واشنطن والجولان: معادلة أمن «إسرائيل» وخلق الفوضى

واشنطن والجولان: معادلة أمن «إسرائيل» وخلق الفوضى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٧ مارس ٢٠١٩

يشهد العالم العربي أحداثاً وأزمات يمكن تقييمها ووصفها بأنها من أعقد الأزمات التي يمرّ بها، والتي لم تؤثر على إقليمه فقط إنما على النظام العالمي ككل. في مقدمة هذه الأزمات التهديدات الأمنية، التي تمتدّ إلى الإطار الإقليمي والدولي. وتنعكس التغييرات التي يشهدها النظام الدولي باستمرار على النظام العربي الذي يتأثّر بما يجري على الساحة الدولية، حيث تؤدّي هذه التغييرات إلى تهشيم بعض أركان وقدرات هذا النظام وتؤثر في قدرته على اتخاذ قرارات مستقلة، لا سيما أمام مصادرة قرار الكثير من دوله بشكل دائم، من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى إلى تثبيت هيمنتها وتوسيع نفوذها فيه وجعل دوله تابعةً لها مستخدمة بذلك شتى الطرق، باعتبار أن الدول العربية لم تتمكّن من مراكمة الخبرة وتعزيز القدرات لمواجهة التحديات خاصةً أمام تنافر مصالحها ودخولها في خلافات داخلية.

نتيجة التغيرات التي شهدتها العلاقات الدولية بعد أحداث 11 أيلول 2001، حيث طرأ تبدّل في مفهوم العدو ضمن مسار العلاقات الدولية إذ لم يبقَ الصراع قائماً بين الدول فقط، بل تحول أيضاً إلى صراع بين الدول والمنظمات الإرهابية التي تتخطى بحدودها حدود الدول، وهو ما فتح الباب أمام خرق سيادة دولنا من قبل التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية للحرب على «داعش» عام 2014.

أولاً: الدخول إلى سوريا
هذه الحرب شكّلت ذريعة مناسبة للولايات المتحدة الأميركية، للدخول إلى سوريا، التي لم تنصع للسياسات الأميركية. وقد ساهم انتشار «داعش» في خرق الإدارة الأميركية للسيادة السورية بشكل يخالف ميثاق الأمم المتحدة، ما شكّل أحد أبرز التهديدات للدولة السورية. لقد وُضعت سوريا في الاستراتيجية الأميركية منذ أحداث 11 أيلول 2001، عندما رأت «إدارة بوش الابن أن دمشق لم يعد يسعها أن تلعب على جانبي السياج، وعليها أن تختار هذا الجانب (أي أميركا) أو ذاك، بعد أن اعتبروا في الكونغرس والبنتاغون أن الرئيس الأسد جزء من المشكلة، ما أدى إلى وضعية أكثر عدوانية تجاه سوريا» (1).
وشكّل دعم الرئيس بشار الأسد لحزب الله في لبنان، وحركات المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن علاقاته الاستراتيجية مع إيران، مشكلة كبرى في العلاقة السورية الأميركية، خاصةً أن الرئيس بشار الأسد كان دائماً يقاوم المشروع الأميركي في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك بدأت الإدارة الأميركية تبحث عن الذرائع لتغيير النظام في سوريا، وقد شكّل ظهور المعارضة السورية وانتشار الإرهاب في سوريا، ومن ثم دخول «داعش» الذي كان يشارك في هذه الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة والناتو في سوريا ضد حكومة بشار الأسد، الذريعة المناسبة لواشنطن لتغيير النظام السوري، والدخول عسكرياً إلى الأراضي السورية (2).

ثانياً: محاولات إسقاط الدولة السورية
لقد استغلّت واشنطن، دخول التحالف الدولي إلى سوريا بحجة محاربة تنظيم «داعش»، لكي تستهدف الدولة السورية عسكرياً، بشكل ينتهك السيادة السورية، ويخالف ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع في المادة الثانية منه استعمال القوة في العلاقات الدولية، ويحرم التدخل في شؤون الدول الأخرى، حيث شنّت الولايات المتحدة عدة غارات ضد الدولة السورية تارةً بمشاركة التحالف الدولي وأخرى بشكل منفرد.
كانت مساعي واشنطن وحلفائها تصبّ في إسقاط النظام في سوريا، لقد خطّطت واشنطن لموجة دامية من عمليات تغيير النظام لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط. وإسقاط حلف المقاومة الذي تعد سوريا رأس حربة فيه، فضلاً عن محاصرة هذه الدولة التي تشكل بالنسبة إلى واشنطن منطقة نفوذ لروسيا في الشرق الأوسط وحليفاً أساسياً لإيران وحزب الله. واستخدمت واشنطن أدواتها لتحويل سوريا من بلد ينعم بالاستقرار والاكتفاء الذاتي، إلى بلد مهدّد بأمنه القومي، ومثقل بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت سوريا البؤرة الأمنية الأخطر في الشرق الأوسط، حيث كانت مهيأة لتشكّل شرارة الحرب الكبرى، نتيجة تعدد الأطراف المشاركة في الأزمة، وانقسام العالم إلى محورين محور عمل على تدميرها بقيادة واشنطن، مستفيداً من التنظيمات الإرهابية، وآخر تتقدمه روسيا وتشارك فيه الصين وإيران وحلفاؤها في قوى المقاومة، عمل على دعم الحكومة السورية (3). لقد استخدمت الإدارة الأميركية، كلّ السبل ومنها «الحرب بالوكالة» في سوريا، من أجل تنفيذ مشروعها لشرق أوسط جديد، وقد سعت بكلّ قواها لتغيير النظام في سوريا، وتقطيع أوصال الدولة السورية وتدمير بنيتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وحاولت شرذمتها على أسس طائفية، لكن كل هذه المحاولات الأميركية باءت بالفشل، على مدار سبع سنوات.

ثالثاً: الاعتراف «بسيادة إسرائيل» على الجولان
بناء على ما تقدّم، بدأت واشنطن اليوم تتحرك على حافة جديدة من لعبة الهاوية، من أجل تأزيم الأوضاع أكثر في الشرق الأوسط، عبر إعلان دونالد ترامب نيته بالاعتراف «بالسيادة الإسرائيلية» على الجولان السوري المحتل، علماً أن هذا الأمر يخالف القانون الدولي الذي يقرر ضرورة احترام سيادة سوريا، واتفاقية فك الاشتباك بين سوريا والكيان الصهيوني الموقعة في 31 أيار 1974م في جنيف بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية. وقد أعلنت الأمم المتحدة صراحةً التزامها بأن احتلال «إسرائيل» للجولان السوري عمل غير مشروع بموجب القانون الدولي، فهذا العمل لا ينشئ حقوقاً أو يرتب التزامات ويعتبر غير ذي حيثية قانونية، خاصةً أنه يخالف أيضاً قرارات مجلس الأمن الدولي 242 و338 التي تطالب الكيان الإسرائيلي بالانسحاب من الجولان، فضلاً عن الرفض الدولي الكبير لهذا التغيير الذي قد يؤدي إلى حصول أزمة كبرى في الشرق الأوسط وتعقيد الأمور السياسية في هذه المنطقة، لكن كل ذلك لا يغيّر الحال أمام التصلف الأميركي.
ومن الواضح أن هذا القرار الأميركي، الذي يأتي دعماً لبنيامين نتنياهو في الانتحابات الإسرائيلية القادمة، فإنه يأتي أيضاً في التأكيد الأميركي الدائم لتثبيت معادلة «أمن إسرائيل أولاً». وكذلك يأتي نتيجة التراجع الأميركي في الشرق الأوسط، والخسارة التي منيت بها واشنطن في الحرب السورية والتي تدفعها إلى الانسحاب تدريجياً من هذا البلد الرافض لسياساتها، حيث إنها بدأت بفتح هذا الملف من أجل إعادة توتير الأوضاع في الشرق الأوسط عامةً وفي سوريا خاصةً التي ما لبثت أن انطلقت في عملية تسوية الأوضاع السياسية والأمنية داخل البلاد بعد الانتصار على الإرهاب، والذي لا يناسب الإدارة الأميركية التي تعمل على توتير الأوضاع دائماً، لأن الهدوء السياسي في المنطقة لا يصبّ في مصلحتها، لذلك فإنها تسعى دائماً إلى خلق الفوضى وزعزعة الأمن الهش في العالم العربي، والذي ما لبث أيضاً أن تخلص من خطر تنظيم «داعش» الإرهابي.
*أكاديمي وباحث لبناني