لماذا لم يأت غودو؟.. بقلم: هنادة الحصري

لماذا لم يأت غودو؟.. بقلم: هنادة الحصري

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٥ أبريل ٢٠١٤

هو خواء الإنسان المعاصر حيث اختفى مفهوم الدافعية، فقط مشاعر وحشة وفراغ ويأس وخوف وقلق، تتضح هذه العبثية في وجود كوني يدّعي الحضارة والتقدم وفي الوقت نفسه يسعى إلى الدمار والخراب، فأين ميزان العقل؟!
يقول الأديب البريطاني برناردشو: "إن البشرية لم تتطور بعد لمستوى الإنسان العاقل الناضج وإنها قد لا تبلغ هذا المستوى لأنها لا تزال تختلق الحروب وتعمق النزاعات، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تدمير البشرية ومن ثم انقراض البشر بالكامل".
إن نظرة عميقة في نتائج الحرب العالمية الثانية في الغرب تري بكمٍّ كبير تضخم النزعة الفردية والفشل القاتل في القدرة الإنسانية على قهر الواقع السوداوي وظهور مبدأ العبثية واللاجدوى من هذه الحياة، جسّدها عدد من الأدباء رائدهم صموئيل بيكيت وجان جينيه ويوجين يونسيكو.. الخ. حيث تم التركيز على واقع الإنسان النفسي، ضياع ودوران في حلقة مفرغة وليس هناك أي مخرج!.
في رائعته "بانتظار غودو" نجد تجسيداً لكل ما ذكر تراجيديا تعانق كوميديا وأساليب مختلطة من وجودية ورمزية وفلسفية وما كان خلق شخصية "فلاديمير واستراغون" إلا لتوضيح الانتظار "الممض" في هذا العالم حيث حوارهما بلا معنى وكأنه صادر عن اللاوعي، وفي هذا قصدية إبداعية تفسر أن ليس هناك من جديد قادم في مزج بين التراجيديا الميتافيزيقية والدعابة الساخرة حيث انتظار هذا الغودو هو انتظار للعدم والموت.
إن العلاقة بين الشخصيات كما هي العلاقات الاجتماعية اليوم إما تكميلية رغم تناقضها الشديد وإما فيها من الإشارة إلى العلاقة بين الجسد والعقل – الجانب المادي في الإنسان – فكأن هذه المشاهدة ترصد حياتنا وكأننا نسير في غابة موحشة بعينين مغمضتين تمر أمامنا أشباح وأصوات وأحداث ونحن نحار بين أن نواجه أو نرتد إلى مكمننا.
وبعد كل هذا الانتظار "الممض" لم يأت "غودو" ولن يأتي حتى أن بيكيت نفسه لم يعرف من هو غودو وعندما سأله المخرج الأميركي شنايدر عنه أجاب: "لو أني أعرف لقلت ذلك في المسرحية".
نال بيكيت جائزة نوبل عن هذه المسرحية وقد قال أحد النقاد الفرديين: "لقد منحوه جائزة الامتياز، الجائزة التي أسسها مهرج آخر، إنسان ملأ جيوبه بينما كان يخترع أفظع المسلّيات الشيء الذي يمكنه أن ينسف كوخاً والاختراع الذي يميت من الضحك تسلية العصر: الديناميت وما دامت القصة قصة متفجرات، ففي رأينا أن ما اخترعه بيكيت أكثر تفجراً مما اخترعه نوبل".
يقول ألبير كامو: "على الرغم من وجود العبث في صميم هذا العالم تظل هناك حياة ممكنة وأخلاقية ممكنة والقيمة العظمى هي الوعي".
أتساءل: هل هناك خلطة سحرية تنقذ هذا الراكد الوجودي؟...
 
 
أطوف
وأسأل الدنيا عن الفرح
وأبحث عن لصاقات تلون جلدنا بالحب
أبحث قبل أن يمضي قطار العمر
وينضب زيتنا الأخضر
وتصبح كربلاء غطاء هذا الدهر
تنام خيول طروادة
على حزن الحصار
نقبل الأوهام
نعلك جلدنا المطاط
نسقط في فراغ الزيف والعتمة