حروب الديموغرافية .. بقلم: إيفلين المصطفى

حروب الديموغرافية .. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

السبت، ١٢ أبريل ٢٠١٤

Evlism86@gmail.com
ربما يخيل للبعض أن التحولات السياسية التي يشهدها العالم تعود أسبابها لبرْهنة مَن الأقوى والقادر على فرض شروطه وسياسته، هذه الرؤية ليست خاطئة لكن إن أردنا منح ما يحدث في العالم من تغيّرات سياسية رؤية أعمق علينا أن نغوص في جذور هذه التغيرات وأسبابها.
بعيداً عما يتم إظهاره والترويج له حول أسباب تلك التحولات، لابد أن نستقرئ خفايا ما يحدث دون إغفال جانب على حساب آخر؛ فربما يحلل البعض أن ما يحدث مردّه لأسباب سياسية في حين يرى آخرون أن الأمر متعلق بالمصالح الاقتصادية، ومابين هاتين الرؤيتين يبقى العنصر الأهم والمسبب لجميع تلك الأحداث والاضطرابات هو العنصر البشري.
فقد باتت قضية الديموغرافية من القضايا الهامة التي تشغل الخبراء وواضعي الاستراتيجيات في العالم إذ تُبيّن الدراسات أن انخفاض نمو السكان في بعض البلدان سينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي، في وقت نجد أن هناك من يطالب بتحديد النسل في دول أخرى بحجة أن التضخم السكاني يشكل عائقاً لنمو وتطور البلاد.
للأسف فإن سياسة تحديد النسل والمطالبة بها كحل لنمو وتطوير المجتمعات أثبتت فشلها، حيث بدأت الدول المتطورة تشعر بالقلق حيال انخفاض نسبة الخصوبة، وبدأت باتباع سياسة التحفيز لكل عائلة تملك أكثر من طفلين، من بين تلك الدول فرنسا حيث أقدمت على تقديم حوافز بدفع تكاليف رعاية الطفل وتقديم حوافز أخرى للعائلات التي لديها ثلاثة أطفال، ومنذ تطبيق هذه السياسات أصبحت فرنسا الدولة الثانية في أوروبا من حيث الخصوبة تأتي مباشرة بعد أيرلندا.
سياسة التحفيز على زيادة عدد الأطفال لم تأتِ من فراغ فقد أشارت أحدث الإحصائيات من مكتب الإحصائيات السكانية أن هناك عشرين دولة في العالم تعاني نمواً سلبياً أو "صفرَ نموٍّ سكاني طبيعي"، ويعد هذا الأمر سابقة في التاريخ والمقصود بالنمو السلبي أو صفر النمو السكاني الطبيعي بأن يكون عدد الوفيات أكثر من الولادات في البلد أو تساوي عدد الوفيات مع عدد الولادات؛ فمثلاً تتقارب روسيا وبلاروسيا من انخفاض في نموها وصل إلى 0.6% حيث تؤكد الدراسات أن روسيا ستفقد 22% من عدد سكانها خلال عام 2050 ما يعادل 30 مليون نسمة؛ أي: من أصل 142.3 مليون نسمة سيصبح تعداد سكان روسيا  110.3 مليون نسمة عام 2050 وهذا المؤشر يفسر لنا سياسة روسيا تجاه قيامها بضم القرم مؤخراً، كذلك الأمر فإن أوكرانيا تعاني من انخفاض طبيعي في نسبة الخصوبة بنسبة 0،8٪ سنوياً وبالتالي فإنها مهددة بأن تشهد انخفاضاً بنسبة 28٪ من مجموع عدد سكانها بحلول عام 2050 حيث يبلغ عدد سكانها حالياً قرابة 291 .44 مليون نسمة.
كذلك تُبيّن الدراسة أن اليابان تعتبر الدولة الوحيدة غير الأوروبية على القائمة التي ستشهد زيادة في نموها السكاني 0% من حجم الولادات ومن المتوقع أن تخسر 21% من عدد سكانها خلال عام 2050 (سيحصل انكماش سكاني من 127.8 مليون نسمة وستصبح مجرد 100.6 مليون نسمة في 2050) أي لن تكون الشوارع في طوكيو مزدحمة في غضون العقود كما هي عليه اليوم.
إن تأثير انخفاض نمو السكان له مخاطر جمّة على نمو اقتصاد أي بلد، فكما نعلم بأن أطفال اليوم هم موظفون في الغد لأنهم سيدخلون في قوة العمل عند سن البلوغ، وبالتالي فإن تراجع عدد المواليد يعني عدداً أقلّ من العمال في السنوات المقبلة ليحلوا محل اليد العاملة القديمة، وتقاعد العمال، فإذا كانت معدلات المواليد تنخفض باستمرار فإن قوة العمل في البلاد ستصبح أصغر، وهذا يساهم في خفض الإنتاجية وجعل الأمة بلداً شائخاً.
إن انخفاض معدلات الخصوبة مقروناً بازدياد متوسط عمر الشخص، يعني ازدياد نسبة الأفراد المسنّين وهذا يهدد الملاءة المالية للمعاشات التقاعدية وبرامج التأمين الاجتماعي بسبب تزايد عدد المستفيدين وعدد أقل من العمال الدافعين في النظام حيث أبدى واضعو السياسات في الولايات المتحدة المخاوف بشأن الضمان الاجتماعي، لأن عدداً أقل من العمال يدفعون في النظام.
من هنا نجد أن الجيل المعروف بـ "بيبي بوم / ازدهار المواليد"  الذي بدأ ما بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ سنّ تقاعده والاستفادة من مستحقاته، وهذا الأمر سبّب في عدد من الدول أزمة اقتصادية نتيجة تحول هذا الجيل إلى جيل غير منتج، ومع نقص اليد العاملة الفتية فإن عدداً من الدول لم تعد قادرة على إنتاج إيرادات لإعالة المسنّين، خاصة أنه كلما تقدم الناس في العمر تزداد الحاجة للخدمات الطبية وتزداد تكاليف الرعاية الصحية لسنوات؛ مما يشكل أعباءً مالية كبيرة لقطاع الأعمال حيث إن معظم خطط الرعاية الصحية مموّلة من صاحب العمل وعلى نظم الرعاية الصحية المؤممة في أوروبا، وبالتالي فإن انخفاض معدل النمو السكاني يزيد من نسبة المسنّين مما يعني زيادة الطلب على الخدمات الطبية الباهظة.
جميع تلك التأثيرات دفعت بالحكومات في الاتحاد الأوروبي التي شعرت بالفعل ببعض العواقب الاقتصادية المترتبة على انخفاض النمو السكاني لتطوير سياساتها؛ استجابة لذلك قامت بالتشجيع على مزيد من هجرة العمال وتشجيع الأزواج الشباب على إنجاب المزيد من الأطفال إضافة لإصلاح بعض السياسات الاجتماعية مثل رفع سن التقاعد وتشجيع المزيد من النساء على دخول سوق العمل.
وكما يقال إذا عرف السبب بطل العجب، فجميع ما أتينا على ذكره سابقاً حول قضية النمو السكاني يوضح لنا سبباً خفياً من أسباب التحركات العالمية التي نشهدها والتي نلحظ أهمها وأبرزها أزمة الغرب مع روسيا بشأن أوكرانيا، وإن كان البعض يجد هذا السبب غير مهم علينا أن نوضحه بمقاربته على عدد سكان سورية التي تحتل المرتبة 50 عالمياً في عدد سكان من بين 228 دولة ومنطقة في العالم، حيث تصل نسبة الخصوبة في روسيا إلى 1.4 وهذا يعني إنه في عام 2050 ستخسر روسيا عدد سكان يوازي مرة ونصف عدد سكان سورية الحاليين وهذا سيؤثر على توازناتها الاستراتيجية وعلى ناتجها القومي، والسؤال هل ستقوم الحكومة الروسية عبر سياستها الأخذ بحساباتها عدد الروس الذين هم خارج روسيا والذين يشكلون 24 مليون روسي باعتبارهم جزءاً من إجمالي عدد سكان روسيا مستقبلاً كي تعوّض النقص الذي ستواجهه عام 2050؟
خاصة وأن النزاعات الديموغرافية ستجعل دول العالم تتصارع فيما بينها لتبيّن كل دولة أنها أكثر حجماً وقوة وإنتاجية من الدول الأخرى.
 من ناحية أخرى وصل أكثر من 70 بلداً (اعتباراً من منتصف عام 2007) إلى نسبة خصوبة أقل من 2% ومن دون الهجرة أو الزيادة في معدلات الخصوبة الإجمالية فجميع هذه البلدان لديها انخفاض في عدد السكان على مدى عقود قليلة قادمة.
وأخيراً أضع للقارئ والمهتم موقع حقائق العالم يقدم فيه نسب الخصوبة في كافة البلدان والكيانات في جميع أنحاء العالم.
The CIA World Factbook provides an up-to-date ranked list of total fertility rates