نتنياهو وزيارته الاستعراضية لعُمان.. بقلم: تحسين الحلبي

نتنياهو وزيارته الاستعراضية لعُمان.. بقلم: تحسين الحلبي

تحليل وآراء

الخميس، ١٥ نوفمبر ٢٠١٨

يقول مدير «مركز ميتفيم للأبحاث» المختص بشؤون الشرق الأوسط البروفيسور الإسرائيلي إيلي فوديه: إنه سيصدر قريباً كتاباً يكشف فيه عن تاريخ العلاقات السرية التي أقامتها القيادة الإسرائيلية و«جهاز التجسس والمهام الخاصة – الموساد» مع عدد من الدول والممالك العربية. فوديه، وفي مجلة «مركز ميتفيم للأبحاث» تطرق لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومعه زوجته ورئيس جهاز الموساد إلى مسقط، فذكر أن علاقات القيادة الإسرائيلية مع السلطان قابوس يعود تاريخها إلى مرحلة سبقت استلامه للحكم حين نفذ انقلاباً على والده عام 1970، فقد قدمت إسرائيل لحكام عمان منذ ستينيات القرن الماضي دعماً استخباراتياً وعسكرياً أثناء محاربة سلطان عمان لجبهة تحرير ظفار حين هددت عمان نفسها، وأرسلت إسرائيل مرتزقة من المسلحين لحماية عرش السلطان ومنع انتصار جبهة تحرير ظفار.
يكشف فوديه أن القيادة الإسرائيلية أرسلت في الفترة نفسها أسلحة ومرتزقة قاتلوا ضد الجيش المصري الذي انتشر في اليمن الشمالي لحماية الجمهوريين اليمنيين وثورتهم على الإمام يحيى وبدر اللذين تحالفا مع السعودية.
هذا يعني أن إسرائيل تحالفت مع هذه الأنظمة في السعودية وعمان حتى حين كانت بريطانيا تحتل اليمن الجنوبي ودول الخليج وتنسق كل هذه العلاقات السرية مع الاحتلال البريطاني ضد دور حركة التحرر العربية والرئيس الراحل عبد الناصر.
بعد عدوان حزيران 1967 الإسرائيلي على سورية ومصر والأردن، نشطت أجهزة الموساد في عقد اتصالات سرية مع الحاكم العماني، وذكر فوديه أنه منذ بداية عام 1980 كان ضابط الموساد، نحيك نيفوت، يجتمع بشكل دوري مع السلطان قابوس لخدمة المصالح المشتركة، وكأنه كان يعمل مستشاراً عند السلطان وخصوصاً ضد ثورة الإمام آية الله الخميني التي انتصرت عام 1979 وأسقطت شاه إيران الذي كان حليفاً لسلطان عمان.
في أعقاب اتفاقية أوسلو، يقول فوديه: سارع يوسي بيلين، وهو أحد مهندسي الاتفاقية وكان نائباً لوزير الخارجية شمعون بيريس في عام 1994، وعقد اجتماعاً مع مسؤولين في عمان وجرى الاتفاق معهم على الإعداد لجلسة علنية لمفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في مسقط لبحث موضوع المياه، وأعد بيلين مع وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي موعد لقاء علني لرئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إسحاق رابين، جرى في 27 كانون الأول 1994 وكان أول لقاء علني مع رئيس حكومة إسرائيلية ومسؤول عربي هو السلطان قابوس.
وحين قتل رابين في تشرين الثاني 1995 بعث قابوس وزير خارجيته للمشاركة في جنازة رابين، وفي كانون الثاني عام 1996 وقعت مسقط مع تل أبيب اتفاقية افتتحت بموجبها ممثلية دبلوماسية في تل ابيب مقابل ممثلية إسرائيلية في مسقط، وفي نيسان 1996 زار بيريس بصفته رئيس حكومة إسرائيل مسقط والدوحة وعزف النشيد الإسرائيلي لأول مرة على أرض شبه الجزيرة العربية في مسقط.
ولا تزال إسرائيل تدير مشروعات تحلية مياه البحر بعد أن أنشأتها في عمان قبل سنوات كثيرة، والسؤال الذي يطرحه المراقبون هو: ما الفوائد التي تحصل عليها عمان من إسرائيل؟ ألا تستطيع بريطانيا، وهي التي احتلت عمان وجنوب شبه الجزيرة العربية وكانت تعين الحكام والسلاطين في تلك المناطق، القيام بإنشاء محطات تحلية للمياه وحماية عمان؟
لاشك أن زيارة نتنياهو إلى مسقط مع الوفد الإسرائيلي الكبير الأمني والسياسي والتجاري تحمل أبعاداً خطيرة وبهذا الشكل العلني الصارخ، لأنها تأتي بعد أن أكد نتنياهو ضمه للقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وبعد أن أكد أن إسرائيل هي دولة لليهود وحدهم وبعد أن ألغى عملياً الموافقة على دولة فلسطينية حتى لو في جزء من الضفة الغربية، وبعد أن أعد خطة علنية لضم جميع المستوطنات إلى السيادة الإسرائيلية حين أصبح عدد المستوطنين يزيد على مليون مستوطن. ولذلك تساءل الكثيرون ماذا بقي من حقوق الفلسطينيين القابلة لوساطة عُمان؟ هل يريد نتنياهو إقناع قابوس استيعاب جزء من اللاجئين الفلسطينيين للتخلص من مطالب حق العودة؟ ويشجع من خلال هذه العملية دولاً أخرى تستوعب لاجئين آخرين من داخل الضفة الغربية أو خارجها لكي تتحقق خطة «يهودية الدولة»؟
كانت القيادة الإسرائيلية لا تعترف ولا تزال لا تعترف، بحل للقضية الفلسطينية إلا بتوطين اللاجئين في البلدان العربية، فهل ستتفق مع مثل هذه الدول سواء عمان أم غيرها على توطينهم إضافة إلى سكان الضفة الغربية في المستقبل بعد ترحيلهم بالقوة كما فعلت عام 1948؟
لقد قدم الشعب الفلسطيني مليوناً من الأسرى لحماية حقوقه وعشرات الآلاف من الشهداء دفاعاً عن وطنه وحقوقه ومئات الآلاف من الجرحى، ومن قدم كل هذه التضحيات لا يمكن أن تهزمه إسرائيل وكل من يتعاون معها ضده.