ازدحام التسويات على صفيح ساخن.. بقلم: محمد نادر العمري

ازدحام التسويات على صفيح ساخن.. بقلم: محمد نادر العمري

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٤ أبريل ٢٠١٩

المراقب والمتابع للتحركات الدبلوماسية التي شهدتها الدول الإقليمية مؤخراً وبخاصة الزيارات المكوكية إلى ومن دمشق، يُلاحظ أن عواصم هذه الدول أصبحت اليوم بأمس الحاجة إلى إيجاد الحلول الدبلوماسية والتسويات السياسة، مع المحافظة على جزء من هامش المناورة العسكرية أو التهديد بها لتحسين تموضعها السياسي التفاوضي، في ظل تصعيد محتمل وهو مقبل لا محال في عدد من الملفات التي تشكل توتراً على مستوى المنطقة مع استمرار الإصرار الأميركي على استكمال إجراءاته العقابية لإحكام الطوق على إيران ومنعها من تصدير نفطها مع بداية شهر أيار المقبل، وتغير التكتيك الأميركي من الانسحاب إلى إعادة التموضع واستخدام أدوات الحرب الناعمة ضد سورية، والسعي الإسرائيلي لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب مستثمراً الفرصة الذهبية بالدعم اللامحدود وغير المسبوق الذي يقدمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصقور إدارته المقربين جداً من رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذين ساهموا بشكل أو بآخر في إعادة تكليفه رئاسة الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة من خلال إغداق الهدايا عليه وفق وصف صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، فضلاً عن اتساع رقعة صراع النفوذ الإيديولوجي بين السعودية وتركيا.
السمة الأبرز لهذه التحركات الدبلوماسية إلى جانب تحريك المياه الراكدة تكمن في أنها جاءت متلاحقة إن لم نقل إنها كانت متكاملة ومن دون فواصل زمنية، ابتداءً بزيارة مستشار الأمن القومي العراقي صالح الفياض إلى دمشق ناقلاً لها رسالة سعودية لجس النبض، وصولاً لزيارة المبعوث الروسي الخاص الكسندر لافرنتييف الذي نقل مبادرة واضحة المعالم من دون شروط سياسية وصفها «بالإيجابية» بعد اجتماعاته الثلاثة في الرياض مع ولي العهد محمد بن سلمان ومع المسؤولين الأمنيين والعسكريين السعوديين والثالث مع جزء من وفد الهيئة العليا للتفاوض في مقر السفارة الروسية. وما تخلل هاتين الزيارتين من زيارة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ليعيد مساعي طهران الحميدة في المصالحة بين دمشق وأنقرة.
المبادرة السعودية وتوقيتها السياسي يطرحان تساؤلين، الأول جدية الرياض في التوجه نحو العودة لطرق أبواب دمشق بعد انصياعها منذ شهرين للضغوط الأميركية؟ والثاني، أي من المبادرات أو التسويات هي الأقرب مع السعودية أو تركيا؟
للإجابة عن السؤال الأول فإن الواقع السياسي يضعنا بين سيناريوهين:
الأول يتمثل في أن السعودية هي جادة بتصحيح مسار علاقاتها مع دمشق لعدة أسباب:
1- نتيجة «حاجة الضرورة» السعودية مع تزايد حجم معاناة ولي عهدها محمد بن سلمان من الضغوط الداخلية والخارجية بعد تفاقم سلبيات تراكم سلوكياته وسياساته، التي أدت مفرزاتها لصيغة تحالفات داخلية بين بعض أفراد الأسرة الحاكمة الرافضين لوصوله للحكم من جانب، وصيغة أخرى ضاغطة خارجياً وخاصة من أعضاء الكونغرس الأميركيين الذين يمارسون ضغوطهم على الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمعاقبة ابن سلمان ووقف الدعم العسكري عنه في عدوانه على اليمن فضلاً عن الضغوط الأوروبية التي تمارسها معظم الحكومات تجاه الرياض بذرائع حقوق الإنسان والجرائم التي يرتكبها عدوان التحالف، لذلك قد تجد القيادة السعودية وبخاصة محمد بن سلمان في روسيا العائدة بقوة للساحة الدولية والملتزمة بمبادئها وتحالفاتها «طوق نجاة» له وقبلة آمنة لضمان وصوله للحكم، وهذا يتطلب خطوات بناء ثقة وتنازلات قد تكون عودة العلاقة مع سورية وإعادة إعمارها ودفع العملية السياسية الخاصة بها وتمهيد الطريق أمامها للعودة إلى جامعة الدول العربية، أحد أشكال هذا التوطيد الملكي لقيصر روسيا، ولاسيما أن موسكو، كما هو معلوم، هي من تملك زمام المبادرة في إدارة الحل.
2- رغبة السعودية في إعادة التوازنات الإقليمية السابقة على مستوى المنطقة لوقف زحف التغلغل الإخواني، فمعادلة «س – س» كانت تشكل محور أي توجه أو التصدي له سواء كان يضم العراق أو مصر، واليوم هناك مخاوف لدى الرياض من زيادة النفوذ التركي في المنطقة، الأمر الذي يشكل تهديداً لمكانتها «السنية» من جانب ومن جانب آخر يضعف من تأثيرها ويضيف أنقرة لصفوف خصومها إلى جانب طهران، الأمر الذي يقلقها في ظل تنامي العلاقة بين العاصمتين. لذلك فإن السعودي الذي حقق نتائج في صراعه مع الإخوانية التركية في مصر سابقاً وليبيا والسودان حتى اللحظة، ترغب في منع هذا المشروع من التمدد في الشمال السوري، لذلك قد تمارس الرياض ضغوطها على وفد الهيئة العليا للتفاوض لتسريع تشكيل وعمل اللجنة الدستورية، وقد نشاهدها في مراحل قادمة تنضم لقطار أستانا في أحسن تقدير.
أما السيناريو الثاني فإن المبادرة السعودية تأتي في إطار ما يمكن تسميته في علم التفاوض جس النبض أو المناورة، وفي كلتا الحالتين لا ترغب الرياض في إعادة علاقاتها بل قد تكون مدفوعة بعامل ثالث وهو الأميركي غالباً، لجس نبض الطرف السوري وتلمس مدى إمكانية دفعه لتقديم تنازلات وخاصة حول العلاقة مع إيران بعد فرض حصار اقتصادي على سورية وشعبها، أو أن الرياض تختبر جدية الروسي في الدخول بعلاقات إستراتيجيه مع المملكة، وهنا نذكر بالمصافحة البوتينية التي كسرت الحظر على محمد بن سلمان في قمة العشرين التي أقيمت مؤخراً بالأرجنتين إثر قضية خاشقجي، أما في مجال المناورة فقد تلجأ السعودية إلى صيغة إرسال تلميحية لواشنطن بإعادة علاقاتها مع دمشق والانفتاح على روسيا لتخفيف الضغط الأميركي عليها.
في كلتا الحالتين فإن السياسة الروسية وما تتسم به من براغماتية المصالح وتلقف الفرص، قد تستثمر هذه المبادرة إعلامياً وتفاوضياً في أقل تقدير، إن لم تكن السعودية جادة بتوجهاتها، ضد التركي، قبل وأثناء محادثات أستانا المقبلة، وخاصة أنها وصلت لمرحلة فقدان الأمل بسلوك التركي والتزاماته تجاه إدلب من خلال اتفاق سوتشي، على حين أنها قد تستثمر هذا التلكؤ التركي للتقريب بين دمشق والرياض مستغلة صراع النفوذ الإخواني الوهابي على مستوى المنطقة وبشكل خاص الرفض العربي للتمدد التركي في الشمال السوري، لدفع الرياض نحو انفتاح على دمشق، وهذا قد يقود إلى إخراج الدخان الأبيض من محادثات أستانا المقبلة فيما يتعلق بمسألة الدستور، وستوظفه موسكو ودمشق في الضغط على السعودية والإمارات لممارسة ضغوطهما على العشائر العربية المنضوية في صفوف ميليشيات «قسد» للانسحاب أو الانقلاب عليها والتوجه نحو المصالحة مع دمشق.
مهما تكن نتائج هذه الجولات إضافة لاجتماع بغداد الذي جمع، الخصوم الأعداء، رؤساء برلمانات الدول المجاورة للعراق، فإنها قد تشكل بداية محاولات دبلوماسية، وهذا أمر إيجابي على صعيد المنطقة بأجمعها، فالعراق الذي حضر المؤتمر العسكري للمقاومة بدمشق، شكل في الوقت ذاته الضلع الثالث في اجتماع قطبي محور ما يسمى الاعتدال في مصر، وهو يرغب في الوقوف بالمنتصف للعب دور بتخفيف حدة الصراع بين المحورين بما ينعكس إيجاباً على سلامة أراضيه وانتعاش اقتصاده، وخاصة في التقريب بين طهران والرياض وهذا الدور يحوله من ساحة صراع بينهما، إلى ضابط سلوك سياسي لهما، أما إيران التي تشترك مع روسيا وتركيا برغبة خروج الأميركي من الشمال السوري وتختلف مع أنقرة في مصير هذه المنطقة بعد الانسحاب، فمن أولويات مصالحها بهذا التوقيت إحداث مصالحة لتسوية الأزمة السورية ولتخفيف وطأة العقوبات عليها، على حين الجانب الروسي فإنه يوماً بعد يوم يثبت قدرته على احتواء حلفاء واشنطن ويخرجهم من دائرة الصراع الجيوسياسي معها أو على الأقل يجمد دورها، على حين سورية التي شكلت محور صراع عالمي منذ خمسينيات القرن الماضي فإن مواقفها السياسية قبل أهميتها الجغرافية، تفرض أمرا واقعا قوامه: سورية التي اجتمعتم بإرهابكم عليها، أنتم اليوم أكثر حاجة إليها.
الوطن