الوعي المجتمعي.. بقلم: سامر يحيى

الوعي المجتمعي.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ٨ فبراير ٢٠١٩

 مجموعة الأفكار والمعلومات لدى الفرد، والتي تتعلّق بمجتمعه أو المجتمع الخارجي الذي يتأثّر أو يؤثّر به، يكتسبها من خلال ثقافته التي تنتقل إليه من أسرته والتنشئة والمحيط به عبر المؤسسات الاجتماعية والتربوية، كالأسرة والمدرسة والأصدقاء وسائل الإعلام والترفيه إلى ما هنالك، والتي تساهم في اندماج الفرد بمجتمعه والتأقلم معه أو السعي لتغييره، بما يعكس الواقع المجتمعي.
وهنا أودّ الإشارة إلى ما اعتبره معجم علم الاجتماع أن "الوعي المجتمع اتجاه عقلي يمكّن الفرد من الوعي بذاته والبيئة المحيطة به، بدرجات متفاوتة من الوضوح والتعقيد، ويتضمن ذلك وعي الفرد بالوظائف العقلية والجسمية ووعيه بالأشياء وبالعالم الخارجي، وإدراكه لذاته فردياً وكعضو في الجماعة"، ومن الطبيعي أن تكون مسؤولية التطبيق والتفاعل على عاتق المفكر والمثقفّ ووسائل الإعلام الوطنية بكل أنواعها، وبالتوازي مع المؤسسات الحكومية بغضّ النظر عن طبيعة عملها والمهام الموكلة إليها، فنحن مطالبون جميعاً بالعمل على تعزيز شعور الفرد بضرورة المشاركة المجتمعية، بأي شأنٍ من شؤون المجتمع ضمن المجال الموجود به، يتقبّل الرأي والرأي الآخر، يتقبّل النقد البنّاء، ويستفيد من رأي ورؤية الآخرين بغضّ النظر عن مرتبتهم العلمية والأكاديمية، فحتى الأكاديمي يستطيع الاستفادة من رؤية وخبرة المواطن العادي، بدراسة فكرته وجعلها بناءّة وصوغها في إطار نظرية علمية يستفاد منها أو تنبثق عنها دراسةً تساهم في تحقيق الهدف المنشود، بما يساهم بتعظيم الفائدة وتوليد فريق عملٍ جماعي بنّاء.. وتعزيز الولاء والانتماء المؤسساتي والوظيفي الوطني، ما دام الهدف الأسمى هو بناء الوطن.
فالوعي المجتمعي هو المساهم الفعال في تقريب وجهات النظر بين المؤسسات الحكومية والمواطن، وجسر الهوّة، لأن المؤسسات الحكومية تقوم بجهدٍ كبير، بغضّ النظر اتفق البعض أم اختلف مع هذه الرؤية، فالصمود المؤسساتي السبب الرئيس في صمود سوريتنا في وجه المؤامرة التي كان الهدف الأساس منها تفكيك المؤسسات الوطنية وتمزيقها، فأثبتت قوّتها وقدرتها على مجابهة أعتى التحديات رغم العمل بالحد الأدنى وضمن الإمكانيات المتوفّرة، والعقوبات والحصار المستمرّ فرضه على سوريتنا ما دامت تحافظ على قدسية ترابها وسيادتها وكرامة أبنائها.
وهنا التساؤل الواجب طرحه، في ظل تراكم التصريحات السلبية والتي أدت الى توسيع الهوّة بين المؤسسات الوطنية والمواطن، لا سيّما بعد أن استغلّتها ماكينة إعلامية بقصدٍ أو غير قصد، في تغذية الأحقاد وفضح السلبيات وتعزيز الانتقادات، وإغفال النجاحات أو التقليل من نتائجها وتشويه ما يمكن تشويهه، ولكن بكلّ تأكيد لا يتحمّل مسؤولية ذلك المواطن العادي، لا سيّما رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين اعتمدوا سياسة القص واللصق بنوايا إيجابية غير مدركين الحقيقة، أو سلبية مبطّنة، دون التنبّه لمصدر هذه الشائعات والتسريبات والموضوعات، تورّط بها البعض من المثقفين والمفكرين وحتى المسؤولين، وهنا المفترض عدم السماح لهذه الأفكار بالتغلغل ليس فقط بفرض العقوبات والغرامات والمخالفات، بل عبر رفع الوعي والتنشئة الاجتماعية وتفعيل دور المؤسسات الوطنية في ذلك عن طريق إيجاد الوسائل المتاحة واستخدام وسائل الإعلام بكلّ أنواعها وأشكالها بالطرق الإيجابية البناءة التي تعمل لإعادة الثقة بين المواطن ومؤسساته، وتقطع الطريق على كل من تسوّل له نفسه التصرّف بشكلٍ سلبي..
إن ذلك لن يتطلّب الكثير من الجهد والوقت والمال، بقدر ما يتطلّب من الحنكة والحكمة الوطنية، فالبدء أولاً من نقاش مدراء المؤسسات الوطنية مع موظّفيهم بطريقة إيجابية وبنّاءة بعيداً عن المحاضرات النظرية المملة، والاستماع لوجهات النظر وبالتالي تساعد على قوننة التصريحات وجعلها بناءة وإيجابية، وتفعيل التشاركية المؤسساتية بين جميع أبنائها، والخطوة الثانية وضع الخطط العريضة للقائمين على وسائل الإعلام الوطنية، والمدرسين بكل المراحل الدراسية، وخطباء الجمعة ووعاظ الأحد، بحيث يتم وضعهم بالصورة الحقيقية لما يحصل، ويبقى دورهم اختيار الكلمات والعبارات الإيجابية البنّاءة، انطلاقاً من البيئة التي يعيش فيها كل منا، والمهام المنوط بها كل فرد، فما يوجّه للطبقة العمالية غير الذي يوجّه للطبقة المثقفة غير الذي يوجّه للفلاح فكلٌ له دوره في بناء المجتمع بالتوازي مع الآخر وبالتالي كلٌ يجب التوجّه إليه حسب طبيعة عمله وبيئته، فالمواطن العادي تضعه بالصورة العامّة بما يتقبّله، بينما المتعلّم والمتخصص يحتاج التفسير العلمي والمنطقي، وأصحاب الطبقة المخملية يحتاجون أن يتعزّز لديهم أهمية المشاركة والشعور بأشقائهم بالمجتمع ويكونون عوناً للمؤسسات الوطنية عبر تبادل الرؤى والخبرات وتسهيل العبور للطريق الأمثل، والاستثمار الجديّ لكل مقدّرات الوطن البشرية.  
فليس الهدف من وسائل الإعلام الإطراء المبالغ به دون وجود نتائج، كما أنّه ليس دورها تسليط الضوء على السلبيات دون اقتراح الحلول لها، فلدينا الكثير من النجاحات والتقدّم الذي حصل في العديد من الميادين، وتقدّم بالكثير من المجالات، كما أنّ هناك تقصير ولكن بسبب معوقات وتحديّات من الممكن تسليط الضوء عليها ليس بصورة تبريرية بقدر ما يكون بصورة مقنعة، يكون للمواطن فيها دوراً في التعاطي مع المشكلة أو التقصير، ويساهم في الحل ان استطاع ذلك، ويعزّز الثقة بين المواطن ومؤسساته، وقطع الطريق على مستغلي الظروف لتوسعة الفجوة..
 القيادة السياسية استطاعت التعامل بحكمة وحنكة رغم اختلاف المواقف الدولية ومحاولتها المتعددة من أجل تشويه سمعة المواطن السوري وتضييق الحصار على سورية، فبدأت الدول التي تآمرت على وطننا بأعدادٍ تجاوزت السبعين بلداً في بدايتها، إلى أن تقلّصت لتبقى الدول الرئيسية الأساسية الداعمة للإرهاب والتي لا تتجاوز أصابع اليد، والتي الآن نفسها بدأت تعضّ أصابعها ندماً، وتبحث عن مخرجٍ لها أمام النجاحات التي حققّتها القيادة السياسية وتعرية مواقفها أمام شعوبها التي كان تكذب عليهم وتستغل وسائل الإعلام لصالحهم.
 فطالما لدينا قيادة سياسية حكيمة استطاعت استقطاب الرأي العام الخارجي ودول العالم لتعرية كذب الإرهاب وداعميه، وجيش استطاع تطهير غالبية تراب سوريتنا المقدّس من الإرهاب الذي وفد إلينا من غالبية دول العالم، فالمفترض أن المؤسسات الوطنية قادرة على إعادة تعزيز الثقة بينها وبين المواطن، لأنّ شعباً يقف مع قائده ووطنه، بالتأكيد لن يتخلّى عن مؤسساته بل سيكون عوناً لها وداعماً عندما يجدها تشعر بمأساته ويشكّل معها يداً واحدةً في إعادة إعمار ما دمّره الإرهاب..