حصاد مسار أستانا.. بقلم: عمار عبد الغني

حصاد مسار أستانا.. بقلم: عمار عبد الغني

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١١ ديسمبر ٢٠١٨

أحدثت جولات أستانا العشر خرقاً في جدار الأزمة السورية، لكنها لا تزال دون الطموح لكثرة الأطراف المتدخلة وتباين أجنداتها، ففي وقت تقدم فيه روسيا وإيران ومعهم الحلفاء كالصين ومجموعة بريكس جهوداً خيرة لوضع الأزمة على سكة الحل، فإن الغرب وعلى رأسه أميركا وفرنسا وبريطانيا يسعون إلى إفراغ الجولات من مضمونها عبر النظام التركي ومماطلته وتسويفاته وعدم الوفاء بالتزاماته وذلك في إطار محاولاتهم إبقاء جذوة النار مشتعلة، معولين على عامل الوقت لإحداث تبدل في الميدان العسكري الذي باتت كفته راجحة لمصلحة الدولة والجيش العربي السوري.
يمكن حصر إنجازات الجولات السابقة باتفاق وقف الأعمال القتالية الذي أدى إلى تطهير مناطق عدة من الإرهاب كغوطة دمشق والمنطقة الجنوبية، ومن ثم عندما يقصف «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن مناطق شرق الفرات وخاصة مدينة هجين ثلاث مرات خلال أقل من 72 ساعة، ذلك يعني أن الإدارة الأميركية قد اتخذت قراراً بتهجير أهلها ورسم خطوط حمر حول تلك المنطقة لتكون قاعدة لها تمارس من خلالها الضغوط السياسية والعسكرية كافّة، فهي من جهة لا تريد أن تفرض الدولة السورية سيادتها على كامل أرضها ويقلقها تنظيف الحدود السورية العراقية من إرهابيي تنظيم داعش، حيث إن ذلك سيزيد التعاون بين جيشي البلدين للقضاء على أي وجود إرهابي يهدد أمن البلدين وكذلك تحاول الإبقاء على سيطرتها على حقول النفط التي تعد مصدر تمويل لداعش وفي هذا الإطار جاءت العرقلة الأميركية لكل المؤتمرات التي خصصت لبحث الوضع في سورية.
ولأن النظام التركي لا يزال غير مقتنع بما وصلت إليه الأمور في سورية التي جاءت بعكس ما يشتهي، فلا نعتقد أنه في وارد لعب دور إيجابي في الحل، أضف إلى ذلك أن «المعارضة» المشاركة في المحادثات السورية السورية وخاصة «معارضة الرياض» هي ليست أكثر من ناقل رسائل لما يملى عليها في «السعودية» التي هي بدورها تتلقى أوامرها من البيت الأبيض، ولذلك فإن حدوث تقدم في المحادثات رهن بتبدل موقف الإدارة الأميركية التي لا تزال تستثمر في التنظيمات الإرهابية وتعول عليها في تحقيق مكاسب سياسية.
مما تقدم لا نعتقد أن مسار أستانا سيقدم جديداً يذكر وخاصة على المسار السياسي إذ إن الاجتماعات السابقة كانت تركز بالمجمل على اتفاق التهدئة ولم تبحث بشكل موسع الحل السياسي، أما فيما يتعلق بالخلافات بين الدول الضامنة، روسيا وإيران وتركيا، فإن مواقف موسكو وطهران تكاد تكون متماهية، بينما النظام التركي يحاول حماية التنظيمات الإرهابية التي تأتمر بأوامره من خلال تمييزه بين هذه التنظيمات وما تسمى «المعارضة المعتدلة» وهذا ما ترفضه موسكو وطهران اللتان تعتبران أن كل الميليشيات المسلحة في إدلب تنظيمات إرهابية يجب القضاء عليها إما عن طريق حلها وإما عن طريق العمل العسكري.
يمكن القول إن الحصاد الإيجابي الذي تحقق في جولات أستانا الـ11 كان نتيجة لما أنجز في الميدان العسكري، لذلك فإن المعركة مستمرة، فالولايات المتحدة الأميركية لن تتراجع عن إستراتيجيتها إذا لم تتكبد خسائر وعليه فإن المقاومة الشعبية في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأميركية المحتلة في شرق الفرات باتت ضرورية لتتلاقى مع جهود الجيش العربي السوري الذي اتخذ قراره بتطهير كامل التراب السوري من الإرهاب ومن كل من تسلل تحت جنح الظلام بطريقة غير شرعية بهدف الاحتلال والتدمير، ولن يطول الوقت حتى يتحقق النصر وتفتح الأبواب أمام عالم جديد أكثر توازناً وعقلانية وسيكون لسورية دور محوري في ترسيخ بنيانه.