الكرنفال البولندي.. بقلم: نبيه البرجي

الكرنفال البولندي.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الخميس، ١٤ فبراير ٢٠١٩

لماذا الإصرار على أن نكون الجثث (مع وقف التنفيذ) في الثلاجة الأميركية؟ أن نمشي فوق كل ذلك الدم لنصل إلى صفقة القرن.
قيل لنا «لو تدري ما التهديدات (المخملية) التي حملها إلينا وزير خارجية أميركا مايك بومبيو وغيره إذا ما تمنعنا، أو تريثنا، في حضور مؤتمر وارسو»، بما يعنيه المكان من حساسية جيوتاريخية، وجيوستراتيجية، على مستوى المعادلات والعلاقات الدولية.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال «سألقي بعظامكم في مهب الرياح كما في مهب النيران». في هذه الحال، لا مناص من المشاركة، المشاركة كفتات سياسي، كفتات إستراتيجي، من دون الالتفات إلى الخيارات الأخرى التي تضع حداً للسياسات المجنونة لرجل يفتقد الحد الأدنى من القيم.
المشاركة في الكرنفال البولندي أكثر بكثير من أن تكون فضيحة سياسية، أو فضيحة قومية. فضيحة أخلاقية حين يوجد من يجرنا، بملابس القهرمانات، إلى الحظيرة الأميركية. الأحرى، إلى الثلاجة الأميركية.
تكريس آخر لفلسفة التبعية والارتهان. قد نكون، في هذه المنطقة، الوحيدين الذين لا نستشعر التحولات التي تجري على الكرة الأرضية، والتي ستكون لها تداعياتها الدراماتيكية على المسارات الإستراتيجية للقرن.
نقول هذا لكل بلاط عربي آثر البقاء بين أسنان دونالد ترامب، بثقافة مصاصي الدماء، وبين أسنان رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو بثقافة قتلة الآخر (قتلة الأرض، وقتلة الأهل، وقتلة الزمن).
غريب أن نبقى هكذا، التماثيل في متحف الشمع، منذ أن أطلق جون فوستر دالاس، وشقيقه آلن، «مبدأ أيزنهاور» (1957) الذي دفع بنا بعيداً عن جدلية الأزمنة، لنبقى الحجارة، الحجارة الميتة، على رقعة الشطرنج.
ليقل أصحاب المقامات العليا لماذا في شرق آسيا لم تعترض الولايات المتحدة على ظهور النمور، لا بل إنها شاركت في الاستثمارات، وأجازت التفاعل التقني والتكنولوجي، على حين لا ترى في العرب سوى براميل النفط، وسوى صناديق المال!
ألم يكتب وليم كريستول، بكل صفاقة، وكان رفيق مايك بومبيو في حزب الشاي، إن ما حدث في سورية كان مبرمجاً بدقة، على أن يستولي «الإخوان المسلمون»، وهم دعاة وحماة القرون الوسطى، على السلطة بعدما بدا أن الرئيس بشار الأسد يعمل لنقل ظاهرة النمور إلى الأرض السورية؟
الآن، يرى باحثون أميركيون أن مجتمعات الشرق الأوسط تعيش «تفاعلات جيولوجية» قد تأخذ شكل الزلزال إذا ما بقيت سياسة الذوبان في الحالة الأميركية بإيقاعها الراهن.
الدوران داخل الصراعات العبثية، تمويل (وإدارة) الخراب في أكثر من بلد عربي، كما لو أن دومينو الحرائق لا يدق كل الأبواب. دونالد ترامب هو الذي قال «لولانا لتناثرت عظامهم في الصحارى». لماذا، إذاً، البقاء كهياكل عظمية بين يدي المهرج؟
لاحظنا مع الكرنفال البولندي تصدعات مثيرة في المعسكر إياه. بعض من ناءت ظهورهم، وخرجوا بأيد خاوية، توجسوا من الولوغ مرة أخرى في الوحول الأميركية.
هل يدري أولئك العرب (الأعراب) ما يعنيه قرار الانسحاب من سورية؟ البيت الأبيض اشتكى من مراقصة الرمال. الذي حدث أن كل الرهانات التي تندرج تحت مظلة صفقة القرن ذهبت أدراج الرياح. كتبوا في واشنطن «أصابعنا الضائعة في سورية». إذاً، «لكي لا يعودوا من هناك بالتوابيت».
بطريقة أو بأخرى، السياسات العمياء لم تتوقف كلياً. لكنهم في الولايات المتحدة، كما في القارة العجوز، يجزمون أن الشرق الأوسط أمام تحولات كبرى. أشياء كثيرة سقطت. أشياء كثيرة آيلة إلى السقوط.