الحرب الإقتصادية بديلا ً للحرب العسكرية الأمريكية على إيران.. بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

الحرب الإقتصادية بديلا ً للحرب العسكرية الأمريكية على إيران.. بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٦ نوفمبر ٢٠١٨

مع بدء الولايات المتحدة الأمريكية تطبيق الحزمة الثانية للعقوبات النفطية والإقتصادية والمالية على إيران ... حتى اشتعلت نار التصريحات والتغريدات والمواقف والمواقف المضادة دون تسجيل أي اختراق على مستوى مواقف الدول المعلنة سابقا ً، وحافظت حالة الإنقسام والإصطفاف الدولي حيال الإتفاق النووي والصاروخي الإيراني ومصالح الدول المتشابكة على درجة سخونتها وحذرها وحساباتها وتوقعاتها ما بين الدول المهللة للعقوبات والرافضة لها. 
فالرئيس الأمريكي وقع العقوبات وانتظر تطبيقها عشية الإنتخابات النصفية، أما وزير خارجيته فتوعد بإنهيار إيران "إن لم تغير سلوكها"، فيما وعد مستشار الأمن القومي بعقوبات إضافية .... في وقتٍ لم يتأخر فيه رد الرئيس روحاني الذي قال: "سنبيع النفط ونخرق العقوبات غير المشروعة الظالمة"... "فنحن نواجه حربا ً اقتصادية وقوةً متغطرسة".
فيما هلل قادة العدو الإسرائيلي ليوم بدء العقوبات، ووصفه رئيس المدعو نتنياهو ب "اليوم التاريخي" والرئيس ترامب ب "الشجاع"، أما وزير حربه فقد شكر الرئيس ترامب على بدء تطبيق العقوبات.... في وقتٍ أكدت غالبية الدول الأوروبية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنرويج وبالتحديد دول ال 4+1 والإتحاد الأوروبي، استمرارها إلتزامها بتطبيق الإتفاق النووي وبإحترام الإتفاقات الدولية.
لا شك أن تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران والذي يأتي بالتزامن مع موعد إنطلاق الانتخابات النصفية في أمريكا، ومع تصريحات قادة الكيان الإسرائيلي يضفي بعدا ً أمريكيا ً داخليا ً، يهدف لتحريك مشاعر وأصوات اليمين الأمريكي المتصهين خصوصا ً في الولايات الشرقية والشمالية والتي لم تصوت بكثافة لترامب في الانتخابات الرئاسية.
أما خارجيا ً فالإشتباك الدولي مع الصين وروسيا المرتبط بملفات الشرق الأوسط وبالصراعات الساخنة في اليمن وسوريا الأمر الذي يرفع منسوب الاهتمام الأمريكي الجدي بأمن الكيان الصهيوني بالتوازي مع إنتصارات سوريا ومحور المقاومة مجتمعا ً, الأمر الذي جعل ترامب يصدر مؤخرا ًحزمة عقوبات جديدة على شخصيات قيادية في حزب الله ومؤسساته وتطال أيضا ً المؤسسات التي تتعامل معه في لبنان وخارجه, ناهيك عن صواريخ المقاومة الفلسطينية واليمنية, وعليه لخصت الخارجية السورية ما يحصل في بيان إدانتها للعقوبات الأمريكية إذ جاء فيه : أن "سوريا تحتج بقوة على إنتهاج سياسة فرض الإجراءات القسرية أحادية الجانب ضد الدول التي ترفض الإنصياع لإملاءات الولايات المتحدة". 
المشهد الإيراني الداخلي ... بوضوحٍ تام جاء المشهد الإيراني عبر الغضب الشعبي العارم في التظاهرات التي عمت شوارع طهران وعددا ً من المدن الإيرانية, فقد أراد الإيرانيون توجيه رسائلهم حيال العقوبات وأكدوا أنها ستزيد وحدتهم الداخلية وأنها لن تؤثر على طبيعة مواجهتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية , مشهدٌ يضاف إلى أيدي واشنطن المهزوزة في فرض العقوبات بما يعزز إمكانية خرقها من قبل إيران, بعدما تعرضت لخرقٍ على يد الأمريكيون أنفسهم عبر استثنائهم ثمانية دول حيال استمرار استيرادها للنفط الإيراني , وبالتالي يراقب الإيرانيون هذه القرارات بعينٍ ثاقبة ويدركون أنه بفضل تهديداتهم لا يمكن لأحد أن يمنع صادراتهم النفطية وإلاّ "فلن يكون هناك تصدير نفطٍ في المنطقة" – بحسب الرئيس روحاني -, ناهيك عن عدم قدرة السوق الدولية للنفط تحمّل غياب الصادرات الإيرانية، فأن تسمح واشنطن لثماني من بينها الهند والصين وتركيا بإستمرار الإستيراد يؤكد كلام الرئيس روحاني : بأننا "سنتجاوز العقوبات ولن نتأثر بها" ... 
إيران والعلاقات الأوروبية .... تشعر إيران بالإرتياح نتيجة الخطوات الإيجابية التي قام بها الإتحاد الأوروبي حيال إيجاد اّلية مالية للتعامل مع إيران بعيدا ً عن الضغوط والعقوبات الأمريكية، ووقف مع مصالحه بالدرجة الأولى، وقبل التعامل باليورو وليس بالدولار، وسمح لمجموعة من المصارف الأوروبية بمتابعة التعامل مع إيران، هي بالمجمل أمورٌ توثق العلاقات الإيرانية – الأوروبية، على حساب بعض الجفاء في العلاقات الأوروبية – الأمريكية، ويعزز ثقة الداخل الإيراني بشركائهم الأوروبيين.
الدور الإيراني والعقوبات ... إذ يعتقد البعض أن الدور الإيراني الذي تلعبه في محور المقاومة ودعمها لبعض الفصائل الفلسطينية وحزب الله اللبناني وكل ما قصده بومبيو في قوله "السلوك الإيراني"، سوف يتأثر ولا شك مع بدء تطبيق العقوبات، وأخذوا يروجون عبر ماكيناتهم الإعلامية أن الدولة الإيرانية تبدد أموال الشعب الإيراني، في وقتٍ تبدو فيه هكذا حسابات وهكذا تحليل مجافيا ً للحقيقة، ويدل على جهلٍ حقيقي بالواقع الإيراني، الذي لا يدعم المقاومة بأموال خزينة الدولة الإيرانية, بل يتكفل بها زوار العتبات الدينية ومحبي المقاومة عبر العالم , إذ يدرك الداعمون إن استهداف إيران هو استهدافٌ لمحور المقاومة مجتمعا ً.
هل ستصمد إيران أم ستنهار إقتصاديا ً كما هدد بومبيو ... لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بعيدا ً عن معرفة وفهم طبيعة الشعب والمواطنون الإيرانيون، الذين يرفضون بشدة استهداف وتهديد بلادهم، وتدفعهم الأخطار المحدقة بهم إلى المزيد من رص الصفوف، ومن جهةٍ أخرى يلاحظ أن واشنطن تبالغ في رهانها على إنصياع روسيا والصين والإتحاد الأوروبي بالإلتزام بعقوباتٍ تفرضها الإدارة الأمريكية كحربٍ إقتصادية ترى فيها بديلا ً عن حربٍ عسكرية ضد إيران تبدو فيها عاجزة عن خوضها والتفكير بالإنتصار فيها. 
لا شك أن إيران ستصمد في الحرب الاقتصادية الشرسة الظالمة اللاشرعية التي تشنها الولايات المتحدة، وستخرج منتصرة، ولن تسمح للعقوبات أن تجبرها على الدخول في مفاوضات خاسرة تفرض عليها التخلي عن برامجها النووية السلمية والصاروخية... حتى لو مارس الأمريكيون ضغوطا ً شديدة كما تعهدوا وبعقوباتٍ "تاريخية" قاسية إلى حين "تغيير سلوكها أو انهيارها".... وسيقابل ذلك بما تمتلكه إيران من إمكانات وأوراق وأدوار تستطيع فيها خوض المواجهة على كل الجبهات، فلن تتخلى إيران عن صواريخها ولن تجلس على طاولة التفاوض الأمريكي ضعيفةً ومنزوعة والسلاح، ولا بد أن يتمسك الإيرانيون بما ناضلوا وفاوضوا من أجله لسنوات، وتوصلوا على قاعدة الندية والإحترام – الذي أعاد الحديث عنه اليوم الوزير ظريف – إلى إتفاقٍ نووي صادق عليه مجلس الأمن الدولي والأمريكيون والأوروبيون، ليأتي الرئيس دونالد ترامب لينقضه وينقضّ عليه بدون أي وجه حق وبعنجهية فارغة تثبت أن الولايات المتحدة دولة الشر الأكبر وبإمتياز.