خيارات أميركا الضيقة في فنزويلا.. بقلم: محمد نادر العمري

خيارات أميركا الضيقة في فنزويلا.. بقلم: محمد نادر العمري

تحليل وآراء

الأربعاء، ٦ فبراير ٢٠١٩

إعلان الولايات المتحدة الأميركية عبر رئيسها دونالد ترامب وجوقة إدارته: أن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أصبح غير شرعي وأنها لم تعد تعترف به كرئيس دستوري لفنزويلا، بل تعتبر رئيس مجلس النواب المعارض خوان غوايدو هو الرئيس الشرعي، رافعة من سقف تصريحاتها التهديدية بعد مسعاها لتهيئة الأجواء لشن عدوان عسكري خارجي مثل الضغط على اتحاد دول أميركا اللاتينية لسحب اعترافها بمادورو لتبرير مثل هذا العدوان، يعيدنا ثماني سنوات إلى الوراء في إدارة الحرب على سورية وتطوير تكتيكاتها لتحقيق أهداف جيوسياسية سعت إليها واشنطن من خلال شعارات براقة.
من الواضح أن واشنطن تضيق الخيارات أمامها في التعامل مع الأزمة الفنزويلية وباتت أقرب إلى خيارين لا ثالث لهما، إما القيام بعدوان عسكري مباشر في ظل عدم تمكنها من إحداث أي خرق خلال الأيام السابقة، كما كان مخططاً له من إسقاط النظام خلال أسبوعين، وبقاء أزمة فنزويلا تراوح مكانها، وعدم تمكن حليفها غوايدو من القيام بانقلاب ناعم أو استقطاب العسكريين ودفعهم للانضمام إلى تمرد عسكري، أو الانكفاء والتراجع عن تهديداتها ووعيدها ضمن صفقة مع روسيا تكون نتيجته ضعف هيمنتها ونفوذها ويمهد لانعزاليتها عن أزمات الخريطة الدولية.
يبدو أن الخيار الأول، أي القيام بعمليات عسكري محدودة، هو الأقرب رغم الآثار السلبية التي قد تترتب على مثل هذا السلوك في ازدياد الصراع الدولي وانقسام دول العالم على غرار الحرب العالمية الثانية، وما يشير إلى ذلك:
1- تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتدخل العسكري المباشر في فنزويلا، وهذا التلويح لا يبدو أنه غيمة صيف عابرة، بل هي جاءت تتويج لما كان يصرح به في السابق المسؤولون الأميركيون وفي مقدمتهم جناحا هذه الإدارة مايك بامبيو وجون بولتون.
2- إعلان السفير الفنزويلي في الأمم المتحدة جورج فاليرو، أن التدخل العسكري بات مسألة وقت لا أكثر، ووعيده بأن تواجه واشنطن المصير ذاته الذي واجهته في فيتنام.
3- الاجتماعات الدورية والمكثفة التي يجريها مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون مع أعضاء مجلس الأمن القومي الأميركي وكبار مسؤولي البنتاغون، لبحث سيناريوهات التدخل، وما سربته وسائل الإعلام الأميركية من إرسال 5 آلاف جندي إلى كولومبيا يأتي في هذا السياق، مع العلم أن أحد المسؤولين العسكريين الأميركيين لصحيفة «التايمز» البريطانية قدر عدد القوات التي تحتاج إليها أي عملية عسكرية أميركية في فنزويلا بـ25 ألفاً إلى 30 ألف عسكري على الأقل.
4- إرسال الكيان الإسرائيلي لما يزيد على 200 جندي من قوات الكومندوس عبر طائرة ادعت تل أبيب أنها تحمل مساعدات إنسانية إلى البرازيل.
5- المسارعة الغربية وبخاصة الأوروبية للاعتراف بزعيم المعارضة رئيساً لفنزويلا، بعد وضعها شرطاً تعجيزياً للإعلان عن انتخابات مبكرة لعرقلة الحوار الوطني الذي دعا إليه مادورو.
هذه المؤشرات وغيرها توحي نوعاً ما باحتمالية أو ترجيح اللجوء للخيار العسكري، مع العلم أن الإقدام على مثل هذه الخطوة قد تعيدنا إلى ستينيات القرن الماضي، أي لفترة الأزمة الكوبية، التي كادت تشكل فوهة البركان أو الشرارة لاندلاع حرب عالمية ثالثة، وهنا لا بد من ذكر أهم المصالح الجيوسياسية التي تسعى إدارة ترامب إلى تحقيقها من هذا التصعيد في أميركا اللاتينية عموماً وفنزويلا خاصةً:
أ- على الصعيد الداخلي فإن ترامب بحاجة إلى أي إنجاز خارجي يحسن من تموضعه السياسي قبل بدء موسم انتقاء مرشحي الحزبين للانتخابات الرئاسية مع نهاية هذا العام.
ب_على الصعيد السياسة الخارجية فإنها تدور حول:
 رغبة الولايات المتحدة الأميركية في استعادة هيمنتها على النظام الدولي بعد جملة الإخفاقات التي تعرضت لها مشروعاتها في القرم الروسية والساحة السورية والمستنقع اليمني وفشلها في قطف ثمار حصار إيران.
 حرمان الصين من الاستفادة من الموارد الطبيعية لفنزويلا وخاصة النفط والغاز، حيث يبلغ احتياطي فنزويلا من النفط قرابة 300 مليار برميل، وفي حال تمكنت واشنطن من تغيير نظام مادورو، فإنها ستوقف الزحف الاقتصادي الصيني وتحرم الأخيرة من 500 مشروع في قطاع النفط وفق اتفاقيات وقعتها بكين مع كراكاس تضمن إحداها «منح الشركات الصينية الحق في التنقيب عن المعادن واستخراجها كالذهب وغيرها».
 إحياء الثأر الأميركي القديم في الانتقام من الاتحاد السوفييتي سابقاً في أميركا الجنوبية، واتخاذ فنزويلا نقطة انطلاق لإسقاط الحكم في كوبا التي صمدت لعقود سابقة أمام الحصار الأميركي ثم نيكارغوا، الأمر الذي يؤمن الحماية للأمن القومي الأميركي في حديقته الخلفية، ويخضع هذه الدول لسياستها وتوجهاتها.
 السعي إلى إعادة احتواء المكسيك بعد ظهور عدة مؤشرات تظهر توجه الأخيرة نحو الاستقلال في سياساتها عن التوجيهات الأميركية، وتجلى ذلك مؤخراً بتأكيد شرعية الرئيس مادورو من الحكومة المكسيكية.
 التوقيت السياسي الذي اختارته إدارة ترامب لإسقاط نظام مادورو يتزامن مع عدة استحقاقات أرادت واشنطن توظيف نجاحها في فنزويلا خدمة لتنفيذ أجنداتها، فهناك بعض الطروحات التي تتحدث عن مقايضة أميركية مع روسيا مفادها الانسحاب من سورية مقابل رفع الدعم الروسي لفنزويلا، وتأمين مقومات النجاح والاستقطاب لمؤتمر وارسو الرامي إلى تشكيل تكتل إقليمي ودولي يستهدف إيران وإعادة الثقة لحلفائها الخليجيين بقدرة واشنطن على تغيير أنظمة الحكم في الدول المناوئة لها.
من المؤكد أن بلاد العم سام لم تعد ذلك القطب المهيمن في النظام الدولي وأزماته لم تعد تلك الرقعة التي تتحرك بيادقها برغبة أميركية، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن الإنكار بأن أميركا ما زالت هي قوة عالمية مؤثرة وتمتلك أدوات ذلك في إدارة الأزمات الدولية والانتقال من صراع جيوسياسي إلى آخر بما تتطلبه ظروف وطبيعة الحاجة الأميركية لذلك، ولكن حتى اليوم هذه الإدارة ما زالت تصر على عنجهيتها وتتمسك بسلوكيات أبطال أفلامها الكوبوي، دون أن تدرك بأن سلوكياتها العدوانية والتدخلية قد تزيد من تحالف المحاور المعادية لها.
فأميركا التي أرادت احتواء روسيا عبر قضية القرم هي اليوم تعيش أسوأ خياراتها على حدودها في فنزويلا، ولم تنجح في تحويل سورية إلى مستنقع لاستنزاف محور المقاومة، وانسحابها من الاتفاق النووي مع إيران وفرض العقوبات الاقتصادية عليها لم يحد من توسع نفوذها في الشرق الأوسط، فهل يفعلها الحرس الثوري في إرسال مستشاريه لدعم الرئيس مادورو في مواجهة العدوان الأميركي؟ وهل تتحول فنزويلا إلى إحدى ساحات الصراع الإيرانية الإسرائيلية؟ وأي هزة سيشهدها ساكن البيت الأبيض في تلك اللحظة؟