إدلب بين «أستانا» وآمال بيدرسون.. بقلم: سامر علي ضاحي

إدلب بين «أستانا» وآمال بيدرسون.. بقلم: سامر علي ضاحي

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٦ يناير ٢٠١٩

بعد حشود عسكرية وصلت إلى تخوم إدلب، واتصالات مكوكية تولتها موسكو جمعت بين دمشق وعواصم رعاة مسار «أستانا» الثلاث إضافة إلى واشنطن، وضغوطات دولية مارستها الأخيرة والقوى الغربية، خرج اجتماع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في 19 أيلول بـ«اتفاق سوتشي» حول إدلب، ونص على مراحل لم يكشف منها سوى الثلاث الأولى: سحب السلاح الثقيل، تشكيل منطقة منزوعة السلاح، وانسحاب التنظيمات الإرهابية.
واستطاع الروسي نيل مباركة باريس وبرلين لاحقاً على الاتفاق وغض نظر عنه من واشنطن، لكن تركت المراحل المتبقية منه طي الكتمان بين أروقة العواصم المطلعة على تفاصيله وإن كانت بعضها كأنقرة وواشنطن ترغب بان يكون «طويل الأمد» وهو ما لم يخفوه في مواقفهم حتى الآن، بينما تؤكد دمشق أن مصير هذه المنطقة هو كغيرها «العودة إلى حضن الوطن» بـ«القوة أو المصالحة».
ورغم أن المرحلة الثالثة المتعلقة بالتعهدات التركية بسحب الإرهابيين من «المنزوعة السلاح» لم تتحقق إلى اليوم، إلا أن التمدد الذي حققته «جبهة النصرة» الإرهابية على حساب الميليشيات المدعومة من أردوغان يمكن مقارنته بسيناريو التطورات التي سبقت اجتياح الجيش السوري للتنظيمات والميليشيات التي كانت متمترسة في غوطة دمشق الشرقية العام الماضي.
فقد شهدت الغوطة في آخر فترة خضوعها لـ«النصرة» وبقية الميليشيات صراعاً دامياً بين الطرفين ساهم بتمدد «النصرة» وحلفائها، وبدا ذلك وكأنه سيناريو جرى التوافق عليه بين موسكو والسعودية التي تعتبر أكبر داعم لميليشيا «جيش الإسلام» الذي كان يتزعم السيطرة على الغوطة، فسمح هذا بنشر مسلحي «النصرة» على جبهات الغوطة ما سحب الذريعة من المعارضة وحلفائها في مواجهة الجيش العربي السوري  بأن الأخير ينقض اتفاق «خفض التصعيد» الذي كان ينظم جبهات الغوطة على الرغم من أن الاتفاق حدد بمدة 6 أشهر، وكان تأخير التوافق حول دوما وخروج «جيش الإسلام» باتفاق تسوية إلى الشمال مختلفاً قليلاً عن الاتفاق الذي خرج بموجبه «فيلق الرحمن» و«أحرار الشام» وغيرهما من الميليشيات التي اتهمت حينها «جيش الإسلام» بخيانتها.
وما أشبه اليوم بالأمس فـ«النصرة» شنت حرباً توسعية على حساب ميليشيات ريفي حلب وإدلب  وبسطت نفوذها على المناطق الممتدة من دارة عزة غربي حلب وصولاً إلى معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي بخط طول يبلغ قرابة 100 كيلومتر وبالتالي باتت تسيطر على المنطقة التي تفصل بين وحدات الجيش العربي السوري في الشرق وحدود لواء اسكندرون السليب في الغرب ولم يكن لدى تركيا مشكلة في هذا التوسع، فهي تجد في «النصرة» ورقة للتفاوض مع الجميع.
ورغم أن هذا التوسع جاء على حساب ميليشيا ما يسمى «الجيش الوطني» الذي سعت إليه تركيا جاهدة الصيف الماضي بغية صهر كل القوى المسلحة في إدلب وريف حلب، إلا أنها وقفت متفرجة على تقدم «النصرة» فهي في المعايير الضيقة لا تريد وضع نقاطها المخصصة للمراقبة في إدلب على بنك أهداف «النصرة» لكنها على المدى الطويل ترى في تقدم «النصرة» أهدافاً أخرى بعيدة، يتجلى أولها بمساهمته في تكثيف الوجود المسلح في عفرين والمناطق الأخرى بريف حلب الشمالي ومنها منبج شرق حلب، بما يتيح لها عناصر بشرية أكثر فيما لو تعرقلت التفاهمات مع واشنطن حول شرق الفرات، وبالتالي تستعملهم ضد ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية- قسد».
الهدف الآخر يتمثل بالحفاظ على ورقة ضغط في مواجهة الشريكين في مسار أستانا الروسي والإيراني بما يسهم في صياغة ترتيبات تحافظ على المصالح التركية في أي اتفاق يتعلق بالحدود الشمالية لسورية سواء في ريف حلب، أو في شرق الفرات.
ثمة هدف ثالث يتجلى بدور تركيا العالمي باعتبار أن «النصرة» ترث الدور العالمي الذي كان مناطاً بتنظيم داعش الإرهابي مع تقهقر الأخير في سورية والعراق، وتركيا اليوم تقبض على مفاتيح كثيرة في التنظيم الجهادي العالمي المتفرع أصلاً عن تنظيم «القاعدة» بالتالي لدى أنقرة مخزون استخباراتي لا يستهان به يمكن استثماره دولياً في أي مواجهة لـ«القاعدة» أو مخططات الأخيرة في دول العالم، مع العلم أن «النصرة» ترث دور داعش أيضاً بانتقال قيادات داعشية كثيرة إلى صفوفها، وتدرك «النصرة» هذا الأمر فنرى أن المواقف الصادرة عن قياداتها لا تناصب أردوغان العداء الكبير بل تسعى إلى مهادنته مخافة أن يلتزم بـ«اتفاق إدلب» فيجتثها أو يسهل ذلك.
رغم ما سبق، إلا أن تركيا ومع اقتراب موعد قمة جديدة بين أردوغان وبوتين قد ترى أنها مجبرة على القبول بتكرار سيناريو الغوطة الشرقية وذلك بعملية عسكرية يشنها الجيش العربي السوري بدعم روسي جوي بعد الشتاء القاسي لتأمين الطريق الدولي «إم 5» الذي يسمح بعودة شريان دمشق حلب، وطرد «النصرة» من معرة النعمان وسراقب، وأن يتم فتح طريق «إم 4» بين سراقب واللاذقية عبر أريحا باعتبار أن الطريقين لا يمران من إدلب، ويجري صياغة تعديلات على «اتفاق إدلب» في إطار  «أستانا» تماماً، يسمح بتأجيل البت في مصير مدينة إدلب لحين استكمال التفاوض التركي الأميركي حول شرق الفرات، والبت بمصير «قسد» وعمودها الفقري «وحدات حماية الشعب»، ولعل هذا السيناريو يسمح بمزيد من التنفس للاقتصاد السوري، وما يعزز هذا الاحتمال هو  الانتشار الإرهابي المستجد في إدلب.
لعل هذا السيناريو سيكون تحدياً ماثلاً أمام المبعوث الأممي الجديد إلى سورية غير بيدرسون الذي سيكون مضطراً لتعويم هذا الخيار باعتباره يشكل تقدماً ميدانياً في صراع حل الأزمة السورية من جهة وكبادرة حسن نية أمام ثلاثي أستانا من جهة ثانية على أمل أن يحقق خروقات مقابلة في «اللجنة الدستورية» يفتتح فيها مسيرته الجديدة، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدا حاداً جداً تجاه أنقرة خلال الأيام الماضية وقد يعمل على خلط الأوراق مجتمعة بعدما ساهم بتعقيد الملفات بقرار انسحابه المفاجئ من سورية.