مثلّث سوتشي، في كل قمةٍ قمةٌ أخرى.. بقلم:عقيل سعيد محفوض

مثلّث سوتشي، في كل قمةٍ قمةٌ أخرى.. بقلم:عقيل سعيد محفوض

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٩ فبراير ٢٠١٩

أكّدت قمّة سوتشي أن التفاهم بين أطرافها حول سوريا ضروري لهم بقدر ما هو ضروري لسوريا نفسها، ولو أن القمّة المذكورة، وعملية سوتشي ككل، لم تخفّف من المخاوف والمخاطر الملازمة لذلك التفاهم بالنسبة للسوريين، كما لم تخف وجود فروقات جدية بين أطرافها في فَهْم الحدث السوري وفي أولويات التعاطي معه والاستجابة لتحدياته؛ ولا تزال تركيا تحاول –بالتوازي مع مسار سوتشي- التوصّل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة بشأن سوريا والمنطقة، وإذا ما نجحت في ذلك، فسوف يتغيّر الموقف من المشهد السوري كثيراً.
قال وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف “لنا علاقات لا مثيل لها مع تركيا”، ولو تحدّث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لربما قال الشيء نفسه تقريباً. لكن الحال مختلفة مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، إذ أن هذا التعبير ربما ينطبق على علاقة بلاده بكل من روسيا وإيران، وأما تركيا فهي بلد معادٍ، ومع ذلك فإن التواصل والتراسُل معه لم ينقطع بالتمام.
يبدو أن السوريين اعتادوا على هذه الحال، ومن الواضح أنهم اليوم “أكثر تفهّماً” لهذا النمط من العلاقات بين حليفي بلدهم الرئيسين: إيران وروسيا، وبين عدوهم الرئيس: تركيا، إذ اكتشفوا أن لذلك فوائد عديدة، وهو ما ظهر جلياً في قمّة سوتشي، بين رؤساء روسيا فلاديمير بوتين وإيران حسن روحاني وتركيا رجب طيب أردوغان (14 شباط/فبراير 2019).
إن وصف العلاقات بين “مثلّث سوتشي” بأنها “لا مثيل لها”، هو وصف صحيح، ولكنه لا يعني أنها دوماً “على ما يرام” أو أنها تجاوزت نقاط الخلاف، إذ إن قمم سوتشي تركّز على ما تتّفق عليه الأطراف المذكورة بشأن سوريا، ولا تتجاهل ما يختلفون فيه حولها. ويجتهد كل طرف في أن يعبرّ عن مواقفه، ويرسل إشاراته وتنبيهاته إلى جمهوره، وإلى خصومه ومنافسيه، وبالطبع إلى شركائه في عملية سوتشي، وهذا ما كان في قمّة سوتشي الأخيرة (14-2-2019).
في كل علاقةٍ علاقةٌ أخرى كما يقول جاك دريدا، وفي كل قمّةٍ قمّةٌ أخرى، وهذا ما حدث في سوتشي. قمّة عبّر عنها البيان الختامي، وأُخرى عبرّ عنها المؤتمر الصحفي بين الرؤساء، وثالثة تعبّر عنها التقديرات السياسية والاستراتيجية …
وهكذا فإن قراءة في البيان الختامي لا تكفي لتقدير الموقف، إذ لا بدّ من النظر في المؤتمر الصحفي للرؤساء أيضاً، ثم تعليقات الصف الثاني أو الثالث من المسؤولين في كل بلد، بالإضافة إلى خطاب وسائل الإعلام القريبة من صانع القرار، والأهم هو تقدير “ما يسكت عنه” كل طرف، وتَحَيُّنه الفرص المناسبة للتخفيف من عبء عملية سوتشي نفسها عليه، لكن من دون الخروج منها، وتدبّر السبل المناسبة للتعاطي مع أولوياته ورهاناته تجاه سوريا.
أطراف سوتشي أمام ميزان حَرِجٍ، فهم إن فكّروا بالأزمة السورية مجتمعين اتفقوا، وإن فكَّرَ كلٌ منهم فيها بصورة منفردة اختلفوا؛ إذ أن سوريا هي الغائب الحاضر في كل ما يجري، فيما يبدو التفاهم حولها أساساً ودافعاً لتفاهمات أوسع.
يمكن تركيز أوليات وحصيلة الحوار والتفاهم في قمّة سوتشي الأخيرة (14-2-2019) في النقاط الرئيسة التالية:
– تأكيد التفاهمات الثلاثية حول إدارة الأزمة السورية، وذلك مقابل مصادر تهديد رئيسة تمثّلت بمحاولة واشنطن “تفكيكها” من خلال إغواء تركيا بالخروج منها. وقد تبيّن لأنقرة أن مكاسب التقرّب من واشنطن لا تعوّض خسائر الخروج من التفاهم مع طهران وموسكو.
– تأكيد أولوية وعمق الموقف بين موسكو طهران حيال الحدث السوري، وأن التوتّر النسبي بينهما على خلفيّة الموقف الروسي من الاعتداءات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا، يجب أن يبقى في حدود لا تهدّد أولوياتهما ورهاناتهما المشتركة في سوريا والمنطقة.
– مواجهةُ محاولات سحب “مركز الثقل” الرئيس في إدارة الأزمة السورية من “ثلاثي سوتشي” أو محاولة تجاوزه أو تجاهله من قِبَل الدولة العميقة في واشنطن وحلفائها، وكذلك دخول الرياض وأبو ظبي على خط الأزمة بذريعة احتواء “التغوّل الإيراني والتركي” في سوريا، بتعبير أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية.
– التأكيد على اقتراح موسكو الخاص بالعودة إلى بروتوكول أضنة لعام 1998 كأساس ممكن أو محتمل للتفاوض بين دمشق وأنقرة؛ و”إعادة إنتاج” تجربة موسكو في المنطقة الجنوبية من سوريا بعودة الموقف على الحدود مع الجولان السوري المحتل إلى ما كان عليه قبل آذار/مارس 2011، وفقاً لاتفاق فصل القوات لعام 1974 بين سوريا وإسرائيل.
– الإعلان عن جهود جدية من قِبَل “ثلاثي سوتشي” لـ “إطلاق الحوار السوري التركي”، وفقاً لـ “الاتفاقيات والقوانين الدولية هي التي تحكم العلاقات بين تركيا وسوريا”. وقد سبق للرئيس بوتين أن تحدّث مع أردوغان عن بروتوكول أضنة (23- كانون الثاني/يناير 2019)؛ كما سبق لوزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف أن عرض استعداد بلاده لـ “التوسّط” بين أنقرة ودمشق. (7-2-2019)، وهو ما أكده مجدداً الرئيس روحاني خلال قمة سوتشي (14-2-2019).
– “أولوية القضاء على ما تبقّى من الإرهابيين” في سوريا، وأن تكون الأراضي السورية كافة “تحت سيطرة الحكومة الشرعية”، سواء في إدلب أو مناطق شرق الفرات، و”ضرورة وجود الجيش السوري على الحدود السورية – التركية”.
– الترحيب بالانسحاب الأميركي، والتحذير من “مؤامرة أميركية في منطقة شرق الفرات في ظل ملابسات الانسحاب من هناك”؛ وتَفَهُّم هواجس أنقرة تجاه ما تعدّه مصدر تهديد من القوات الكردية على الجانب السوري من الحدود، والدعوة لمواصلة العمل على اللجنة الدستورية، وإعادة الإعمار، و”خلق المناخ المناسب لعودة اللاجئين”.
أكّدت قمّة سوتشي أن التفاهم بين أطرافها حول سوريا ضروري لهم بقدر ما هو ضروري لسوريا نفسها، ولو أن القمّة المذكورة، وعملية سوتشي ككل، لم تخفّف من المخاوف والمخاطر الملازمة لذلك التفاهم بالنسبة للسوريين، كما لم تخف وجود فروقات جدية بين أطرافها في فَهْم الحدث السوري وفي أولويات التعاطي معه والاستجابة لتحدياته؛ ولا تزال تركيا تحاول –بالتوازي مع مسار سوتشي- التوصّل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة بشأن سوريا والمنطقة، وإذا ما نجحت في ذلك، فسوف يتغيّر الموقف من المشهد السوري كثيراً.
الميادين