ووظيفته التي يتمكن بها من قيادة توجيه دفة الحياة، وهي اليوم قد اهتزت وتزلزلت وانحرفت كثيراً، وإنه الجواب الحق والعمق اليقيني في الإجابة على مدلول كلمتي (مَن وكيف؟) عندما ينطبق بمعناهما الحديث الشريف: (إن الله ليبعث على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) أجل، إن كلمة (مَن) إشارة إلى هذا الإنسان المرجو بما يحمله أولاً من الحق والحقيقة وعلومهما ثم أن يكون من بعدها الدليل الإنساني المشرق بما تحمّله في ضميره من معنى الحق وعنوانه وِفاق الحديث الشريف: (خيركم من إذا رُئي ذُكر الله) بل هو قول الله عز وجل: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي..)، إن هناك فروقاً بين أن أحمل في شخصيتي علوماً أو أن تسطّر لي شهادات تتوصّف بها السير الذاتية، وقد تكون رقعات لفراغات في الروح والأخلاق!!، وبين فجوات واضحة تدل على غياب المصداقية والعمل والأخلاق والاحترام للكرامة الإنسانية من حولنا مما يثير الاستفهام تجاه من يحمل كنوز المعرفة والمنطق والأدبيات وهو في سيرته وتصرفاته لا يدل عليها، وهي لا يليق بها أن تتلبس بمثاله!؛ ولقد جاءت كلمة (وعملوا الصالحات) بعد تحقيق الإيمان القاعدة والمبدأ، والثابت لها هي لأجل أن يكون هذا الإنسان في عمله الدليل عليها في الأخلاق وفي الاهتمام وفي شفافية القلب والروحانية مع أخلاق رب العالمين فيه، ثم في إخلاص المبادرات والاجتهادات في خطوات العمل على دنيا هذه الحياة، أليس هذا الإنسان هو نفسه المقصود بحمل الأمانة التي عجزت السموات والأرض والجبال عن حملها وأشفقن منها؟!
ألا إن أخطر كارثة في تاريخ الدين والشرائع والنظم والقوانين والحياة البشرية عامة وجود الفجوات الواسعة أو الضيقة بين ما نعلمه وما ينبغي أن نعمله وننفذه، وليست المشكلة أبداً بين الحق والباطل فلكل جبهته وجهته الكونية، ولكن المشكلة في النفاق والكذب والخيانة التي يتلوّن بها أي من الفريقين!!، ولما سئل الرسول عليه الصلاة والسلام عن المؤمن هل يزني أو يسرق أو يشرب الخمر؟ قال: بلى، ولمّا قيل له: أيكذب المؤمن؟! قال: لا يكذب..!
(للحديث بقية)