في الهوية العربية (4) .."اللغة".. بقلم: شادي العمر

في الهوية العربية (4) .."اللغة".. بقلم: شادي العمر

تحليل وآراء

الاثنين، ٣١ مارس ٢٠١٤

هذا المقال الرابع في نقد خطاب الهوية العربية، ونقد الخطاب هنا لا يعني نقد الهوية ذاتها، أردت أن أوضح هذا الأمر بعدما راجعني بعض الأصدقاء مستنكرين فكرة نقد الهوية، ومع أني لا أرى حرجاً في نقد الهوية أياً كانت، إلا أنّ ما أنقده هنا هو الخطاب المعاصر في الهوية العربية كما ذكرت للتو، أمّا نقد الهوية، وهو موضوع صعب، فإن الكتابة فيه تحتاج إلى منهج بحثي أكاديمي مغاير لمقال الرأي الصحفي.
أمّا كيف تناول خطاب الهوية موضوع اللغة، فمن السهل أن نجد أن بعض أنماط خطاب الهوية المعاصر قد وضع مكانة مهمة للغة كواحدة من مكونات الهوية العربية، لكن جزءاً كبيراً من هذا الخطاب رفع هذه المكانة لدرجة تجاوزت ما تتسم به اللغة من سمات تعلل أهميتها ودورها في تشكيل الهوية عموماً.
ومن المدهش حقاً أن يعرف الإنسان العربي في بعض الاتجاهات القومية بأنه ذلك الشخص الذي يتحدث اللغة العربية، فكأن اللغة العربية هي جوهر الهوية العربية، وكأن العرب سُمّوا عرباً لأنهم يتحدثونها، فصاروا يُنسبون إلى لغتهم بدل أن تُنسب هي إليهم. ولا شك أن رفْع مكانة اللغة بهذا الشكل ينعكس على مكانة الإنسان نفسه، فاللغة تبقى منتجاً من منتجات الإنسان مهما بلغت من الأهمية والمكانة، فإن أهميتها تلك ترتبط بكونها المستودع الذي تحتفظ فيه أيّ أمة من الأمم بنتاجها الحضاري فكراً وديناً وفلسفة وثقافة.
وقد ساهم الدين بشكل غير مباشر في تعزيز مكانة اللغة العربية في الإسلام. فالقرآن مكتوب بالعربية، والشعائر تؤدى بها، حتى أنها لغة المؤمنين في "الجنة" كما في بعض الروايات! إن ربط اللغة بالدين، وضمان حفظها بحفظ الذكر «القرآن»، وتحريم نقدها أو محاولة تطويرها، واعتبارها موقوفة من الله، جعلها لدى بعض من كتبوا في الهوية العربية، أهم من الإنسان، وحكم عليها وعليه بالتخلف الذي طال حتى مفهوم الهوية نفسها.
ومن الطبيعي أن يكون للغة العربية سمات وصفات تميزها عن غيرها من اللغات، وقد نجد فيها صفات تجعلها فريدة لا تتشابه مع أي لغة أخرى، ولكن هذا لا ينفي أبداً أن يكون لأي لغة في العالم صفات وسمات تميزها عن بقية اللغات ومن ضمنها العربية، ولن يكون غريباً أيضاً أن نجد في لغة ما صفة أو أكثر، لا توجد في بقية اللغات. وإذا ما تحدثنا عن عبقرية اللغة العربية، فإن لكل لغة متحدثيها الذين يقولون بعبقريتها. أمّا عندما يقول مفكر عربي إن اللغة العربية هي الأدق والأفضل للتعبير عن القضايا العلمية أو الفلسفية من بين كل لغات العالم، فإن الواقع يقول إن كل لغة قادرة تماماً على التعبير عن منجزات الأمة التي تتحدث بها، لأنها اللغة التي تفكر بها عقول هذه الأمة، وهذه العقول هي التي صنعت هذه المنجزات.
إن حل مشكلة التعصب "الزائف" للغة، في الهوية العربية أو في أي هوية أخرى، لن يكون إلا بفك الارتباط بينها وبين المقدس أياً كان، حفاظاً على كليهما، فلا الدين هو الذي يطور اللغة ولا اللغة هي التي تحفظ الدين، ولن يكون للغة مكان في صنع الهوية إلا عندما يشعر الإنسان أنه هو الذي يصنعها ويطورها بشكل يجعلها قادرة على الوفاء بمتطلباته وحاجاته منها.