العروبة بأوردتها انتماء مقدّس...بقلم: سامر يحيى

العروبة بأوردتها انتماء مقدّس...بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٢ فبراير ٢٠١٩

 بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان       ومن نجـدٍ إلى يمـنٍ إلى مصر فتطوان
فهبوا يا بني قومي إلى العلياء بالعـلم       وغنوا يا بني قومي بلاد العرب أوطـاني
الممتدة على ما يقارب الأربعة عشر مليون كيلو متر مربّع، بفارق زمني أربع إلى خمس ساعات، يقطنها ما يربو على أربعمائة مليون نسمة، تملك موارداً بشرية ومادية ومعنوية وثروات باطنية ولغة مشتركة ومناخ متنوّع وحضارات بمآسيها ونجاحاتها، وحققت المعجزات بوحدتها، وحتى في الحد الأدنى لتضامنها، وضعفت عندما تفتت عضد أبنائها، وما تزال محط أطماع كل أعدائها، الذين يعملون بكل ما يمكن لبثّ الفتن بين أبنائها، وزرعوا الكيان الصهيوني لفصل شرقه عن غربه، عدا عن التلاعب بحدوده الطبيعية وسلخ بعضاً منها لجيرانه، مستغلّين كل شيءٍ لزعزعة ثقة أبنائه بإمكانية حتى الحد الأدنى من تعاونهم وتضامنهم وحرف بوصلتهم عن عدوّهم الأساس، وهدفهم الوحدوي الجامع.
 المنطقة العربية لم تكن يوماً انتماءً قومياً ايديولوجياً صرفاً، إنّما لقاء وتفاعل حضارات ومعتقدات وقوميات وتجمّعات بمثابة أوردة غذّت القلب، وجعلته يعملُ بشكلٍ متكامل الصفات والسمات، كلاً واحداً لا يستهان به، وقف في وجه أعتى الامبراطوريات العالمية، وإن وهن لفترةٍ من الزمن لكنّه يخرج أقوى بجهود أبنائه وصحوتهم وإيمانهم بوطنهم، رغم استمرار تلاعب الاستعمار وربيبته الصهيونية بالعواطف والمشاعر الإنسانية والعاطفية والمعتقدات، تحت شعارات تخفي السمّ بالدسم، فيها مصلحة أفرادٍ لكنّما هدفها الأساسي إضعاف شوكتهم وجعلهم ضعفاء أذلاء، وكلّما فشلوا في أسلوبٍ بدأوا بالبحث عن أسلوبٍ جديد، وللأسف سقط في ذلك الفخ الكثير من المثقفين والمفكرين ومن يعتبرون أنفسهم أصحاب رأيٍ تحت حجج بأن العالم تغيّر، ولا يمكن القبول بالقديم والسير عليه وفشله، متجاهلين أن لا يموت حقّ وراءه مطالب، ما دام صاحب الحق قوياً ومدافعاً عنه بحكمةٍ وحنكة لا متهوّراً أو مندفعاً، ولا مستسلماً أو متكاسلاً..
إن تثبيت فكرة الانتماء الوطني، لا يتعارض مع الانتماء الأسري أو العائلة أو الحي أو المدينة أو المعتقد، بل الانتماء الوطني هو الحاضن لكل الانتماءات الأصغر، فمن لا يفتخر بقومه وأسرته ويعمل من أجل تحقيق كل أهداف متطلّباتها لتبقى قويّة، بالتأكيد لن يستطيع الافتخار بوطنه أو العمل لما يساهم بتعزيز قوّته ومنعته متفاعلاً مع كل أبناء وطنه، بل من السهل شرائه وتغيير رأيه ورؤيته ويكون فاعلاً في إضعاف أسرته وعائلته. لأن مصلحة الجزء هي مصلحة الكل، وقوة الكل هي قوة الجزء بكل تأكيد، فشعار مصلحة أسرتي أو معتقدي أولاً لا يتعارض مع مصلحة وطني، لأنّ قوتي من قوة وطني، وهذا ما يجب أن يؤمن به كل من ينتمي لهذه البقعة المقدسة من العالم، للوقوف بوجه أخطر شعارات محاولة زرع اليأس وزعزعة أي أمل بعودة الروح الوطنية، بل يحاول الأعداء تفتيت الروح ضمن القطر الواحد والمنطقة الواحدة وحتى العائلة الواحدة تحت شعارات حرية الإنسان وما شابهها والتي في غالبيتها العظمى شعارات جذابة مضمونها مدمّر، فنحن أحوج ما نكون لتعزيز الثقافة العربية الحضارية التي هي امتداد حضارات وتفاعل معتقدات وجغرافية متواصلة ومتكاملة، ولسان عربي واضحٌ ومبين، فما يفرّقنا لا يعادل جزءاً بسيطاً جداً مما يجمعنا في عملية التفاعل والتضامن والتواصل بين جميع أبنائه، بلغةٍ استطاعت استيعاب كل اللغات، وكانت في يوم ما وما زالت كتب الكثير من أبنائها تتم ترجمتها إلى لغات العالم المختلفة ومحفوظةً في مكتبات جامعتها لتكون مرجعاً علمياً يحقّ لنا الافتخار به، تلك اللغة التي وصفها حافظ إبراهيم بقوله:              
 أنا البحر في أحشائه الدرّ كامن           فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
  فكيف أضيق اليوم عن وصف آلةٍ       وتنسيق أسماءٍ لمخترعـــات
هذا لا يتناقض مع لهجاتٍ محليّة محكية أو مناطقية، فقلب العروبة النابض سورية بها قريةٌ لا زالت تتكلّم لغة السيد المسيح، وهذا لا يتناقض إطلاقاً مع اللغة الرسمية التي يتفاهم بها ويكتسب بها جميع أبناء الوطن العلم والمعلومة والمعرفة والتواصل الفعّال فيما بينهم.
العروبة ليست التي تنتمي لأبناء يعربٍ عدنان وقحطان، إنما هي التي تنتمي لمنطقة جغرافية وتاريخٍ طويلٍ وعريق كخلية نحلٍ جمعت رحيق الأزهار من كل حديقة وغابة، فقدّمت لنا أشهى أطباق العسل، وإن حاول البعض تشويه هذه الأطباق بقليل من العسل المغشوش لكنّه سرعان ما يظهر وينكشف ويبقى الجودة والاتقان.
إن المسؤولية الوطنية بكل أشكالها الاجتماعية والثقافية والأخلاقية، يحتّم على كلٍ منا القيام بدوره من خلال الاهتمام بذاته، وتطوير أفكاره وتقديمها بالتشارك مع أقرانه وأبناء مجتمعه، لنكون كلاً واحداً، ننهض معاً، نصحّح الخطى وننظّم دورنا بالإثبات لأنفسنا أولاً ولمن يتّهم العروبة بالخشبية والجمود والفشل بأنّنا أمة حيوية متجددّة معطاءة مبدعة متكاملة لا متناقضة، والمسؤولة الوطنية لكل مؤسسة البحث عن تحقيق مصلحتها في الإطار الضيق انطلاقاً من الإطار الأوسع البلدة فالدولة فالوطن الكبير في إطار احترام إنسانية الإنسان، لتشكّل كلاً واحداً في بناء الوطن والمواطن دون استثناء.
لنتمسّك جميعاً ببعدنا القومي والعروبي، وتعزيز الشعور الإنساني، في مواجهة كل محاولات ومشروعات الإلغاء والتقسيم والتفتيت التي رُسمت وسيستمر أعداء الوطن برسمها، واضعين نبراساً لنا كلمات القائد الخالد، وتوجيهات وخطب قائد مسيرة التحديث والتطوير، للنهوض بكلٍ قريةٍ سورية، التي هي الطريق للوصول لقوّة المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، لتستعيد جميع الأوردة نشاطها في إعادة ضخ الدم النقي لهذا القلب النابض، ولفظ أو حصر الدم الفاسد في زاويةٍ لتتم تنقية ما يمكن تنقيته وإبعاد خطر الميؤوس منه، لأن سوريتنا ستبقى قلب العروبة النابض والسراج المنير لجميع أبنائها وقاطنيها من المحيط للخليج، في وجه رعاة الإرهاب والتدمير والتفتيت وداعمي الكيان الصهيوني الغاصب الساعي لتمزيقها وتدميرها وكل من يحتل ذرّة من ترابها.