كاراكاس إلى المقاومة الشاملة.. بقلم: علي فرحات

كاراكاس إلى المقاومة الشاملة.. بقلم: علي فرحات

تحليل وآراء

الاثنين، ١١ مارس ٢٠١٩

فوز دو إيغواسو | لم تكتف الولايات المتحدة الأميركية بإشعال ساحة الصراع في فنزويلا وتحويلها إلى خطوط تماس شعبية، بل عمدت إلى استهداف المنشآت الكهربائية عبر السيطرة على نظامها الرقمي وتعطيل جهاز التحكّم الأوتوماتيكي الذي يقوم بتغذية المولّدات وتوزيع الطاقة. هجوم أُرفق بتغريدة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، قال فيها: «فنزويلا بلا طعام ودواء، واليوم بلا طاقة، وبعدها بلا مادورو»!
يبدو أن اشنطن بدأت بتفريغ خططها المتعددة التي أعلن عنها سابقاً الرئيس دونالد ترامب، واتخذت قراراً بإنزال عقاب جماعي يشمل كلّ الفنزويليين. لكن «الغضب» الأميركي الذي أطفأ أنوار كاراكاس يشي بأن واشنطن بدأت تستشعر اليأس والفشل في الملف الفنزويلي، بعد رفض الشعب بمواليه ومعارضيه تقديم فروض الطاعة العمياء، وصمود الجيش والتفافه حول الرئيس الشرعي نيكولاس مادورو.
في الخامس من آذار/ مارس الحالي، أي بعد يوم واحد من عودته الاستعراضية إلى كاراكاس، دعا رئيس المعارضة، خوان غوايدو، موظفي القطاع العام إلى العصيان المدني ووقف كل نشاطاتهم لتعطيل الدولة وخدماتها بشكل كلّي. دعوة غوايدو التي لم تلْقَ أي تفاعل من الموظفين كانت مفاجئة حتى لمناصريه الذين اعترضوا على الطريقة التي تدار بها معركة «إسقاط مادورو». فخطة المعارضة لا تراعي مصالح الناس، ولا ما تبقّى من خدمات يحتاجون إليها للصمود أمام أكبر الأزمات الإنسانية التي تعيشها البلاد.
لم يمرّ أكثر من يومين على هذه الدعوة حتى غرقت فنزويلا في الظلام، وتوقفت عجلة الحياة لساعات طويلة. فالمستشفيات تأثرت بشكل كبير بعد الانقطاع المفاجئ للتيار الكهربائي، لكن المولّدات الاحتياطية التي وُضعت أخيراً تحسّباً لأي طارئ حالت دون وقوع الكارثة الكبرى في القطاع الصحي. كما تأثر قطاع النقل بشكل كبير، وتوقّفت حركة مترو كاراكاس، وأقفلت معظم المحال التجارية أبوابها. أما الأخطر فكان تعرّض جزء كبير من مخزون الغذاء والدواء للتلف بعد توقف البرّادات الحافظة، ما يشي بأن مشروع جون بولتون الذي نقله خوان غوايدو إلى الداخل نُفّذ من دون الحاجة إلى العصيان المدني. 
وعليه، فإن لائحة الحروب المتنوعة على شعب فنزويلا شملت هذه المرة الحرب الإلكترونية التي استهدفت حواسيب محطات الكهرباء، وعطّلت قدرتها على التسلم والتوزيع، ما أدى إلى شلل شبه كامل في أكثر من 18 ولاية، أي حوالى 80 في المئة من الأراضي الفنزويلية. هذه الحرب التي نَظَّر لها، قبل وقوعها، السيناتور الأميركي ماركو روبيو، استدعت تحركاً عاجلاً من الحكومة البوليفارية التي هرعت إلى محاولة إصلاح الأعطال وإعادة التيار الكهربائي بشكل سريع. إلا أن الهجمات الإلكترونية تكررت فجر السبت الفائت، حيث كانت فرق الصيانة قد أنجزت القسم الأكبر من الإصلاحات، الأمر الذي دعا الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، إلى تحويل خطابه أمام الحشود المناصرة في ميرا فلوريس، وسط كاراكاس، عصر السبت، للحديث عن الحرب الإلكترونية واستهداف معامل الكهرباء، متهماً الولايات المتحدة بشكل مباشر، حيث إنها الوحيدة التي تمتلك هذه التقنية التخريبية. وتوعّد من سمّاهم «عملاء الداخل» بالعقاب الشديد، إذا ما أظهرت التحقيقات مشاركتهم في أكبر هجوم إرهابي تتعرّض له فنزويلا. مادورو وعد الفنزويليين بأن الساعات المقبلة ستكون كفيلة بصدّ هذا العدوان وعودة التيار الكهربائي إلى كلّ المدن والقرى الفنزويلية، وأعلن المقاومة الشاملة للمشروع الأميركي في بلاده.
على الجانب الآخر، كان خوان غوايدو يهيّئ مناصريه الذين احتشدوا في شارع فيكتوريا، وسط العاصمة، ويدعو كلّ المعارضين للتوجّه إلى كاراكاس والانضمام إلى التحرك المستمر ضدّ حكومة مادورو. دعوة غوايدو تأتي بعد تراجع نسبة المشاركين في تظاهرات السبت الفائت، مقارنة مع الأعداد التي شاركت في 23 كانون الثاني/ يناير الماضي. تراجع يعزوه مراقبون إلى تخبّط أداء المعارضة في الداخل، وظهور زعيمها كأداة تنفيذية مطيعة للولايات المتحدة، بالإضافة إلى التصريحات المتهوّرة التي أخافت قسماً كبيراً من الفنزويليين، كالدعوة إلى تدخل عسكري خارجي في فنزويلا، والعصيان المدني في المؤسسات الحكومية، ومحاولة زجّ المواطنين في مواجهة مباشرة مع القوى الأمنية من خلال الإصرار على إدخال حاويات المساعدات بالقوة.
تصريحات غوايدو وممارسته السياسية لم تنتج تراجعاً في شعبيته فحسب، بل خلقت توتّراً داخل أروقة المعارضة الفنزويلية التي بدأت تنظر إلى غوايدو كمراهق سياسي. وعلى الرغم من الضغط الأميركي المستمر للحفاظ على وحدة المعارضة، فإن الأيام المقبلة ستشهد خروج هذا الصراع إلى العلن كما يقول مصدر إعلامي واسع الاطلاع لـ«الأخبار». ويؤكد المصدر أن قسماً كبيراً من المعارضة بدأ يتحدث فعلياً عن فشل غوايدو في إدارة هذه المرحلة. فالشاب المتحمّس لا يملك خبرة سياسية تخوّله النجاح في التواصل مع المؤسسة العسكرية، ولا حتى القطاعات المدنية المؤيدة لمادورو، بل استنزف رصيد المعارضة واستثمره في خطوات غير محسوبة ارتدّت على شعبيتها وصورتها في الخارج، وأعطت لمادورو زخماً داخلياً يظهر في ازدياد أعداد مناصريه في الداخل، واتساع حلقة الحياديين الذين يئسوا من المعارضة ومسارها التخريبي.
ويكشف المصدر عن بدء مقاربة المعارضة المناهضة لغوايدو موضوع الحوار الداخلي بمزيد من الانفتاح، وذلك سرّاً، خشية أن تقطف واشنطن ثمار هذه المواجهة، وتعمد إلى إقصاء قسم من المعارضة عن المشهد، وخصوصاً أن سياسات ترامب تفرض وصاية مباشرة على حركة المعارضة في فنزويلا، وتمنعها حتى من مناقشة الأمور، وتُغيّبها عن الكثير من القرارات. أمام هذا الواقع، ينبئ المشهد الفنزويلي بمزيد من التصعيد والتوتير. لكن، ومع استبعاد الخيار العسكري على المدى القريب، تشير المعلومات إلى أن الصخب الحالي والمقبل سيشكل أساساً للمفاوضات التي قد تشهدها المرحلة المقبلة. هذا ما لمّح إليه وزير الخارجية الفنزويلي، خورخي أريازا، الذي قال إن مؤامرات واشنطن تساقطت الواحدة بعد الأخرى، وإنه لا خيار إلا الجلوس إلى طاولة الحوار. استنتاج يراه الخبراء منطقياً، لكن ترامب يسعى إلى استنزاف الدولة والمعارضة على حدّ سواء، واستنفاد كل أوراق المواجهة، وأهمّها الضغط على المؤسسة العسكرية عبر تسعير حرب الجوع والظلام.
انقطاع الكهرباء يقتل 15 فنزويلياً
نقلت وكالة «فرانس برس» عن رئيس مجموعة «كوديفيدا» للرعاية الصحية، فرانسيسكو فالنسيا، أن المنظمة رصدت عدداً من حالات الوفاة في فنزويلا جراء انقطاع التيار الكهربائي. وأفاد فالنسيا بأنه «سجّلنا 15 حالة وفاة، بسبب نقص الغسل الكلوي. تسع من حالات الوفاة هذه مسجّلة في ولاية زوليا، واثنتان في ولاية تروخيو، وأربع حالات في مستشفى بيريز كارينيو في كاراكاس». وحذّر من أن «حالة الأشخاص الذين يُعانون من الفشل الكلوي صعبة للغاية، وحرجة. نحن نتحدّث عن توقّف 95% من وحدات غسل الكلى، والتي يُمكن أن تصل الآن إلى 100» من جرّاء عدم توافر الكهرباء. وبحسب إفادة فالنسيا، فإنه حتى «وحدات غسل الكلى القليلة التي توجد فيها مولّدات كهربائية، أصبح من الصعب إعادة تشغيلها بسبب نقص الوقود»، فيما الخطر يهدّد أرواح 10200 مريض، بينهم 48 طفلاً يعوّلون على وحدة غسل الكلى الوحيدة المخصّصة للأطفال في البلاد، وهم «لم يستطيعوا الخضوع لجلسات غسل كلى» الجمعة الماضي.
غوايدو: لإعلان حالة الطوارئ
أعلن رئيس البرلمان الفنزويلي، المعارض الانقلابي خوان غوايدو، الذي نصّب نفسه رئيساً مؤقّتاً للبلاد، أنه سيطلب من البرلمان إعلان حالة الطوارئ لمواجهة الوضع الناجم عن أزمة انقطاع الكهرباء. وقال غوايدو إنه دعا إلى «دورة استثنائية غداً (اليوم الإثنين) للجمعية الوطنية (البرلمان) لاتخاذ إجراءات فورية بشأن المساعدات الإنسانية (الأميركية)»، مضيفاً «سأطلب الإثنين من الجمعية الوطنية إعلان حالة الطوارئ لإتاحة دخول المساعدة الإنسانية». وحثّ أنصاره على مزيد من التحركات في الشارع، وتوجّه إليهم بالقول: «لديكم الحق بالنزول إلى الشارع لأن هذا النظام يترك الفنزويليين يموتون. أيها السادة في القوى الأمنية، حان الوقت لتكفّوا عن حماية الديكتاتور». غوايدو الذي رأى في اتهام الرئيس نيكولاس مادورو للولايات المتحدة بالوقوف وراء قطع الكهرباء اتهاماً «هوليوودياً»، شدّد على أن «النقص في الصيانة» والاستثمارات هو سبب هذا العطل. الجدير ذكره أن أزمة انقطاع الكهرباء غير المسبوقة التي تواجهها فنزويلا، أتت بعد ساعات على دعوة غوايدو إلى عصيان مدني، وتؤكّد السلطات أنها ناجمة عن هجمات إلكترونية تقف وراءها الولايات المتحدة.