الشيشانيون القوقـاز.. سُلعة الأتراك لمقاتلة الروس في «كسـب سوريــة»

الشيشانيون القوقـاز.. سُلعة الأتراك لمقاتلة الروس في «كسـب سوريــة»

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٨ مارس ٢٠١٤

ضربت روسيا بلعبتها الذكية في القرم، وضمّتها بما فيها إلى إمبراطوريتها الناشئة مجدداً، وباتت في الأعلى، تراقب العثماني عن كثب. تركيا لا مصلحة لها بأن تصبح “القرم” جزءاً من روسيا، هي تتمتّع بجالية تركية (التتار*) في شبه الجزيرة وعلى وفاق مع أوكرانيا بوجه روسيا، ومن الصعب عليها تحمّل فكرة وجود روسيا على منطقة إستراتيجية مطلة على البحر الاسود، تقع إلى الشمال من حدودها، ويصبح “مواطنوها” في القرم، جزءاً من الشعب الروسي!!! هذا صعب!
قرّرت تركيا الرّد، بإعتبار انّ ضم «القرم» إلى روسيا له إمتداداته الجيو-سياسية نحو تركيا، ما إعتبرته تهديداً مباشراً لها. على أبواب الانتخابات التركية، سعت “أنقرة” للرّد وكسب ذلك في الحملات الانتخابية، وخلق عدو جديد للشعب التركي، بعد ان خلقت له النظام والجيش السوريين. لعبة تركيا في “منطقة نفوذ روسيا” في سوريا، الساحل السوري بكل ما يتمتّع به من ميزات، وصولاً لميزة «القاعدة البحرية»، وسعت تركيا هنا لمقارعة الروس بأشد الاعداء لهم، القوقازيون والشيشان.
دعمت تركيا علناً المد القوقازي الشيشاني الغازي للساحل السوري. جعلت من ارضها منطلقاً للبرابرة الجدد لاجتياح الساحل السوري وفرض معادلة جديدة تصل أبعادها إلى موسكو مروراً بـ«أنقرة»، وكأن تركيا أرادت من ذلك توجيه رسالة قوية إلى الروس مفادها: «نستطيع تحريك الشيشان متى أردنا».
ذهبت أبعد من ذلك، مع تشكيل غرفة عمليات الهجوم الذي سمّي «معركة الأنفال» على أراضيها، وضعت على رأس قيادته، المدعو «أبو موسى الشيشاني» الذي يشغل موقع القائد العسكري العام لـ «لواء أنصار الشام» الذي يقود الهجوم بالاشتراك مع «جبهة النصرة» و«حركة شام الإسلام»، بالتعاون مع «سيف الله الشيشاني» أمير «جيش الخلافة» في القوقاز، والذي «شحنته» تركيا من الشيشان إلىسوريا مع جماعته.
«أبو موسى» هذا له تاريخ عدائي مع الروس وهم يشاركونه العداء. في فترة التسعينات شارك في عملية «خير الله» التي نفذها مقاتلون قوقاز ضد الجيش الروسي بعد انحلال الاتحاد السوفييتي تحت إمرة مسلم الشيشاني.
تحت وابل القصف التركي المساند لهجمة البرابرة الجدد ميدانياً، والقصف الإعدادي للهجوم عبر طبيعة من يشارك به فهمت روسيا اللعبة. أبقت أسطولها في المياه السورية هادئاً يترقّب التطورات، وهو جاهز للتحرك متى يرى إقتراب منسوب الخطر من «المصالح الجيو-إستراتيجية الروسية في سوريـا». هذه قاعدة روسية في «المياه الدافئة»، صرّح بها منذ مدّة أحد الجنرالات الروس من موسكو يوم «حذّر المعارضة السورية من أي خطر تتعرّض له قاعدتها في طرطوس، بحكم انها أرض ذات سيادة روسيّة، أو مصالحها في سوريا، ومن ضمنها الساحل ككل». أتى ذلك بعد تهديدات من الميليشيات بإستهداف القاعدة. وضع يومها «الجنرال» قاعدة إشتباك محرماً المساس ضمناً بالساحل السوري تحديداً.
أتت تركيا لتلعب بالخطوط الحُمر الروسيّة. الروسي نعهده هادىء ويأخذ الأمور برويّة. لم يذهب نحو طريق التهديد والوعيد كالتي أطلقتها الولايات المتحدة يوم «حجة الكيميائي»، بل تصرّف بمسؤولية لصد هجوم «البرابرة القوقاز» نحو الساحل. عزّز من دعمه للجيش السوري العسكري. يقول مصدر مختص بالسياسة الروسية في المنطقة، ومطلع عن كثب حول تطورات الوضع السوري، انّ «روسيا عزّزت دعمها العسكري لسوريا فور بدء معركة ريف اللاذقية».. «تكاد مطارات الساحل لا تخلوا من الطائرات الروسيّة القادمة لتفريغ حمولتها من الاسلحة لدعم الجيش».
كلام قليل محدود من عارف من الشؤون الروسية يكاد يكشف لك الخبايا حول أهمية ليس الساحل، بل سوريا ككل بالنسبة لروسيا، ويكشف لك ايضاً طبيعة الدور التركي المشبوه، وإلى أين يتوجّه، وفهم روسيا له بشكل أكثر من جيد، فهي تعمل وفق ما تمليه المصلحة الروسية – السورية، وتعتبر انّ معركة «كسب» بكل ما فيها، هي معركة لمقاتلة الروس لـ «كسب سوريـا»، في مرحلة أولى، والتلويح بـ «القوقاز» لتهديد روسيا في مرحلة ثانية، في الجمهوريات المشتعلة التي يتخذ منها هؤلاء قواعد عمل عسكري.
معركة «كسب» باتت اليوم معركة ليس فقط سوريا، بل روسيا، ومعركة تركيا بكل ما يتضمّنه ذلك من عدّة الحرب اللاذمة، وعلى الرغم من دخول المعركة أسبوعها الثاني، نرى انّه لا تقدم ميداني على الأرض لصالح المعارضة، بل تراجع مستمر وعدم إمكانية بالحفاظ على الحد الأدنى من أمتار قليلة تمّت السيطرة عليها، ولم تدم هذه السيطرة إلا ساعات قليلة.
طبيعة عسكرية متقلّبة في ميدان «كسب»، و «الكسب» لمن يكون أذكى. الهجوم الشامل للمعارضة الذي قدر بأكثر من 5000 مقاتل جلّهم من الشيشان والقوقاز والسعوديين، لم ينجح للان من تحقيق أي هدف يُذكر. الهدف الابرز الذي عُمل عليه، في المرحلة الأولى للسيطرة على محور: «كسب، سلمى، السمرا»، سقط ولم يتحقّق، مترافق مع إستحالة حصول ذلك بسبب المقاومة السوريّة، وحتى السيطرة في «كسب» للمعارضة، هي تأتي على مسطح أرضي متحرك يكاد لا يستطيع المعارضون الحفاظ عليه، بل تتجه المعركة لـ «كر، وفر» تؤدي حتماً في النهاية لتراجع المسلحين وإنهاء المشروع.
المعركة تُنذر في نهايتها لخسارة تركيا كل شيء بحكم الوقائع على الميدان. خسارة تركيا هذه المرة تعني هزيمة حلف «أردوغان» وتراجع النفوذ التركي في اللعبة العسكرية في سوريـا، بكل ما يترتّب عليه ذلك من تغيّرات في الداخل التركي، تصل للاطاحة بالنظام الإسلامي ككل!.
*التتار – يشكلون نحو 4% من نسبة سكّان القرم، وهم من الاتراك الذين تمّ توطينهم في الجزيرة ايام الامبراطورية العثمانية.