أردوغان يصارع في كلّ الاتجاهات من أجل الفوز بالانتخابات البلدية.. بقلم: د.هدى رزق

أردوغان يصارع في كلّ الاتجاهات من أجل الفوز بالانتخابات البلدية.. بقلم: د.هدى رزق

تحليل وآراء

الاثنين، ١٨ مارس ٢٠١٩

تستعدّ تركيا في 31 مارس/ آذار الحالي لانتخاب رؤساء بلدياتها. عملت الأحزاب التركية المتنافسة في هذه الانتخابات المحلية على تجهيز قوائم مرشحيها في 81 محافظة تركية 30 منها بلديات كبرى و51 بلديات مدن والبقية هي بلديات صغرى داخل المحافظات. تعتبر الانتخابات المحلية في ظل الظروف العادية في تركيا، ذات أهمية خاصة للسكان المحليين وليس لها تأثير كبير على التوازنات السياسية الوطنية. لكن هذه المرة، هناك سيناريو مختلف للانتخابات المحلية، رسائل الرئيس رجب طيب أردوغان تترك انطباعاً بأن البلاد تتجه نحو انتخابات حيوية غير مسبوقة. يدرك الرئيس رجب طيب أردوغان تمام الإدراك مدى صعوبة هذه الانتخابات البلدية في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا. من المحتمل أن يؤثر ارتفاع تكلفة المواد الغذائية على الناخبين المتوجهين إلى صناديق الاقتراع، حيث من المتوقع أن يعبّروا عن غضبهم. لم تؤثر أكشاك الطعام التي أقامتها البلديات بأمر من أردوغان على الناخبين، لا بل استفادت المعارضة من الأزمة الاقتصادية بعد غرق الاقتصاد التركي في الركود في الربع الأخير من عام 2018 وفقاً للأرقام الصادرة عن هيئة الإحصاء الوطنية في 11 مارس/ آذار.
 
في هذا السياق أكد تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنّ آفاق النمو لا تزال ضعيفة، حيث يؤثر ضعف الثقة وارتفاع أعباء خدمة ديون الشركات والسياسة النقدية المشدّدة، كذلك الطلب الضعيف في أسواق منطقة اليورو على الوضع الاقتصادي. مع العلم انّ التقرير توقع أن يكون الانكماش قصيراً لكن عودة الاقتصاد التركي للانتعاش يمكن ان تصل إلى 3.2 في المئة لكن في عام 2020. هذه الأخبار غير ملائمة بشكل كبير لأردوغان، الذي يقوم بحملة نشطة للانتخابات البلدية، فمنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 وهو يؤكد للجماهير التركية أنه إنْ لم يكن هو المنتخب والمسؤول فستحدث أزمة كبرى في البلاد، لكن منذ ذلك الحين، ومع كلّ دورة انتخابية، كانت الأزمات الاقتصادية والسياسية تتعمّق وتتضاعف. أفادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنّ الأولوية بالنسبة الى تركيا هي إجراء إصلاحات تعزز إمكانيات الاستدامة المالية على المدى المتوسط هذا يعني أنه يجب على تركيا أن تنفذ تدابير التقشف، لكن سياسات الحكومة توسعية فهي خفضت الضرائب المفروضة على بيع الأجهزة الرئيسية والسيارات، وأمرت وكالة الإسكان الحكومية ببناء 50.000 شقة، وتقديم حوافز لأصحاب العمل لتوظيف الموظفين. ارتفع الإنفاق الحكومي بنسبة 62 في يناير/ كانون الثاني، لذلك سيكون التقشف انتحاراً للاقتصاد. يخوض الرئيس التركي معركة متعددة الأبعاد فهو لا يكتفي بالسخرية من خصومه او الهجوم عليهم واتهامهم بالتحالف مع الإرهاب في اشارة الى التحالف غير المعلن بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، الا انه وللمرة الاولى يشن هجوماً شخصياً على ميرال أكشينر زعيمة حزب «الجيد» القومي اليميني، الذي انفصل عن حزب الحركة القومية المتحالف مع العدالة والتنمية وشكلت اكشينر هي ومعارضين لخط بهشلي حزباً جديد منافساً له. أنصار اكشينر ينتمون إلى الدائرة الانتخابية نفسها التي ينافس فيها تحالف العدالة والتنمية الحركة القومية اي «التحالف الشعبي». ردت اكشينر على أردوغان بسخرية بأنه يتهم 18 مليوناً من مواطنيه بإلارهاب وهو جعل الاتراك اعداء لبعضهم.
 
معظم وسائل الإعلام تقدم الرئيس التركي كقائد يطاع دون قيد أو شرط على الرغم من كل المصاعب. الوسائل الاعلامية الموالية للحكومة تقدم أردوغان باعتباره يمثل إرادة الأمة. وهو قال مؤخراً تعليقاً على نتائج استطلاعات الراي التي اظهرت نتائج متقاربة مع المعارضة إنه لم يعد يثق بهذه الاستطلاعات بل يثق شعبه فقط في إشارة الى ناخبيه. يقدم حزب العدالة والتنمية الانتخابات على أنها بين زعيم كاريزمي يستحق التقدير وبين الإرهابيين.
 
أصبحت وسائل الإعلام الرئيسية في تركيا تخضع بالكامل لسيطرة الحكومة ومع إغلاق العديد من وسائل الإعلام منذ عام 2016، اصبحت الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للمعارضة كذلك للصحافة الأجنبية أيضاً. حيث استهدف المسؤولون الحكوميون الصحافيين الأجانب بشكل مباشر، كما ان أنقرة رفضت تجديد البطاقات لبعضهم مما يجعل عملهم في تركيا مستحيلاً تماماً.
 
برزت المشكلة، في 28 فبراير في اجتماع اقتصادي رفيع المستوى بين الاتحاد الأوروبي والمسؤولين الأتراك في اسطنبول حيث مُنع عدد من الصحافيين، بما في ذلك مراسلو وسائل الإعلام الألمانية البارزة من تجديد البطاقات الصحافية الصادرة عن الحكومة. ووفقاً لجمعية وسائل الإعلام الأجنبية، فإن طلبات التجديد التي يقدّمها ما لا يقلّ عن 50 صحافياً من مختلف البلدان لا تزال دون إجابة منذ 31 ديسمبر.
 
رفض الطلبات او التباطؤ هذا يمنع بشكل فعّال المراسلين الأجانب من أداء وظائفهم، ويجعل إقامتهم في تركيا مستحيلة لأن البطاقات الصحافية هي شرط أساسي للحصول على تصاريح إقامة. وبالتالي، فإن أولئك الذين تم رفض التجديد لهم سيجبرون على ترك تركيا.
 
تم إنهاء اعتماد بعض الصحافيين بسبب تقارير نقدية لا ترضي الحكومة. شنت وسائل الإعلام الموالية للحكومة حملة تشهير ضد الصحافيين الأجانب. متهمة بعضهم بصلات بمنظمة محمد فتح الله غولن «الإرهابية»، مما سيجعل رفض طلبات بطاقات الصحافة قبل الانتخابات المحلية امراً صعباً في تغطية هذه الانتخابات.
 
كانت حكومة انقرة قد استفادت من حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، حيث أغلقت عشرات الكيانات الإعلامية والاذاعات ووكالات الأنباء وقنوات تلفزيونية وسيطرت على وسائل الإعلام الرئيسية. الآن بعد أن هددت الأزمة الاقتصادية انتخابات الحزب الحاكم، تشعر أنقرة بأنها مضطرة إلى التدقيق في جميع البرامج التي يمكنها التأثير على الرأي العام.
 
وفي سياق آخر صدرت لائحة اتهام تدعو إلى إصدار أحكام بالسجن المؤبد على 16 شخصاً نظموا احتجاجات في حديقة غيزي منذ ما يقرب من ست سنوات. انتقد النشطاء الحكومة واتهموها بتسييس القضاء قبل الانتخابات بعد أن قبلت المحكمة الأسبوع الماضي رسمياً لائحة الاتهام المؤلفة من 657 صفحة، والتي تزعم أن احتجاجات عام 2013 كانت محاولة لإجبار الرئيس رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء آنذاك، إما على الاستقالة أو انهم يعدون الأسس لحرب أهلية أو انقلاب». ربط أردوغان الاحتجاجات في غيزي بالانقلاب العسكري الفاشل عام 2016 وهجمات أخرى على حكومته. وقال هذا الأسبوع، إن المتظاهرين في غيزي استخدموا المخاوف البيئية كذريعة «لإسقاط الحكومة». وقال إن الذين خططوا ومولوا الاحتجاجات سيقدمون إلى العدالة.
 
يقوم الرئيس بحملة من أجل حزبه قبل الانتخابات البلدية في جميع أنحاء البلاد. يقول منتقدوه إنه يعيد إحياء احتجاجات غيزي لإثارة قاعدته وصرف انتباههم عن القلق بشأن الاقتصاد. قال الناشطون إن لائحة الاتهام لا أساس لها من الصحة، وإن التهم متخيلة بالكامل، وستدمر مرة أخرى سمعة القضاء الذي فقد مصداقيته بالفعل في أعين المجتمع وإن المظاهرات كانت محميّة بموجب الدستور والقوانين المتعلقة بحرية التعبير. وتشمل لائحة الاتهام التغريدات، والتنصت على المكالمات الهاتفية، وخريطة يُزعم أنها أخذت من هاتف عثمان كافالا المتهم بدعم الانتفاضة مالياً. مع أن تحالف أنصار البيئة واليساريّين والعلمانيّين والأكراد وغيرهم من الجماعات التي اجتمعت لإنقاذ غيزي قد تلاشىت منذ حملة القمع الشديدة على المجتمع المدني في أعقاب محاولة الانقلاب.
 
وفي مسيرة يوم المرأة في 8 آذار استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق النساء. قال أردوغان إن المسيرات هي لأحزاب المعارضة واتهم المشاركين في المسيرة، الذين يقدر عددهم بـ 10 آلاف شخص، بالاحتجاج على الأذان، ودعوة المسلمين للصلاة، الأمر الذي نفاه المنظمون. لكن هذا الاتهام أغضب الإسلاميين أنصار الرئيس.
 
يعتقد بعض المراقبين أن حزب العدالة والتنمية يتراجع قبل الانتخابات المحلية وأن أردوغان يسعى إلى ترسيخ أصوات بعض ناخبيه الذين يترددون في التصويت لصالح الحزب، يحاول أنصاره خلق تصور بأن أردوغان قد تعرّض للخيانة، كل الأسلحة يسمح استعمالها في هذه المعركة فتحالف أردوغان بهشلي التحالف الشعبي العدالة والتنمية مع الحركة القومية لا يتوانى عن اتهام مرشحي تحالف الأمة حزب الشعب الجمهوري، حزب الجيد بدعم الارهاب او الفساد. ويهدد حزب الشعوب الديمقراطي بأنه لن يسمح لهم بتولي أية بلديات في جنوب شرق وشرق البلاد حتى ولو فازوا، فهو يعتبرهم داعمي إرهاب حزب العمال الكردستاني.. تخشى المعارضة في ظل هذه الظروف من التزوير، لكنها تراهن على ارادة الناس في الخروج من مأزقها الاقتصادي الذي تحمّل مسؤوليته لأردوغان وحزبه وتعتبر الأزمة فرصتها بعد ان شكل الاقتصاد طيلة 17 عاماً فرصة ذهبية لحزب العدالة والتنمية.