أردوغان.. وحريق «الآمنة».. بقلم: عمار عبد الغني

أردوغان.. وحريق «الآمنة».. بقلم: عمار عبد الغني

تحليل وآراء

الاثنين، ٤ فبراير ٢٠١٩

لا يختلف وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان بإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري عن وعد بلفور في بدايات القرن الماضي بإنشاء ما يسمى «دولة إسرائيل» والذي وضع منطقتنا في حال من عدم الاستقرار لا نزال نعيش تبعاته حتى الآن.
اليوم جاء وعد الرئيس الأميركي ليؤجج نار الأطماع الأردوغانية ويعطي الرجل الذي يحلم بقضم قطعة من الأراضي السورية دفعة قوية أعمته عن حقيقة أن هذه النار قد تؤدي إلى حريق كبير ربما تتجاوز تدحرجاته الإقليم بأكمله في ظل وصول الرهانات الإقليمية والدولية المتعارضة إلى مرحلة حرجة على إيقاع تعقّد وتأزّم قضايا المنطقة والعالم برمته.
ومن ثم فإن رئيس النظام التركي الذي انتشى بالوعد الترامبي، وظنّ أنه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفه القديم منذ بداية الأزمة في سورية، واصطدم حينها بحقائق الميدان الصلب، أربكه طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقائهما الأخير، لاتفاق أضنة، بما يمثّله هذا الاتفاق من حقوق وواجبات تجعل في حال الالتزام بها من «الآمنة» أمراً نافلاً، ونافراً، في علاقات يفترض أن تكون طبيعية بين الجيران، ومنذ تلك اللحظة، وهو يسعى للهروب من تبعات هذا الطرح، بالقول: إن بنود الاتفاق تضمن له حق التدخل في سورية دون دعوة من أحد، ما يعني أنه لا يريد بأي حال التعاون مع الدولة السورية لأن ذلك هو اعتراف واضح بالهزيمة ودفن لكل مشاريع التقسيم والتفتيت التي سعى إليها أردوغان ومعه كل محور الحرب، وبالتالي يريد أردوغان إقامة المنطقة الآمنة عبر الالتفاف على اتفاق أضنة وبمساعدة من حلفائه في الغرب وخاصة ترامب الذي لا يزال يدير علاقاته الخارجية بعقلية التاجر ومبدأ المقايضة.
ما يعني أن المسرحية الهزلية السيئة الإخراج والسيناريو التي مثلها الرجلان في وسائل التواصل الاجتماعي ووصلت بترامب إلى حد التهديد بتدمير الاقتصاد التركي ورد أردوغان بتصريحات مماثلة، لم تكن سوى جرعة تخدير لإيهام العالم أن القطيعة بين البلدين آتية لا محالة. ولأن «حبل الكذب قصير» لم يطل الوقت لتأتي الوقائع وتؤكد أن التنسيق بين الرجلين في أعلى مستوياته وأن حاكم تركيا الإخواني لا يمكن أن يبدل جلده بين ليلة وضحاها، حيث إن الانتقال من الحضن الأميركي إلى المعسكر المقابل يعني خروجه خاوي الوفاض، فالروسي يرفض التدخل العسكري التركي جملة وتفصيلاً وهذا الأمر لا يتعلق بسورية فحسب، بل في الإستراتيجية التي اتبعتها روسيا في علاقاتها الدولية وهو الأمر الذي يصل إلى حد النقيض بالنسبة لأميركا التي تبيع حتى حلفاءها بعد أن تضعهم في ميزان الربح والخسارة.
يعتقد أردوغان الحالم، أنه بحصوله على ضوء أخضر أميركي بإنشاء «المنطقة الآمنة» بأن الأمر أصبح واقعاً ولعل إدلاءه بتصريحات تتعلق بالشمال السوري يعبر عن ذلك، ولن يطول الوقت حتى يتحول الحلم إلى كابوس، فما يرسم على الورق ليس بالضرورة يتحقق على أرض الواقع خاصة في منطقة ملتهبة تتداخل فيها أجندات الإرهابي مع الساعي إلى إنشاء كيان انفصالي ليأتي المحتل التركي ليوقد كرة النار ويزيد الطين بلة، ما يعني أن واشنطن ستزج بأردوغان في معركة لن يكون في نهايتها إلا خاسراً بعد أن يتكبد خسائر ربما يعجز نظامه عن تحملها.
بمنطق الربح والخسارة، فإن رئيس النظام التركي خسر هذه الجولة من الحرب أيضاً بعد أن ضحى بأفضل وكلائه من الإرهابيين ويعمل على زج قواته في حرب خاسرة لا محالة، في حين ترامب سيسحب قواته عاجلاً أم آجلاً، وستظل «جبهة النصرة» الإرهابية تقوم بالدور الذي لعبه تحالفه المجرم خلال سنوات تدخله الدموي في سورية.
بالنتيجة، فإن العالم يعيش مرحلة انتقالية بين نظامين دوليين يحاول خلالها الطرف المتضرر، وهو واشنطن، إشعاله بحرائق متنقّلة وأزمات متفرقة كي يتأخر هذا الانتقال، وحلم «المنطقة الآمنة» أحد هذه الحرائق، على حين السلطان العثماني المنساق خلف أوهام اقتناص اللحظة التاريخية لاستعادة مجد أجداده الطورانيين ما زال ماضياً في غيّه، متجاهلاً حقيقة أن قرار سورية، شعباً وجيشاً وقيادة، ومعها الحلفاء واضح باستعادة أراضيها حتى آخر شبر مهما كانت حجم التضحيات.