سد "النهضة" الإثيوبي والأمن القومي العربي؟.. بقلم: د. صياح عزام

سد "النهضة" الإثيوبي والأمن القومي العربي؟.. بقلم: د. صياح عزام

تحليل وآراء

الأربعاء، ٩ أبريل ٢٠١٤

في ظل هذه الظروف العربية الرديئة والصعبة التي تعيشها عدة أقطار عربية، لاسيما في ظل رياح وسموم ما يسمى "الربيع العربي"، استغلت الولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول العربية هذه الظروف لترسيخها وتطويرها باتجاه الأسوار راكبة موجة هذا الربيع المدمر والبائس لإلحاق مزيد من الضعف والانقسامات في صفوف العرب، لأن هذا الأمر يساعد أميركا وغيرها على الاستمرار في تحقيق مشاريع الهيمنة والنهب للنفط العربي، وتحقيق المزيد من الأمن لإسرائيل في إطار المساعي الأميركية لتسييدها على المنطقة.
في هذا الإطار يأتي الإصرار الإثيوبي على بناء "سد النهضة"، رغم ما أكدته الدراسات العلمية من خطورته على مصر والسودان.
لقد بدأت الحقائق حول هذا السد تكشف على أنه ليس مجرد مشروع اقتصادي فحسب، بل هو جزء من توجه استراتيجي، كانت له بدايات سابقة، ولحقت به تطورات في الفترة الأخيرة شددت من التشبّث به، وكلها تصبّ في اتجاه يهدف إلى جعل إثيوبيا قوة أساسية في جنوب إفريقيا، توازن وجود مصر كقوة في الشمال، تنافسها وتحدّ منها.
ولما كانت الأهداف الأساسية لإسرائيل تدخل ضمناً في الفكر الاستراتيجي للولايات المتحدة، باعتبار أن إسرائيل تمثل إحدى أهم مصلحتين استراتيجيتين لأميركا في الوطن العربي، أو حسب ما صرح به "نيوت جينغريش" رئيس مجلس النواب الأميركي سابقاً بقوله: "إن إسرائيل هي حاملة طائراتنا في الشرق الأوسط"، فإن الفكر الاستراتيجي الأميركي نفسه، يقرر أن مصر هي قلب الوطن العربي، وإذا أمكن الضغط على القلب، سُهل التحكم في المحيط العربي كله!

إن قضية إقامة سد النهضة الإثيوبي متشعبة، ومتعددة الأبعاد، فهي لا تقتصر على البُعد الإثيوبي وحده، فإثيوبيا بكل إمكاناتها لا تستطيع توفير تكاليف بناء السد، أو تتحدى منفردة المواثيق والاتفاقات والقوانين الدولية في هذا المجال، فالعلاقة الأميركية- الإثيوبية، تحتل وضعاً ملحوظاً ومهماً ومتميزاً في اهتمامات الولايات المتحدة، لدرجة أصحبت معها إثيوبيا (الوكيل لأميركا) في منطقة القرن الإفريقي، وهي وراء إدخال القوات الإثيوبية المسلحة إلى الصومال قبل سنوات قليلة، إضافة إلى ذلك صارت إثيوبيا تتلقى سنوياً 4 مليارات من الدولارات من الولايات المتحدة على شكل مساعدات عسكرية وغذائية ومعونات للتنمية.
أما البعد الثاني الفاعل في مسألة بناء السد فهو إسرائيل التي خططت وعملت منذ قيامها لإيجاد وجود لها في قضية مياه النيل، وهذا ما أكدته دراسات أميركية- إسرائيلية، كما أن هذه النظرة لمياه النيل، سبق أن تحدث عنها "شمعون بيريز" الرئيس الحالي للكيان الصهيوني في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" الصادر عام 1993، عندما قال: "في هذه المنطقة دول لديها وفرة في المياه، ودول أخرى لا يتوافر لها ما يكفيها من المياه"، وكذلك تحدثت عنه "غولدمائير" حين قالت: "إن تحالف إسرائيل مع تركيا وإثيوبيا يجعلها تتحكم في أهم نهرين عربيين هما النيل والفرات، وبالتالي تملك قوة ضغط على العرب".
إن الحلقة الأميركية- الإسرائيلية في هذه المشكلة تطورت بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي، وذلك بتوقيع اتفاقية بين واشنطن وتل أبيب للشراكة الإقليمية والتعاون المتعدد الجوانب في إفريقيا والشرق الأوسط.
هذا، وبالرغم من أن أميركا والغرب عموماً كانوا طوال السنوات الماضية يعترضون على بناء السدود، لأنها تمثل تهديداً للأمن القومي في القارة الإفريقية، إلا أن موقفهم من بناء سد النهضة تغيّر، فأميركا تردّ بهذا الشأن، بأنها تقف على الحياد وتحثّ الطرفين المصري والإثيوبي للتوصل إلى حلول توافقية بينما تقف أوروبا على الحياد!
والجدير بالذكر، أن العمل بإقامة السدود في إثيوبيا تضاعف بعد إزاحة نظام مبارك ولاسيما بعد ثورة 30 حزيران التي أقصَت حكومة الإخوان المسلمين عن السلطة، وذلك في تجاهل تام لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن الأنهار والتي تنص على مبدئي: الإخطار المسبق للدول الأخرى المستفيدة من الأنهار، وعدم إلحاق الضرر بها.
إذاً، نخلص إلى القول بأن مشروع بناء سد النهضة الإثيوبي يأتي في إطار تخطيط استراتيجي بعيد المدى، تقف وراءه أميركا وإسرائيل، ويهدف إلى تغيير التوازن الاستراتيجي، بصورة تستهدف مصر أساساً التي تشكل مركز التوازن والثقل في الوطن العربي، كما بات من الواضح أن التغيير الذي حدث في مصر عام 2013 بقيادة المشير السيسي بإنهاء حكم الوكيل الإخواني لأميركا، أربك حسابات إستراتيجية كان قد تم الترتيب لها، ولهذا اتجه التفكير الأميركي إلى استخدام العنصر الإثيوبي في المشكلة ضد مصر للضغط عليها، وهذا ما يخدم المخطط الإسرائيلي لإضعاف مصر وتشتيت قدراتها على الاستقرار والنمو.

باختصار شديد، إن سد النهضة الإثيوبي يشكل خطراً كبيراً على الأمن الوطني المصري، والأمن القومي العربي في خاصرته الجنوبية في إفريقيا، ويشكل عدواناً صارخاً على الحقوق المائية والتاريخية لكل من مصر والسودان، لأنه يسبب لهما أضراراً كارثية، إذا لم يكن بناء السد ملتزماً بشروط السلامة الفنية الكافية، علماً بأن لجنة خبراء دولية أكدت في تقرير لها أن إثيوبيا تمضي في بناء السد على النحو الذي تريده وفرض الأمر الواقع على مصر والسودان، إلى جانب أنها تعمل للوقيعة بين القاهرة والخرطوم، من جانبها تعمل جماعة الإخوان المسلمين على التحريض على مصر في هذا المجال بالتعاون مع أميركا وإسرائيل لتركيع الدولة المصرية وتأديب الشعب المصري لانسياقه وراء ما يسمونه الانقلاب العسكري (ثورة 30 حزيران).