تأبّط خيراً.. بقلم: سامر علي ضاحي

تأبّط خيراً.. بقلم: سامر علي ضاحي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٨ ديسمبر ٢٠١٨

لعل الكثيرين ممن يجيدون قراءة التطورات الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط لم تأخذهم المفاجأة الكبيرة التي اعتلت وجوه آخرين غيرهم بعد رؤية صور الرئيس السوداني عمر حسن البشير يحط في مطار دمشق الدولي واستقبال الرئيس بشار الأسد له في مشهد غاب عن الشاشات لمدة 8 سنوات من عمر الأزمة السورية، حتى وإن كانت تتوقع وجهاً عربياً آخر.
قبل أسابيع فقط تبادر إلى أذهان العرب جميعاً ما نقله البرلمانيون الأردنيون عن الرئيس الأسد حين استقباله لهم بأن سورية تنظر للأمام وليس للخلف ولربما كان هذا دافعاً كافياً للبشير، ومن يمثلهم، ليزور العاصمة السورية وهو الذي سبق وانساق خلف السعودية في موقفها ضد دمشق لكنه اكتفى بالتصريح، وإن كانت قواته تستعد في وقت من أوقات الأزمة السورية لدخول سورية ضمن ما كانت الرياض تفكر بإنشائه «التحالف السني» الذي حظي بدوره بمباركة أميركية على يد وزير خارجيتها الأسبق جون كيري.
إذاً وعلى على عكس تصريحات العرب خلال السنوات الماضية، باتت عودة سورية إلى مقعدها الطبيعي في جامعة الدول العربية ليست بالإنجاز الكبير، لاسيما وأن العرب باتوا بانتظار موافقة دمشق نفسها للعودة إلى الجامعة.
ورغم أن بعض التوقعات أشارت سابقاً إلى إمكانية لعب الإمارات أو عمان دور وسيط عربي بين الرياض ودمشق لكن التسريبات خلال الشهرين الماضيين أشارت إلى زيارات أمنية بين العاصمتين، بما أن المثل الدارج «لا دخان بلا نار» ولم يصدر أي نفي من الرياض أو دمشق بالتالي فإن احتمال وجود قنوات تواصل فعالة بينهما كبيرة.
الخرطوم سبق أن استضافت قمة اللاءات العربية الثلاث عام 1967 وعرف عنها موقفها العروبي القومي إلى جانب دمشق على الدوام، ولكن بالمقابل كانت السودان مسرحاً لأطول أزمة عربية قبل ما يسمى «الربيع العربي» إذا ما استثنينا الأزمة الفلسطينية المتواصلة، وأسفرت جملة التدخلات الدولية في تقسيم السودان وهو ما نجحت دمشق بتجنبه كمصير خلال الأزمة الحالية.
وبما أن السودان صاحب تجربة طويلة مع العقوبات الأميركية والغربية وقربه الشديد من الرياض بالتالي يمكن التكهن بأن البشير «تأبط خيراً» لدمشق وصدر عنه حرصه على «عودة دمشق إلى الحضن العربي».
وفي جملة الحديث عن العودة السورية إلى الجامعة العربية فإن احتمالاً قوياً أن زيارة البشير كانت لاستقراء شروط دمشق للمشاركة في القمة العربية الدورية المقبلة في تونس في آذار المقبل باعتبار المشاركة السورية في القمة الاقتصادية العربية الرابعة في بيروت الشهر المقبل، وإن حصلت مشاركة، لن تكون على مستوى رئيس الدولة، فأي عودة سورية إلى الجامعة تعني فيما تعنيه إعادة ترتيب أوراق التحالفات التي نجحت دمشق بنسجها لسنوات.
ونتيجة للأزمة السورية وما سبقها فمن غير المرجح أن تقبل دمشق بعودة إلى الجامعة العربية لتدور في فلك سعودي معادٍ لإيران التي وقفت إلى جانب دمشق في مواجهة السعودية وحلفائها ممن أشعلوا وأذكوا نيران الحرب السورية وسفكوا دماء آلاف السوريين، ما لم يتغير موقف السعودية تجاه إيران المرتبط أصلاً ارتباطاً وثيقاً بالموقف الأميركي.
ثمة عقدة أخرى بالعودة السورية تتعلق بتكلفة إعادة الإعمار التي قال الرئيس الأسد منذ أيام لوفد روسي إنها بين 250 و400 مليار دولار أميركي فإن الدول العربية معنية وبشكل مباشر بتقديم إعانات إلى دمشق في مجال الإعمار لاسيما وأننا بدأنا نرى شركات عربية تعود للسوق السورية وزيادة في زيارات الوفود البرلمانية ورجال أعمال من دول عربية إلى سورية.
العقدة الثالثة تتمحور بدور أميركي في شرق سورية فليس من المنطقي عودة دمشق للحضن العربي الذي تحمي بعض دوله قواعد أميركية ينطلق منها «التحالف الدولي» لارتكاب مجازره في سورية أو تنطلق قواته التي تحتل سورية منها، كما أن هذه القوات تشكل فصلاً عنصرياً بين الشقيقين سورية والعراق وتمنع الاتصال البري بين الدولتين.
ما تأبطه البشير من خير قد يكون له امتداد إقليمي فالسودان ذو علاقة طيبة اليوم بتركيا، في ظل حديث عن عملية عسكرية محدودة في إدلب لإكمال استعادة الطريق الدولي دمشق أنقرة ولكن أي اتصال مقبل لأنقرة بدمشق يجد له مسرباً عبر الحليف الروسي أكثر من السودان نفسها لكن زيارة البشير لها دلالاتها بهذا الخصوص.
ومع كل ما سبق تبقى الأيام كفيلة بكشف فحوى حقيبة البشير إلى دمشق ومصير المصالحة العربية الكبرى.