ثأر “الشام”: جعجعة من دون طحين.. بقلم: محمد محمود مرتضى

ثأر “الشام”: جعجعة من دون طحين.. بقلم: محمد محمود مرتضى

تحليل وآراء

الجمعة، ١٢ أبريل ٢٠١٩

لا يصعب على المتابع أن يفهم دلالات تسمية هجومين لتنظيم داعش وقعا في بلدين مختلفين، فقد نفّذت عناصر من “داعش”، يوم الثلاثاء الواقع فيه التاسع من شهر نيسان/أبريل، عمليتين، الأولى في بلدة الفقهاء في منطقة الجفرة جنوبي ليبيا، أما الثانية فقد استهدفت دورية للشرطة في سوق الشيخ زويد في شمال سيناء، أسفرت عن استشهاد ضابطين وفردين من الشرطة وثلاثة مدنيين، فيما أصيب ستة وعشرون مدنيا، وقد أطلق “داعش” على هاتين العمليتين اسم “غزوة الثأر للشام”.
فقد بدا وضحاً أن الهجومين جاءا ردا على الهزيمة في سوريا والخسائر التي مني بها، لا سيما معركته الاخيرة في الباغوز.
ومن الواضح أيضاً ان عمليات “داعش” المختلفة في مناطق متفرقة هي اقرب لحاطب ليل، لا يدري أي نوع من الحطب يحصل عليه. فمنذ تدمير مشروع خلافته المزعومة، يركز “داعش” في حراكه على محاولات اثبات الوجود، فيما كان سابقا، بعد احتلاله لاجزاء واسعة من سوريا والعراق يتصرف تصرف المنتصر الذي لا يقهر. وقد ظهر هذا الامر في منتصف شهر اذار/ مارس الماضي، عندما أطل المتحدث باسم التنظيم “أبو الحسن المهاجر” في كلمة صوتية، يحدث عناصر التنظيم عن دعم إلهي مزعوم يحظون به، مطالبًا “الدواعش” في “الباغوز” بالثبات والثقة بنصر الله. وقد شن “المهاجر”هجومًا على الإعلام الذي قال عنه انه ينقل جزءًا من “الحقيقة”، فيما يتجاهل عن عمد ما سماه وقتها بـ”انتصارات” التنظيم في المدينة، لكن سرعان ما جاءت الاحداث لتكذّب المهاجر، حيث أعلنت “قسد”(قوات سوريا الديمقراطية) في اليوم التالي لكلمة المهاجر، عن سيطرتها الكاملة على “الباغوز”، وإحكام سيطرتها على آخر جيوب التنظيم.
ورغم أن التنظيم لم يصدر بيانا يعترف فيه بسوقط الباغوز، وهو غالبا لا يفعل، جاءت العمليتان في ليبيا ومصر، بمنزلة الاعتراف، لا سيما مع اطلاق اسم «غزوة الثأر للشام» عليهما. صحيح أن التنظيم كان يمارس حراكا معينا في البادية السورية، الا أنه حتى هذا الحراك تضاءل بشكل كبير، مع ذهاب التنظيم للرد على الهزيمة في سوريا والعراق الى خارج جغرافيا هذين البلدين، فان في ذلك دلالة على تراجع قوة التنظيم القادرة على التحرك والمبادرة الى الهجوم. ما يعني أنه لم يعد يمتلك القوة الكافية لمثل هذه الهجمات. على أن هذا التراجع لا يعني اضمحلال هذه القوة بقدر ما يعني أن التنظيم يحتاج الى اعادة تنظيف صفوفه، وتبدو هذه هي المهمة الاساس التي ينبغي ان توليها القيادات العسكرية في سوريا والعراق، اعني عدم السماح للتنظيم بإعادة تجميع عناصر القوة، مهما بلغت، والتي تسمح له بالقيام بشن هجمات، وإن لم تكن بمستوى ما حصل في حزيران 2014.
ومهما يكن من الامر، فمن الواضح ان التنظيم يراهن على الجغرافيا في سوريا والعراق، لا سيما البادية الممتدة من سوريا الى الانبار، لإخفاء وجوده وتجميع عناصره، وشن هجمات “نكاية” هي اقرب لحروب استنزاف، ولعل تمسك الاحتلال الامريكي بقاعدة التنف في سوريا يهدف فيما يهدف اليه تأمين الغطاء لهذه العناصر، وما يؤكد هذه الفرضية أن ثمة هجمات سابقة شنها التنظيم انطلقت من مناطق محمية اميركياً ضمن نطاق “الامان” التي فرضها الامريكي لمحيط قاعدته العسكرية.
وسواء استطاع التنظيم تجميع قواه في البادية السورية أو لم يستطع، فان التطورات في ليبيا وصحراء سيناء لا تجري لمصلحة التنظيم قطعاً، ما يدلل على أن العمليتين اللتين نفذهما لا تعدوان جعجعة من دون طحين، يريد من خلالهما أن يقول انه لا يزال هنا.
العهد