سلّم أولويّات الأمّة.. بقلم: فادي برهان

سلّم أولويّات الأمّة.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٦ أبريل ٢٠١٤

عندما تتعرض الأمة للأخطار والتهديدات والأهوال، وتحاصرها الرزايا الجسام من كل جانب ويتسابق عليها المتآمرون من كل حدب وصوب ومن كل فج عميق، يتعيّن على من فيها من العقلاء والحكماء والأفاضل وأهل الحل والعقد أن يضعوا سلم أولويات ينقذها من المزيد من التردي والتقهقر والانقسام ويدرأ عنها شرور الفتنة والمصائب.
ومن الطبيعي أن يهبَّ الغيارى لهذه المهمة ويأخذوا على عاتقهم قضية إنقاذ الأمة، مقدِّمين المصلحة العامة على المصالح الشخصية متعالين على الجراح والصغائر والخلافات الجانبية متّحدين متعاونين واضعين نصب أعينهم قضيتهم المركزية متناسين كل ما يمكن أن يشغلهم عنها. وعلى هذا يجب على العرب والمسلمين باعتبار أن قضيتهم المحورية (فلسطين المحتلة) أن يركزوا كل جهودهم لدعم محور الممانعة والمقاومة الذي تعتبر سورية الحلقة الذهبية والأساسية فيه، وهي التي رفعت شعار تحرير فلسطين ودعمت المقاومة وتبنّت قضيتها منذ عام 1948م.
ولطالما سكتت الثورات العربية الموصوفة بأنها (ربيع عربي) عن قضية فلسطين ولم ترفع شعارات مناهضة لإسرائيل ولم تندد بالاحتلال ولم تسقط اتفاقية كامب ديفيد المبرمة بين مصر والكيان الصهيوني، فهي بلا أدنى شك ثورات مشبوهة قامت في عدة بلدان عربية لحفظ أمن إسرائيل ولإشغال العرب عن قضيتهم التي فاق عمرها ستة عقود من الزمن، ولخلق عصابات إرهابية تكفيرية تنتهج العنف والفتن وإثارة النعرات المذهبية والطائفية  للوصول إلى السلطة وتقلب بوصلة الصراع العربي الإسرائيلي إلى الداخل، وتقزّم سلم أولويات الإسلام، وتستخفّ بعقول المسلمين وتستغلهم ليقتلوا بعضهم وينشغلوا عن همّهم الأساسي.
فبدل أن يتجهوا بسلاحهم إلى تل أبيب ليتخلصوا من الغدة السرطانية التي تربّصت في قلب الأمة، اتجهوا بسلاحهم إلى صدور إخوان لهم وأبناء وطنهم فقتلوهم متذرعين بتهمة التكفير المبنية على ما حذّر منه رسول الله (ص) عندما قال: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) وبدل أن يسقطوا اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل- وهم الذين يدّعون أنهم مسلمون- قطعوا العلاقات الدبلوماسية مع دمشق وأغلقوا سفاراتهم، وبدل أن يهدموا السفارة الإسرائيلية فوق رؤوس أصحابها في القاهرة ذهبوا لهدم الأضرحة والقبور والعتبات المقدسة. فما حال أمةٍ اختلَّ سلم أولوياتها؟ وسيطر على قرارها التكفيريون؟ وتقزّمت أهدافها؟ وضاق أفق مترفيها ففسقوا فيها؟. ولمصلحة من تحارب اليوم جيوش عربية من قبل مجموعات إرهابية مجرمة مدعومة خليجياً تسعى للدمار والخراب والتقسيم؟
وهل من أهداف المشروع الإسلامي أن يقتتل أبناء الأمة فيما بينهم ويتركوا إسرائيل تنعم بالأمن والأمان والاستقرار؟ أم هل من أهدافه أن تقسّم المنطقة العربية إلى كانتونات طائفية ومذهبية لتبرير وجود الدولة اليهودية في قلب الأمة العربية والإسلامية؟
 ألم يستطع قادة العرب أو جامعة الدول العربية التي تدّعي زوراً وبهتاناً تمثيلها للأمة العربية أن تضع سلم أولويات واضح المعالم أو رؤية سياسية حقيقية نميز من خلالها العدو من الأخ أو الخصم من الصديق؟
لقد انقلب سلم أولويات الأمة فاختلط الحابل بالنابل وتلبّد الضباب السياسي وتداخلت المفاهيم في عقول الكثيرين، وأصدر شيوخ الفتنة فتاوى سياسية توجب التحالف مع العدو لغدر الأخ والنيل منه فاختلفت المعايير وأضحى العدو التاريخي أخاً حميماً وأصبح الأخ عدواً لدوداً وطفَت على السطح سجالات لا طائل منها إلا نبش التاريخ وإثارة الضغائن وإحياء الفتن وتفريق عرى وأواصر الأخوّة بين أبناء البلد الواحد بل والحي الواحد. 
فهل نرى قريباً حلاً سياسياً اجتماعياً اقتصادياً شاملاً على مستوى الأمة بأكملها يرتب سلّم أولوياتها ويضع النقاط على حروف الحقيقة ويخرجها من الظلمات إلى النور؟؟
يبقى السؤال مشروعاً.. وإن بَعُدَتِ الإجابة..