الحرب النفسية عندما ترتد لصدر صُنّاعها.. بقلم: فارس الجيرودي

الحرب النفسية عندما ترتد لصدر صُنّاعها.. بقلم: فارس الجيرودي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٩ يناير ٢٠١٩

برهن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مرةً أخرى قدرةً مجهريةً على قراءة تحركات العدو الصهيوني بتفاصيلها الدقيقة، وصياغة خطابه بناء على تلك القراءة، ما مكنه دائماً من إعادة توجيه نصل الحملات النفسية التي تشنها حكومة العدو إلى صدرها وصدر مجتمع المستوطنين الإسرائيليين، فالمتابع لحديث الأمين العام لحزب الله، يشعر أن عملية «درع الشمال» ليست سوى زوبعةٍ في فنجان ضخمها الشريكان: رئيس الحكومة الإسرائيلية المطارد بقضايا الفساد والذي يتهمه وزير دفاعه بالتراجع عن المواجهة مع غزة بنيامين نتنياهو، ورئيس أركانه المنتهية ولايته غابي آيزنكوت والمحتاج لإنجازٍ شخصي يختم به حياته العلمية.
فما شغل به المسؤولان الإسرائيليان طوال شهر كامل المستوطنين في فلسطين المحتلة، أثبت بنتيجته النهائية أن هم إسرائيل في الحرب المقبلة مع محور المقاومة بات الدفاع عن منطقة الجليل ومستوطناتها في وجه هجومٍ قادمٍ لحزب الله، بدل التفكير بنقل الحرب إلى أراضي الدول العربية بعيداً عن العمق الصهيوني، كما كانت عليه العقيدة العسكرية الإسرائيلية لعقود طويلة منذ «قيام إسرائيل»، ومن ثم فإنه مقابل تدمير أربعة أنفاق ثبت أنها أنفاق قديمة، ربما حفرت في فترة وجود فصائل منظمة التحرير الفلسطينية جنوب لبنان، أو خلال فترةٍ لاحقة، أثبت نتنياهو ورئيس أركانه ما صار يعرف بـ«وعد الجليل» الذي أطلقه نصر الله منذ سنوات.
الخطوة الأخرى التي أقدمت عليها حكومة العدو خلال الأسابيع الماضية وفي سياق الحرب النفسية نفسه، كانت التجرؤ على المجاهرة لأول مرة بتبني ما زعم نتنياهو أنه «مئات العمليات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي في سورية بهدف منع وصول صواريخ دقيقة لحزب الله»، ورد نصر الله بأن ما يدعيه نتنياهو من إنجاز غير مسبوق في سورية، الهدف الرئيسي منه إخفاء سقوط رهان نتنياهو الشخصي خلال السنوات الماضية على الجماعات المسلحة التي سلحها ورعاها في الداخل السوري، تلك الجماعات التي اعتقد نتنياهو أنها ستؤمن قطع الأتوستراد السريع لنقل الصواريخ والسلاح، الأتوستراد الذي تحدث المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم عن افتتاحه بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت، فأكد نصر الله للمرة الثانية أن «المهمة أنجزت وأن الأمر تم، وأن الصواريخ الدقيقة وصلت بأعداد كافية»، واستكمل قصفه النفسي للصهاينة معتبراً أن امتلاك حزب اللـه للصواريخ الدقيقة، هو من مصلحة المستوطنين الصهاينة الذين ستسقط الصواريخ غير الدقيقة على رؤوسهم في الحرب المقبلة، لو لم يمتلك حزب اللـه السلاح الدقيق الذي يستهدف به القواعد العسكرية الإسرائيلية.
لكن أهم ما ورد في كلام نصر الله فيما يخص المواجهة مع العدو الصهيوني، كان إعلانه استعداد محور المقاومة رفع التحدي ولو تدحرج إلى مستوى الحرب، في حال أصر نتنياهو على الاستمرار باللعب بالنار، موضحاً أن أولوية دمشق خلال السنوات الماضية كانت حسم الصراع مع الجماعات التكفيرية، معتبراً أن وضع الدولة السورية اليوم في مواجهة تلك الجماعات، الأفضل على الإطلاق منذ بدأ الصراع، فحليفا واشنطن الرئيسيان على الساحة السورية، تركيا وميليشيا «قسد» دخلتا صراعاً لا تسوية فيه، حله الوحيد عودة الدولة السورية للسيطرة على منطقة شرق الفرات طال الزمن أم قصر، كما أن سيطرة «جبهة النصرة» فرع القاعدة في سورية على إدلب وغرب حلب، ينهي أي فرصة لقبولٍ دولي ببقاء هذا الجيب خارج سيطرة الدولة السورية، فالجماعة يصنفها معظم دول العالم كتنظيم إرهابي، لا حل سياسياً ممكناً معه، بالتالي وبحسب نصر الله، صارت مسألة عودة الدولة السورية إلى بسط سيادتها على كل أراضي الجمهورية مسألة وقت، ما يحرر يد دمشق للرد على التحرشات الإسرائيلية.
واتساقاً مع المقولة الإستراتيجية الشهيرة التي أطلقها الأمين العام لحزب اللـه سابقاً «سنكون حيث يجب أن نكون» لم تقتصر الحرب النفسية التي شنها خلال اللقاء التلفزيوني الأخير، على قصف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بل تعداها لقصف جبهة محور حلفاء واشنطن في المنطقة، كاشفاً بالمعلومات تفاصيل حالة الإحباط والانهيار والتداعي التي زلزلتهم إثر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب عسكرياً من سورية، معتبراً أن «الأميركيين لن يستطيعوا فعل أكثر مما فعلوه، وأنهم سيغادرون سورية والمنطقة».
وبينما أطلقت فضائية الميادين على اللقاء التلفزيوني مع نصر الله اسم «حوار العام 2019»، تبين أن أكثر الأطراف اهتماماً بمتابعة اللقاء كانوا من الإسرائيليين، جمهوراً ومحللين ومعلقين سياسيين، وهم لم يكتفوا بتحليل تفاصيل الحوار، بل بتحليل الديكور والبحث عن معنى اللافتة الصغيرة فوق رأس السيد، حيث كتبت الصحفية الإسرائيلية يمريت مئير: «على اللافتة الصغيرة فوق رأسه، يقتبس نصر اللـه آية من القرآن الكريم «ادخلوها بسلام آمنين»، هل يريد أن يشير إلى دخولٍ سلسٍ إلى إسرائيل على الرغم من اكتشاف الأنفاق»؟!
يحدث هذا على حين ما زال القطاع الأوسع من الجمهور العربي غارقاً في غياهب التضليل والتيه الذي أدخلته فيه إمبراطوريات الإعلام الخليجي الضخمة، بعيداً عن اكتشاف قيمة القائد الذي يختصر في رمزيته أذكى وأفعل حركة تحرر عربية أنجبتها الأمة في العصر الحديث.