الشعوذة الأميركية.. بقلم: نبيه البرجي

الشعوذة الأميركية.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الجمعة، ١٦ نوفمبر ٢٠١٨

«لكأننا ما بعد أميركا. ربما اللحظة القاتلة بين عبقرية توماس جيفرسون وغوغائية دونالد ترامب».
بول كروغمان، المفكر الأميركي الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، سأل ما إذا كان الرئيس الخامس والأربعون «غورباتشوف أميركا». لاحظ كيف أن الرجل الذي يرقص الفالس حيناً على الجليد وحيناً على النار، يشيع الفوضى في المعادلات، وفي العلاقات الدولية، على شاكلة ذلك الحصان الأغريقي الذي يدفع بالكرة الأرضية إلى حفرة يقف عند فوهتها الأبالسة.
ترامب، بالضحالة الثقافية المروعة، كما لو أنه يستنسخ نظريات صمويل هانتنغتون، أن حول صدام الحضارات أو حول التحذير من التسونامي اللاتيني الذي لا بد أن يفضي إلى تقويض «الإمبراطورية البيضاء».
هذا ما ظهر جليّاً إبان حملة الانتخابات النصفية. التصدع الإتني، والسوسيولوجي، داخل الإمبراطورية. باحثون تحدثوا عن احتمالات الانفجار، من دون أن يتنبه الرئيس الأميركي إلى ما يفعله. كل ما يعنيه أن يبقى، على شاكلة الليدي غاغا، تحت الأضواء.
سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي في عهد باراك أوباما، رأت فيه الرجل الذي يحترف الشعوذة السياسية والإستراتيجية. لا قاعدة فلسفية، ولا قاعدة أخلاقية، تحكم التغريدات التي كما لو أنها «زقزقة الضباع».
إنه المشعوذ. هذا هو الانطباع الذي انتهت إليه إحدى الحلقات البحثية في جامعة هارفارد. الحلقة تناولت التوقعات في الشرق الأوسط، ولاسيما الخليج، مع التركيز على المثال السعودي.
«جوراسيك بارك»، أو «الحديقة الجوراسية»، وهو عنوان الفيلم الشهير لـ ستيفن سبيلبرغ، «التجسيد الديناصوري» للمملكة. لم ينطلق الباحثون من حادثة قتل جمال خاشقجي، وتقطيع جثته، ومن ثم تذويبها. اعتبروا أن ما حصل كان نتيجة جدلية لذلك النوع من «التوتاليتارية العمياء».
الحلقة البحثية لاحظت أن الإدارات المتعاقبة، ومنذ لقاء عبد العزيز آل سعود وفرنكلين روزفلت، في قناة السويس، غداة مؤتمر يالطا في شباط 1945، أرست، في إطار يتقاطع فيه الإيديولوجي مع الإستراتيجي، تلك الظاهرة (أو الظواهر) العجيبة، البعيدة كلياً، أو المناقضة كلياً، لديناميكية العصر.
الأرقام مذهلة، بل صادمة. عائدات النفط بتريليونات الدولارات. ذهب نحو ستين بالمئة منها إلى الولايات المتحدة، عبر قنوات شتى (من صفقات السلاح وتوابعها، إلى الاستثمارات، والودائع، والتوظيفات السياسية، وحتى إلى برودواي ولاس فيغاس…). الأرقام المتبقية إلى دول غربية أخرى، وإلى العائلة المالكة. ما يتبقى للرعايا الفتات، من دون لحظ أي مبلغ للتحديث البنيوي للمجتمع بفئاته كافة.
أحد الباحثين أثار مسألة «تفجير الزمن» في الشرق الأوسط بعدما كرست الـ«جوراسيك بارك» سياسة القطيعة مع الزمن. المنطقة التي قال هيرودوت إنها تقع على خط الزلازل تقع، أيضاً، على خط الحرائق.
آراء مثيرة أثناء الحلقة البحثية. هل كان باستطاعة البلاط تسويق ثقافة تورا بورا، بأبعادها السياسية والعقائدية، لولا المظلة الأميركية، ليظهر، في نهاية المطاف، أن الولايات المتحدة اضطلعت بالدور المحوري في إبقاء مجتمع بأسره موزعاً بين لغة الأقبية ولغة الكهوف؟
ماذا تعني إقامة المدن الحديثة، والفضفاضة، التي ينتفي فيها «ألق الروح»؟
حادثة القنصلية بدت وكأن «الزمن يثأر لنفسه». سبق وكتبنا عن الزلزال في قصور المرمر. أميركا حائرة. دونالد ترامب يراهن على «الجنرال زمن» في تغطية سيناريو القتل، والتقطيع والتذويب. لكن التداعيات في أمكنة أخرى، حتى داخل المملكة، حتى داخل العائلة.
الحلقة البحثية في هارفارد رأت «ضرورة التوقف عن الشعوذة». لا مناص من السياسات البديلة، وإلا حتى الجدران هناك تتحول إلى أشباح، وتقتلع أي أثر لأميركا في المنطقة».
الوطن