دموع صاحبة الـجلالة!.. بقلم: د. بسام الخالد

دموع صاحبة الـجلالة!.. بقلم: د. بسام الخالد

تحليل وآراء

الاثنين، ١٧ فبراير ٢٠١٤

"صاحبة الجلالة، السلطة الرابعة، مهنة المتاعب".. ألقاب أُطلقت على الصحافة عندما كانت الصحافة سيدة الساحة قبل اختراع الراديو والتلفزيون والفضائيات ووسائل الاتصال الإلكترونية العملاقة التي تنقل الحدث من أبعد مكان في العالم بأقل من دقائق معدودة.
هذه الألقاب تلاشت اليوم ولم يبقَ منها إلا "المتاعب" التي يعيشها العاملون في صناعة الحرف وخلق الكلمة، وأقصد الذين يعملون - فعلاً - في مهنة الصحافة ويقدّمون عصارة فكرهم ومخزون أعصابهم لمتابعة الكلمة الصادقة أينما كانت ومهما قست الظروف، لا الذين يتسلّقون على المهنة لتكون مطيّة لهم لتحقيق الأغراض والمنافع الشخصية التي يضعونها في سلم أولوياتهم ويقدّمونها على مصالح الجميع!
ما دعاني للكتابة في هذا الموضوع هو شخصية "محفوظ عجب" في مسلسل تلفزيوني مصري تمّ بثه على شاشتنا منذ سنوات باسم «دموع صاحبة الجلالة».. ولستُ هنا في مجال تقديم نقد فني للمسلسل، الذي لامس شريحة الصحفيين، ضمن إطار تاريخي لمصر أيام الانتداب الإنكليزي عليها وحكم الملك فاروق، كون المسلسل جاء ناجحاً من الناحية الفنية واستطاع مؤلفه ومخرجه أن يجسدا الشخصيات بكل أبعادها لتكون معبّرة عن الشخصيات الحقيقية في القصة، وبالفعل فقد تمكّن الممثلون (معظمهم) من إجادة أدوارهم وإبراز قدرة شخصياتهم وتجسيدها بشكل دقيق معبّر عن الفترة الزمنية التي رصدها المسلسل.
كان بطل المسلسل صحفياً.. أيام كانت الصحافة هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة للتعبير عن الرأي وصنع الحدث بفعل تفرّدها الإعلامي، هذا الصحفي استطاع أن يتسلّق على سلّم المهنة بمكر حاذق، استغل فيه كل الذين يعرفهم بدءاً من سائق رئيس التحرير مروراً بشقيقته وزميلته المقربة إليه في الجريدة، ومجموع الزملاء الآخرين وانتهاء برفاق حزبه، الذي انتسب إليه لتحقيق أغراضه الشخصية ومآربه، وخطّط لذلك بأساليب دنيئة وضيعة تخلو من القيم والأخلاق والالتزام والانتماء.
مَنْ شاهد ذلك المسلسل يدرك كمَّ المحاولات التي بذلها هذا (الصحفي) لتحقيق أغراضه التي أوصلته إلى مركز صنع القرار المهني والسياسي في البلد، لدرجة نسي فيها نفسه، وأعتقد أنها لوحيد الذي يمكنه اللعب على كل الحبال والتحدث عبر كل الخطوط، إلى أن جاءت الثورة التي لم يستطع العبث بها، على الرغم من محاولاته، ووضعت له حداً وكشفت كل أوراقه واعتُقل!
هذه الشخصية، التي رُسمت ببراعة من الكاتب، تجعلنا نتوقف عندها طويلاً لأن مثيلاتها تشاركنا حياتنا الصحفية اليوم، مع اختلاف الزمان والمكان والحدث والأسلوب.
المتسلقون كُثُر، والمنتفعون كُثُر والوصوليون والانتهازيون أكثر.. وللأسف نقول: إن هذه النماذج تسعى لأن تكون في المقدمة دائماً، ودائماً تجد الوسيلة التي تدخل فيها وبوساطتها لتحقيق مكاسبها على حساب الذين لا يراهنون على كرامتهم وأخلاقيات مهنتهم.. هذه النماذج تتصدر الواجهة في كل نشاط إعلامي، وتسجّل نسبة حضور مكثّفة همّها إثبات تواجد فقط، من دون أي نتاج نابع عن هذا التواجد، حتى إذا ما سنحت الفرصة لمكسب انقضت عليه بحكم تواجدها وتآلف الآخرين مع أسمائها وأشكالها ووساطة أصحابها، مع أنها خارج المهنة ولا تنتمي إليها إلا بجوازاتٍ مزيّفة استطاعت تلميعها جيداً.
إن الصحافة الحقيقية والعاملين فيها بحق جُنْدٌ مجهولون، والصحفي الحقيقي لا يحتاج إلى "الخزعبلات" التي يمارسها أشباه "محفوظ عجب" وما أكثرهم في حياتنا الإعلامية، لكنهم في النهاية سيسقطون، وقد سقط منهم الكثير أمام "جلالة" الكلمة ومتاعب المهنة، فالكلمة لا ترحم المتاجرين بها، و"صاحبة الجلالة" إذ تذرف دموعها على الحال التي آلت إليها على أيدي هؤلاء، فإنها ترتقي بأبنائها الذين يعملون ليل نهار، ليعيدوا إليها ابتسامتها وألَقها على الرغم من كل المتاعب..!!