خطاب الرئيس الأسد.. بين الشفافية والحزم.. بقلم: محمد نادر العمري

خطاب الرئيس الأسد.. بين الشفافية والحزم.. بقلم: محمد نادر العمري

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٠ فبراير ٢٠١٩

متمسكاً ومؤمناً بالإرادة الشعبية، التي تُمثل شرعية كل السلطات الدستورية، والبيئة الصلبة الداعمة لمواجهة الإرهاب، وصمام أمان تماسك الوطن وسيادته، وبشفافية ومصداقية المسؤول وحزمه في الوقت ذاته، خاطب الرئيس بشار الأسد ممثلي المجالس المحلية، أهم المؤسسات الخدمية في يومنا هذا بمختلف الأنظمة السياسية على المستوى الدولي لما تتمتع به من ديناميكية بتقديم الخدمات ومعالجة الأزمات والتشاركية التي من شأنها مساهمة المواطن باتخاذ القرار بمختلف المجالات.
هذا الخطاب الذي تناول أكثر من بُعد اجتماعي واقتصادي وعسكري وسياسي، جاء في توقيت له الكثير من الدلالات أهمها أنه الخطاب الأول بعد إعلان رئيس الإدارة الأميركية سحب قواته من الشمال السوري، وبعد انقضاء يومين على انتهاء الاجتماع الرابع بين قادة محور أستانا في «سوتشي» الروسية الذي وصف بأنه قمة أنصاف الحلول ولم تلب الآمال المتوخاة منها، وخاصة ما يتعلق بمحاربة التنظيمات الإرهابية في إدلب وتشكيل اللجنة الدستورية، تزامناً مع استكمال الحشود العسكرية لبدء العملية العسكرية في آخر مناطق خفض التصعيد ضد المجموعات الإرهابية.
بينما تضمن الخطاب في المضمون محاور حملت في طياتها رسائل مباشرة وضمنية واضحة ومحددة على الصعيدين الداخلي والخارجي، أهمها:
الحفاظ على قوة الدولة السورية ودور مؤسساتها بالتمسك في الشرعية الدستورية من خلال إجراء الانتخابات المحلية، وفشل الأجندات التي كانت تهدف إليها الدول المعتدية على سورية عبر تحويلها إلى دولة فاشلة، فبمجرد إنجاز أي استحقاق انتخابي دستوري محلي، برلماني، رئاسي، يسقط مسوغات التدخل أو الوصاية التي تبحث عنها الدول المعتدية تحت الغطاء الأممي، ويشير إلى استعادة مفاصل الأمن في معظم الجغرافية السورية.
التركيز على المحور والبعد الاجتماعي على اعتبار أن الحرب كانت تستهدف وحدة هذا المجتمع وتكويناته، وهذا يحمل دلالتين: الأولى ارتياح القيادة السياسية السورية للمتغيرات الإقليمية والدولية ما يصب في مصلحة تخفيف الضغوط والتهديدات الخارجية ولو مرحلياً، والثانية وجود دلائل ومعطيات حول تغير تكتيك الحرب على سورية الذي يتطلب زيادة التركيز والاهتمام بالتماسك الداخلي.
المرونة بديناميكية تعاطي القيادة السياسية السورية في مرحلة الخروج من الحرب والمرحلة اللاحقة لها، عبر توزيع المهام والصلاحيات من خلال اللامركزية التي تضمنها القانون 107 الصادر في عام2011، من دون تحويل هذه الديناميكية التي تتسم بها اللامركزية الإدارية إلى نواة مشاريع تقسيمية انفصالية.
تأكيد مبدأ التسويات والمصالحات كخيار وحيد لعودة المسلحين، وهذا له مؤشران: الأول رسالة وفرصة أخيرة للمسلحين السوريين في مدينة إدلب وريفها، والثاني اقتراب موعد الحسم في المناطق الشمالية بما فيها شرق الفرات، كما أن دعوة الرئيس الأسد مجدداً للسوريين في الخارج للعودة تشكل ضمانة من أعلى الهرم السياسي بعدم التعرض لهم كما تروج له بعض الدول أو المنظمات أو القوى.
من المعروف أن بعض القوى الكردية وخاصة «ميليشيا» قسد وجناحها السياسي «مسد» لم تكن جادة في توجهها بالحوار مع الحكومة السورية، بل كل الأحداث والوقائع كانت تشير إلى أن هذا الخيار كان تكتيكياً لكسب المزيد من الوقت للضغط على الأميركي لإبقاء قواته في الشمال أو للبحث عن قوى بديلة، والرئيس الأسد في إشارته إليها من دون أن يسميها يبدو أنه يمنحها فرصة الاختيار بين الرهان على الغطاء الخارجي وتحمل تبعات ذلك أو قبولها بحماية الجيش العربي السوري والدخول في حوار وطني جاد، وهذه الرسالة الضمنية بما تحمله من تحذير هي في الوقت ذاته لم تغلق باب العودة بل قد تسرع في دفع القوى الكردية إلى التنسيق مع دمشق، وضمن هذا السياق قد نشهد في المرحلة القادمة اتساعاً للخلاف بين صفوف هذه القوى في توجهاتها ومواقفها ما يؤدي إلى تسرب بعضها بشكل جزئي أولي للتنسيق مع دمشق سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
الواقعية في طرح القضايا وتقديم التوصيفات لها، وضمن هذا السياق يمكن ملاحظة ذلك من خلال:
أولاً: تصنيف الرئيس الأسد أنواع الحروب إلى أربعة وما لنا كسوريين من انتصارات وما علينا من انتكاسات.
ثانياً: ملامسة هموم المواطنين التي تستغل اليوم بكل الأشكال والتفريق بين إدارة الأزمة والإدارة بالأزمات، بمعنى آخر الرئيس الأسد أشار إلى أن الدولة السورية تسعى لحل الأزمة السورية بجميع جوانبها وضمن الإمكانات المتاحة، والدول المعتدية تخلق الأزمات وتعقدها لقلب الرأي العام الداخلي وتغير مزاجه.
أما فيما يتعلق بالعامل الخارجي فقد تناولها الرئيس الأسد ضمن ثلاثة جوانب:
الجانب الأول هو تأكيد استقلالية القرار السوري فيما يتعلق باتخاذ القرار وتحديد معالم الأولويات، من خلال تأكيد الرئيس الأسد «أن الأصدقاء يقدمون المشورة» في رسالة متعددة الجوانب، أولها تكذيب ما يتم الترويج له بأن سورية خلال فترة الحرب أصبحت تحت الوصاية «الروسية أو الإيرانية»، وأن ما يحكم العلاقات هي الاتفاقات والمصالح المشتركة الندية، ثانياً: قرار حسم مصير مدينة إدلب تقرره القيادة السورية، وتركيا التي تراهن على كسب المزيد من الوقت عبر علاقاتها مع روسيا للضغط على دمشق وتأخير العمل العسكري للحفاظ على اتفاق سوتشي قدر الإمكان، تعيش حالة وهم.
أما الجانب الثاني هو تعرية الدور الأوروبي والأممي في توظيف ملف اللاجئين قبل اندلاع الأزمة حتى يومنا هذا، فهذا الملف حضّر له من خلال إقامة المخيمات في الدول المجاورة وخاصة على الأراضي التركية لاستثماره في الضغط على الحكومة السورية في المحافل الدولية سياسياً عبر افتعال أزمة إنسانية، وتدريب المسلحين ضمن هذه المخيمات واتخاذها نقطة انطلاق لهم في عملياتهم على الأراضي السورية وتحويل هذه المخيمات إلى أسواق نخاسة لتجارة الأعضاء ومسار ابتزاز لجمع التبرعات والتجنيس والتوطين، وضمن هذا الإطار فإن بعض المنظمات الدولية التي ترفع شعار الإنساني تتناغم مع سياسات الدول في إصرارها حتى اليوم على توطين اللاجئين في الدول المقيمين فيها، وتحضير بعضهم للعودة إلى سورية بهوية سورية ولكن بفكر وتمويل غربي للتوجه نحو خصخصة الاقتصاد الوطني والتحكم به من خلال مشروع مارشال جديد يستهدف سورية هذه المرة.
أما الجانب الثالث هو ما تضمنه خطاب الرئيس الأسد من لهجة التوصيف ورفع سقف الهجوم والتحدي ضد تركيا، واصفاً أردوغان «بالإخونجي وأجير صغير عند الأميركي» وهذا الهجوم له عدة مسوغات ووقائع:
أولها: لم يتمخض عن قمة سوتشي أي نتائج ملموسة ولم تضع النقاط على الحروف، ومخرجات هذه القمة شكلت ارتياحاً فقط للرئيس أردوغان لأنها لم تحقق أي شيء عملي ومهم.
ثانياً: رغم تلقف تركيا الإيجابي من حيث التصريحات فيما يتعلق بمبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعادة إحياء اتفاق أضنة لعام 1998 كأساس لتصحيح مسار العلاقات، أو نقطة التقاء تصالحية سورية تركية انطلاقا من مواجهة المخاطر المشتركة، واعتراف رئيس النظام التركي أردوغان بأن بلاده على اتصال وعلاقات مع دمشق ولو على مستوى أجهزة المخابرات وبشكل غير مباشر، إلا أن السلوك التركي كان معاكساً لهذه التصريحات، من خلال رغبة أنقرة في العودة لهذا الاتفاق لإرضاء روسيا والمحافظة على مكتسبات «مسار أستانا»، وفي الوقت ذاته الإصرار على إقامة المنطقة الآمنة وفرضها كأمر واقع سواء بالتواصل والتنسيق مع الأميركي أم من خلال إجراءات التتريك التي تحصل في الشمال بما في ذلك إعادة تأهيل جبهة النصرة وتعويم حكومتها التي بدأت تغذى بكهرباء تركيا وإزالة الرايات السوداء من مناطقها.
ثالثاً: هو مؤشر لانتقال دمشق من مرحلة الدفاع إلى الهجوم استناداً إلى استكمال التحضيرات العسكرية والأمنية والإنسانية لإطلاق معركة حسم إدلب، ورفض روسيا وإيران للمطامع التركية في الشمال السوري والمتغيرات الإقليمية التي تكمن في أحد دوافعه: السعي العربي للتنسيق مع دمشق ضد توغل النفوذ التركي.
رابعاً: المطلب التركي المباشر من روسيا وإيران تعويم الإخوان المسلمين في اللجنة الدستورية، والمسعى التركي لإيجاد مساحة نفوذ لها في المشهد السياسي عجزت عن تحقيقه سابقاً في رسالة وزير خارجيتها الأسبق أحمد داوود أوغلو إلى دمشق 2011، أو من خلال فرضه عسكرياً، فالتهاون في «الدستور» مكلف أكثر من الحرب.
التقسيم ليس بمشروع جديد وهو يستهدف المنطقة وهذا من المسلمات، والحرب لم تنته وهو شيء أكيد في ظل وجود صراعات وإستراتيجيات متناقضة وتنوع أساليب العدوان من مرحلة إلى أخرى عسكرياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً، ولكن ما هو مؤكد أكثر من ذلك ضرورة التمسك بالإرادة والبيئة الشعبية وتوفير مقومات الصمود لها ومحاسبة المقصرين الفاسدين والمستغلين بحقها، فالثغرات الداخلية ولو كانت صغيرة وجزئية قد تشكل نواة دخول المعتدين على سورية، ومن يفضل مصالحه الشخصية ولا يمتلك انتماء وطنياً، هو الوجه الآخر من الإرهاب، وقد يكون أداة الفوضى الأمنية في مرحلة معينة.