تقارب ايراني ـ سعودي يهدّئ لبنان ... ماذا عن سورية؟

تقارب ايراني ـ سعودي يهدّئ لبنان ... ماذا عن سورية؟

تحليل وآراء

الأربعاء، ٩ أبريل ٢٠١٤

طرح النجاح المبدئي للخطة الامنية في شمال لبنان، وقبله تشكيل الحكومة اللبنانية، أسئلة كثيرة عما اذا كان الأمر مجرد ثمرة لتفاهم محلي ام انعكاساً لانفراجات اقليمية. يبدو، وفق معلومات حصلت عليها «الاخبار»، أن التشنج الايراني ــ السعودي مرشح لبعض الحلحلة إذا ما نجحت الاتصالات الاولى في الاتفاق على بعض القواسم المشتركة. إذا نجح، فإن احتمال الهدوء الامني في لبنان والتوافق على رئيس للجمهورية قائمان. اما في ما يتعلق بسوريا، فالاوضاع لا تزال معقدة، وإن كانت غير مستحيلة
قال السيد حسن نصرالله كلاماً خطيراً في حديثه إلى الزميلة «السفير». يحتاج المرء أياماً ليفصِّل التلميح قبل التصريح. رسم، بدقّته المعهودة، خريطة الحاضر ومآلات المستقبل الواعد للمحور المنتمي اليه. من بين ما قاله إنه يؤيّد تقارباً سعودياً ــــ إيرانياً رغم الدور «السلبي» للسعودية. تزامن ذلك مع إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق عن قرب عودة السفير السعودي في لبنان بعد النجاح المبدئي للخطة الأمنية. شيء ما، اذاً، يُطبخ في الكواليس. شيء ينطلق من التفاهم الايراني ــــ الغربي وينسحب على ايران والسعودية.

فماذا في المعلومات؟

يُحكى عن لقاء أولي، سعودي ــ إيراني، حصل بعيداً من الأضواء. البعض يتحدث عن أكثر من لقاء. مصلحة الطرفين ألا يتم الحديث عن الأمر قبل أن يتبلور مناخ ايجابي. لا تزال الاتصالات في سياق جس النبض. لا توجد اختراقات في سورية. في لبنان نعم.
إيصال الملف النووي الى خواتيمه الايجابية ووقف الحرب في سوريا أولويتان إيرانيتان في الوقت الراهن. التباينات في شأنهما مع السعودية لا تزال كبيرة، لكن مكافحة الارهاب صارت أولوية للجميع.
القرار السعودي في وضع الإخوان المسلمين على لائحة المنظمات الارهابية كان لافتاً. صحيح انه يساعد مصر عبد الفتاح السيسي، ولكنه أيضاً يضعف التيار الاخواني في سوريا. ثمة من يذهب الى حدّ الاعتقاد بأن إبقاء ايران خيوط تقارب مع الاخوان قد يفيد في نهاية المطاف السعودية نفسها لأن طهران تستطيع لعب دور المهدئ او الوسيط. يتعزز ذلك لو استمر التقارب الايراني ـــ المصري.
لم يكن ممكناً تشكيل حكومة لبنانية، ثم الاتفاق على الخطة الأمنية، والدخول الى مناطق كانت عصيّة في السابق على مجرد التفكير بدخولها مثل باب التبانة او عرسال، من دون هذا المناخ الاقليمي الذي بات يبعث ببعض الاشارات الايجابية.
رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أعطى بنفسه الضوء الاخضر لقائد الجيش جان قهوجي قبل الخطة الامنية. حصل اتصال هاتفي او اكثر بينهما. تيار الارهاب والتكفير بات منبوذاً، اقليمياً ودولياً. القرار السعودي بمحاربته، بعد القرارات الأميركية العديدة، ما عاد يترك لتيار المستقبل الكثير من الخيارات. ثم ان المستقبل نفسه صار يشعر بخطورة قادة التكفير على مستقبله. القرار السعودي قارب ايضاً نظرة الحزب للتكفيريين. قال الامين العام لحزب الله في حواره امس: «انا اعتقد ان هذه الخطوات تأثرت بشكل او بآخر بالقرار السعودي». القول مقصود.

حزب الله والتقارب

تجمع القيادتان الايرانية والسورية على تفويض الملف اللبناني للسيد نصرالله. ما يقرره تقبلان به. هذا ما حصل فعلا أثناء تشكيل الحكومة. صحيح ان نجيب ميقاتي كان الافضل في العامين الماضيين بالنسبة الى محور الحزب، لكن الرئيس ميشال سليمان كاد يقلب الطاولة. ما أن بدأ سليمان بالسعي حثيثاً لتشكيل حكومة أمر واقع حتى استشعر حزب الله بالخطر. كان امامه ثلاثة خيارات: اما يواجه الحكومة بتحرك شعبي وعسكري واسع في لبنان، وهذا كان محتملاً فعلاً، او السكوت، وهذا مستبعد، أو «تحويل الخطر الى فرصة».
معروف ان لدى حزب الله دائماً ثلاث خطط، واحدة ضد اسرائيل، هذه لا تتحرك أبداً في أي اتجاه آخر. لحسن حظ لبنان انها لا تتحرك ولسوء حظ اسرائيل. وثانية لحماية كل المناطق التي تتواجد فيها بيئة حزب الله من بيروت والضاحية الى الجنوب فالبقاع، وثالثة لسوريا.
بعد ازدياد خطر الارهاب والتفجيرات. كان لا بد من التحرك بغطاء حكومي. لو تحركت حكومة ميقاتي والحزب، كان في الامر خطران، أولهما السقوط في فخ الفتنة المذهبية التي تحرّكها خيوط داخلية وخارجية كثيرة، وثانيهما تعرض خطوط التواصل والامداد لقطع طرق من البقاع الى الجنوب فبيروت.
بدا مهماً ان يتولى أركان تيار المستقبل القرار الامني حيال مناطق تشكل بيئة جيدة لهذا التيار. جاء التوافق على اسمي نهاد المشنوق للداخلية وأشرف ريفي للعدل مناسبين تماماً. تفضيل المشنوق كانت له طبعاً أسبابه المتعلقة بارتباط ريفي بالمحاور الطرابلسية. الاكيد ان لا ايران ولا سوريا تدخلا في هذه التشكيلة التي ظهرت وكأنها تجاوب مع المساعي الاميركية والغربية والسعودية. لعب رئيس جبهة النضال وليد جنبلاط دوراً مهماً بين تمام سلام والاميركيين والحريري. مقربون من 8 آذار يتحدثون عن لقاءات حصلت في اسطنبول. جنبلاط ينفي.
ربحت هذه الدول حكومة قريبة لها، وربح حزب الله اموراً كثيرة: جلس خصومه السابقون الى جانبه في الحكومة. جنَّب البلاد فتنة كانت ستتحول الى صراع مسلح. وفّر على نفسه الكثير من التفجيرات. منع احتمال تحول طرابلس الى بؤرة للسيارات المفخخة بعد التضييق على عرسال. تحول خصومه من قادة محاور ومسلحين في طرابلس الى ملاحقين من العدالة ومطلوبين هاربين. الاهم، انه بقي يقاتل في سوريا وسقط شرط تسليم سلاحه بينما نزع سلاح الآخرين.

ماذا عن المستقبل؟

يشعر حزب الله وحلفاؤه في سوريا وايران انهم يربحون في الاستراتيجيات الكبرى في المنطقة. كلام السيد نصرالله، وكذلك ما نُقل عن الرئيس بشار الاسد، يؤكدان ذلك. يتزامن ذلك مع تقدم الملف الايراني. لبنان هو تفصيل في تلك الاستراتيجية.
لا شك في ان المعركة لا تزال شرسة في سوريا. هذا مؤثر طبعاً، لكن الجيش السوري وحزب الله لديهما من التفاصيل العسكرية ما يؤكد ان الارض تتحول يوماً بعد آخر لصالحهما. السيطرة على الغوطتين الشرقية والغربية تبقى الهدف الاهم. قتل الكثير من قادة التيارات التكفيرية. تحوّلت المعركة الى القلمون قبل الانتهاء من الغوطتين لاسباب تتعلق بالتفجيرات التي تكاثرت في بيئة حزب الله في لبنان. درعا ليست بالخطورة التي يتحدث عنها البعض. كسب ستعود عاجلاً ام آجلاً. حلب هدف استراتيجي من المأمول ان تنتهي قبل الانتخابات الرئاسية، لكن الوضع لا يزال معقداً هناك. قناعة السيد نصرالله ان الاسد باق وسيترشح ويفوز. هذا مهم، غير ان الاهم هو كيف ومتى ستنتهي الحرب. لا بد من تفاهم سعودي ــــ ايراني لمساعدة السوريين على انهاء الحرب.

عون للرئاسة؟

قرار حزب الله بدعم العماد ميشال عون للرئاسة حاسم. هذا خيار أخلاقي وسياسي بامتياز. العماد وقف الى جانب الحزب وسوريا في أكثر الاوقات صعوبة. لا يمكن ترشيح شخص آخر. سوريا تدعم ما يريده نصرالله. هي الاخرى تحفظ لعون شرف الوقوف الى جانبها بعد قتال معها. لكن هل يقبل تيار المستقبل؟ هذا هو السؤال الابرز لدى محور حزب الله. ماذا يستطيع عون ان يقدم للسعودية وحلفائها في المقابل؟ الجواب طبعاً عند الجنرال. يحكى عن حركة واتصالات بعيدة من الاضواء يقوم بها وزير الخارجية جبران باسيل على خطوط اميركية وسعودية وخليجية. الحزب في الاجواء.
لو اتفق الحزب والمستقبل على ايصال عون يحصل الاختراق الأبرز. رئيس مجلس النواب نبيه بري والحزب لن يتناقضا مطلقاً حياله رغم بعض اختلاف النظرتين اليه. بري بعث برسالة ايجابية جدا لعون قبل فترة. نقل الرسالة وزير التربية الياس بو صعب. رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط قد يوافق. همه الاول الجبل. لا يريد مشكلة مع عون. اوحى بذلك في كلامه لصحيفة «الحياة» قبل يومين، وهو في باريس لترتيب مستقبل الرئاسة.
كل ما تقدم مهم، لكن الاهم هو التوافق على الرئيس قبل جلسة مجلس النواب. لن تكون الاصوات هي الاساس، الأهم هو التوافق السابق. يتم الاتفاق على اسم الرئيس ثم تحصل الجلسة. هذا ما سيحصل. ان لم يتم التوافق فلا رئيس للبنان. الفراغ محتمل.

ريفي ــ حزب الله

التنسيق بين وزير العدل اللواء أشرف ريفي وحزب الله قائم على قدم وساق. ليس من المصلحة الآن المجاهرة بكل شيء. التعاون حقّق نتائج مهمة في الخطة الامنية. المستقبل والحزب يتابعان بدقة خطوات الجيش. المساعدات السعودية للجيش اللبناني نوقشت. المناطق التي يدخلها الجيش وكيفية الترتيب قبل دخولها بأقل خسائر ممكنة، نوقشت. معجزة دخول باب التبانة حصلت. خطوط الاتصال بين مكاتب الحزب وريفي والمشنوق مفتوحة. قد يصل الامر الى درجة يستخدم فيها مسؤول من الحزب هاتف ريفي للاتصال بالمشنوق.
ريفي طامح لرئاسة الحكومة. لغته صارت اكثر مرونة. يشعر المقربون من الحزب بذلك. بعضهم يذهب الى حد تفسير تشدده السابق بأمرين: اولهما رفض الحزب التجديد له، وثانيهما رغبته في السيطرة على قادة المحاور في طرابلس. المشنوق ايضا طامح لرئاسة الحكومة. للرجلين حظوظهما الكبيرة حتى ولو أنهما يجاهران بأفضلية الحريري. في السعي الى رئاسة الحكومة تصبح امكانية التفاهم مع حزب الله اكبر. ريفي بنى علاقات دولية وعربية جيدة. معظمها كان أمنياً. المشنوق يتمتع بحس استراتيجي عال. يتابع بدقة تطورات المنطقة. علاقاته بالسعودية او على الاقل ببعض الفاعلين فيها أكثر من ممتازة. لغته الحالية هادئة وتوافقية. ظهر ذلك جلياً في مقابلته مع «أل بي سي آي».
هل للمرء ان يتخيّل ان كل ذلك يحصل بمعزل عن السعودية وأميركا والغرب؟
ثمة مناخ ايجابي بدأ ينعكس على لبنان. الانتكاسات ممكنة لكن المناخ الايجابي يمضي قدماً نحو تفاهمات وتسويات. ظهور رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع عارياً من الدعم المباشر لقوى 14 آذار بعد اعلانه ترشحه دليل واضح. هو أحرج الجميع. المشكلة الآن ان تيار 14 آذار ان لم يدعمه، فان مصير التيار كله سيكون في مهب الريح. ماذا يبقى منه لو خرج جعجع بعد جنبلاط وغيره؟

ماذا يعني كل ذلك؟

يعني، ببساطة، ان ملفي لبنان وسوريا ينتظران تقدم الاتصالات السعودية ــــ الايرانية صوب مرحلة الانفراج. يبدو ان الامر صار حاجة للطرفين. يستطيع لبنان ان يستفيد من ذلك، اما التفاهم بشأن سوريا ففي حاجة الى صفقة أكبر أو لقبول السعودية بأن ثمة امراً واقعاً جديداً بات يحتّم تغيير مجرى الرياح. قطر فهمت الأمر منذ فترة. قنواتها مع حزب الله جيدة ولكنها لم تؤد حتى الساعة الى شيء كبير. لعل سوريا والحزب وايران يعتبرون ان قطر ما عادت تستطيع ان تقدم شيئاً بعد عزلها خليجياً ومصرياً واخوانياً، وانه من الافضل انتظار تحول سعودي او الدفع صوبه خصوصاً ان اميركا نفسها باتت تشعر باستحالة تغيير الاوضاع بالقوة.
لا خيار ثالثاً أمام المنطقة: اما تفاهمات ايرانية ــــ سعودية بشيء من غطاء دولي، او استمرار المواجهة التي قد تصيب هذه المرة في أماكن لم تصبها سابقاً.
الاخبار