مئوية سعيد عقل (1912 – 2012) وشآمياته..بقلم الباحث والمؤرخ مازن يوسف صباغ

مئوية سعيد عقل (1912 – 2012) وشآمياته..بقلم الباحث والمؤرخ مازن يوسف صباغ

تحليل وآراء

الاثنين، ١٨ يوليو ٢٠١١

شآم أهلوك أحبابي وموعدنا           أواخر الصيف آن الكرم يعتصر
بهذه الأغنية كانت سفيرة النجوم السيدة فيروز تحيي رواد معرض دمشق الدولي من على خشبة مسرحه، هذه القصيدة الرائعة التي لحنها الأخوان رحباني كانت من نتاج قامة تشكل مع السيدة فيروز والرحابنة رمزاً شهيراً للبنان لا يقل شهرة عن أرز جباله إنه الشاعر سعيد عقل.
ولد سعيد عقل في الرابع من تموز 1912 في مدينة زحلة اللبنانية عاصمة سهل البقاع الذي يصل بين سورية ولبنان، إلا أن السجلات المدنية في لبنان تقول إنه من مواليد 1908، وقد قام سعيد عقل بتكبير سجل تولده في الثلاثينيات من أجل الحصول على رخصة لأول مجلة شعرية أصدرها.
تلقى تعليمه الأول في مدينته الأم وأتم قسماً من المرحلة الثانوية في مدرسة الإخوة المريميين وحلم بدراسة الهندسة، إلا أنه اضطر أن يترك المدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره ليتحمل مسؤولية الإنفاق على العائلة بعد خسارته لوالده.
نشط في حقلي الصحافة فاستقر في بيروت في مطلع الثلاثينيات وكتب في جرائد «البرق» و«المعرض» و«لسان الحال» و«الجريدة» وفي مجلة «الصياد»، وانكب في تلك الفترة على الدراسة فدرس علم اللاهوت المسيحية وعلوم السنة النبوية الشريفة والفقه الإسلامي، وتأثر بأفكار وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرغم من مسيحيته ومارونيته، حيث كتب لاحقاً إن إعجابه الشديد بسبب أن الدين الإسلامي يدعو إلى:
1- أن يعرف أنّ الله ليس رَبَّ جماعة دون سواها وإنما هو ربُّ العالمين.
2- أن يُمارِسَ الزّكاة فيُعطي ممَّا أعطاه إيَّاه الله .
3- أن يُردّد كلَّما فَكَرَّ بأمّه أجمل قَول قُرئ عن الأمّ في كتاب، وهو: «الجنَّة تحت أقدام الأمهات».
4- أن يَنْذَهِلَ بلبنان كيف أنَّه أوْحَى إلى مَنْ يَعرفون أن يُحبّوا، إدخالهَم على الحديث أنّ تُراب الجنَّة فيه من لبنان، وأنَّ عَرْشَ الله مصنوع من خشب الأرز الذي في لبنان.
5- إنْ نَسيَ كُلَّ ما قِيل عن الحبّ في الدنيا كلِّها أن لا ينسى كلمة الرسول العربي محمد: «اثنان ماتا من وفرة ما أحَبَّ الواحد منهما الآخر يَدْخُلانِ رأساً إلى الجنّة».
وبعد إنهاء دراساته عمل سعيد عقل في مجال التعليم فدرس في مدرسة الآداب العليا، وفي مدرسة الآداب التابعة للأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، وفي دار المعلمين، والجامعة اللبنانية، كما درس تاريخ الفكر اللبناني في جامعة الروح القدس وتعمق في دراسة اللاهوت والأدب العالمي وألقى دروساً لاهوتيةً في معهد اللاهوت في مار انطونيوس الأشرفية، كما درس تاريخ الإسلام وفقهه وفرقه.
بدأ سعيد عقل بإصدار الكتب الشعرية في الثَّلاثينيَّات من القرن العشرين حيث أصدر أولى قصائده وكانت ملحمة تاريخية تحت عنوان «فخر الدين».
عام 1935 أصدر المأساة الشَّعرية «بنت يَفتاح» التي نالت جائزة «الجامعة الأدبية».
عام 1937 أصدر ملحمة شعرية ثانية هي «المجدلية».
عام 1944 أصدر مسرحيّة شعرية بعنوان «قدموس»، التي كانت مقدمتها الرائعة أولى أعمال سعيد عقل النثرية.
عام 1950 أصدر ديوان غزل تحت اسم «رندلى»، الذي كان له تأثر كبير على اللبنانيين بحيث أصبح اسم «رندلى» أحد أكثر الأسماء النسائية شعبية في لبنان وسورية.
عام 1954 أصدر كتاباً فلسفياً تحت عنوان «مُشكلة النخبّة» طالب فيه بإعادة النّظر في كلّ شيء من السياسة إلى الفكر والفن.
عام 1960 أصدر كتاب «كأس الخمر» وهو يتضمّن مقدّمات وضعها لكتب منوّعة لشعراء وكتاب، وهو يعدّ من أهم كتب النقد الأدبي في تلك الفترة.
عام 1960 أصدر كتاب «لبنان إن حكى» الذي جمع فيه الموروث الشعبي للبنان من ملاحم وبطولات ومآثر وقصص شعبية.
عام 1960 أصدر أيضاً ديوان شعر غزلي تحت عنوان «أجمل منك؟ لا... ».
عام 1961 أصدر ديوان غزل باللغة اللبنانية المحكية تحت عنوان «يارا»، وقد غنت قصيدة يارا السيدة فيروز.
عام 1971 أصدر كتاب «أجراس الياسمين» الذي ضم قصائد في وصف الطبيعة.
عام 1972 أصدر «كتاب الورد» وفيه قصائد حب نثرية.
عام 1973 أصدر «قصائد من دفترها» ديوان غزل.
عام 1973 أصدر كتاب «دُلزى» ديوان غزل يعد تتمة لديوان رندلى.
عام 1974 أصدر كتاب «كما الأعمدة» وهو كتاب نقدي عن شعراء لبنان.
عام 1978 أصدر ديوان «خماسيَّات» وهو مجموعة أشعار باللغة اللبنانية المحكية.
عام 1992 أصدر ديوان «خماسيَّات الصبا» باللغة العربية الفصحى.
وكان قد أصدر ديوان شعر واحد باللغة الفرنسية عام 1981 تحت عنوان «الذَّهب قصائد».
ولسعيد عقل عدّة دواوين مخطوطة وجاهزة للطَّبع وله العديد من كلمات الأغاني التي أنشدتها السيدة فيروز مثل (أمي يا ملاكي. وبحبك ما بعرف. ودقيت. وردني إلى بلادي. وشال. وفتحون عليي. والقمر. ولاعبو الريشة. ومرَّ بي. ومرجوحة. ومشوار. ومن صوب بيتكم..).
وتبقى أشهر أعمال سعيد عقل القصائد التي نظمها في عشق دمشق - الشام والتي غنتها السيدة فيروز ولحنها الأخوان عاصي ومنصور الرحباني والتي يتغنى السوريون بسماعها ويطربون لها وبها ومنها:
قصيدة «قرأت مجدك» التي مطلعها:
قرأتُ مجدَكِ في قلبي وفي الكُتُـبِ         شَـآمُ ما المجدُ؟ أنتِ المجدُ لم يَغِبِ
شآم أرض الشهامات التي اصطبغت            بعندمي تمته الشمس منسكب
قصيدة «شام يا ذا السيف» التي مطلعها:
شامُ يا ذا السَّـيفُ لم يَِغب            يا كَـلامَ المجدِ في الكُتُبِ
قبلك التاريخ في ظلمة                 بعدك استولى على الشهب
قصيدة «سائليني» التي مطلعها:
سائليني، حينَ عطّرْتُ السّلامْ                   كيفَ غارَ الوردُ واعتلَّ الخُزامْ
قصيدة «يا شام عاد الصيف» التي يقول فيها:
يا شَـامُ عَادَ الصّـيفُ متّئِدَاً وَعَادَ بِيَ الجَنَاحُ
يا شَـامُ، يا بَوّابَةَ التّارِيخِ، تَحرُسُـكِ الرِّمَاحُ
 
قصيدة نسمت من قلب سورية التي يقول فيها:
نسمت من صوب سورية الجنوب               قلت هل المشتهى ووافى الحبيب
وبه من بردى تدفاقه                          ومن الحرمون إشراق وطيب
بالإضافة إلى قصيدته الشهيرة في مكة المكرمة «غنيت مكة» والتي مطلعها:
غنيت مكة أهلها الصيدا               والعيد يملؤ أضلعي عيدا
يا قارئ القرآن صل لهم              أهالي هناك وطيب البيدا
وبمناسبة دخول الشاعر والأديب والناقد والفيلسوف سعيد عقل عامه المئة أقيمت له احتفالات تكريمية في لبنان وقال فيه البطريرك بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة:
«عظيم سعيد عقل في لاهوته المتعمق بالمسيح والمتفقه في الإنجيل والقرآن وسائر الكتب الدينية فولج إلى عمق معرفة الله ومحبته وامتلأ حباً لكل حق وخير وجمال، وأحب كل إنسان، ولم يجد التعصب والتطرف وتكفير الآخر إلى نفسه سبيلاً.»
متمنين لسعيد عقل الصحة والعافية وله ألف سلام وتحية من الشام، ونختم بما قاله في قصيدته
أهلكِ التاريخُ من فضلتهم              ذكرهم في عروةِ الدهرِ وسام
أمويون، فإن ضقتِ بهم               ألحقوا الدنيا ببستانِ هشام

الباحث والمؤرخ مازن يوسف صباغ