الجدارة القيادية.. بقلم: سامر يحيى

الجدارة القيادية.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ٥ نوفمبر ٢٠١٨

القائد هو الإنسان المبدع الذي يأتي بالطرق الجديدة ليعمل على تحسين العمل، وتغيير مسار النتائج إلى الأفضل، والقائد الناجح هو الذي تظهر مهاراته في وضع وإعداد الخطة، وفي طريقة تنفيذها، وهو متميّز في بثّ روح الحماسة والمثابرة عند الآخرين، إنّها الجدارة القيادية التي يجب أن يتمتّع بها القائد.
 وينستون تشرشل، توماس إيدسون، البيرت اينشتاين، جون ستيوارت ميل، بيتر جاكسون، بيل غيتس، ستيف جونز، مارك زوكربيرغ، بيل بارتمان، وغيرهم أسماء كثيرة بمجالات متعدّدة، كانوا قادة في مجالهم، أثَّروا بالبشرية وأثْرُوها، وأمثالهم كثرٌ في عصرنا الحديث، رجالٌ لم نسمع عنهم، لكنّ نجاحاتهم تسير فيما بيننا، وهي سرٌ انتصاراتنا، هم قادةٌ ميدانيون حقيقيون، لكنّ الكثير منهم لا يحمل الشهادات العليا، والكثير منهم رفض منحه دكتوراه فخرية، لأنّه يؤمن أن الإنسان بعطائه وإبداعه وقدرته على التأثير بالمجتمع والآخر، وليس بالشهادات التي يحملها والألقاب التي يحصل عليها.
 والتساؤل المطروح هل يا ترى من الصواب أن نخضع الجميع لامتحانٍ أكاديمي واحد تحت شعار "الجدارة القيادية"، وهل كل المؤسسات لدينا تحتاج لنفس الخبرات والقدرات والإمكانيات التي تتوفّر لدى القائد، وهل تتشابه طبيعة كل المؤسسات، أم هناك تبايناً وتفاوتاً بل أحياناً تناقضاً في كيفية قيادة المؤسسة، فصحيح أن الهيكل واحد، ولا يجب أن نهمل الجانب الأكاديمي العلمي، لأنّنا ندرك أنّ هذا الهيكل، وهذه الدراسة الأكاديمية هي التي أهّلت القائد الإداري أو الموظّف الحكومي للوصول لهذه المرتبة الوظيفية، أما التأهيل والتدريب يكون بمواكبة التطوّرات والتنفيذ على أرض الواقع، وهذا يستدعي تفعيل دائرة العلاقات العامة بكل مؤسسة، لأنّها قادرة على تقديم المعلومات والبيانات والمدخلات الصحيحة، وباعتبار العمل المؤسساتي عملٌ جماعي، فإنّ القائد الإداري يجب أن يتمتّع بالقدرة على المشاركة الوجدانية مع جميع أبناء المؤسسة، وعليه معالجة الأمور بحكمةٍ ورويّة، لقدرته على الاطلاع الواسع على عمل المؤسسة، واستيعاب التطوّرات التي تحصل في مجال عمله، والاستفادة من المدخلات والمعطيات التي قدّمت له، ومن ثم تتم عملية التقييم والتقويم استناداً إلى النتائج الملموسة على أرض الواقع لا الأرقام النظرية التي تقدّمها المؤسسة لنتائج عملها.
 أليس النقاش والحوار بين القائد والموظّف الذي هو على احتكاك مباشر مع عمل مؤسسته أكثر نجاعةً وجديّة من مئات الدورات التنظيرية التي نجريها لهذا القائد أو ذاك الموظّف، أليس النقاش بين المسؤول والموظّف الذي يقوم بعملٍ ما برأيه صحيحاً بالنقاش والحوار معه بدلاً من اتخاذ القرار التنظيري الذي يكون مجحفاً بحق المؤسسة قبل الموظّف النشيط القادر على العطاء والإبداع، أليس النقاشات والحوارات البناءة بين القائد الإداري وبقية العاملين في المؤسسة لمناقشة صلب العمل المؤسساتي والمشكلات الحقيقية التي يعاني منها والنجاحات التي تحقّقت بعيداً عن المجاملة، وتزويد هذا المدير أو الموظّف بأحدث الدراسات والتطورّات التي تتعلّق بملف عمله، أياً كان هذا العمل، بدلاً من العودة للمربّع الأول الذي قد اجتازه مرّتين على الأقل قبيل التحاقه بعمله الحالي، أليست كل هذه شروطاً أساسية يجب أن يتمتّع بها القائد الإداري ليمنح لقب الجدارة القيادية؟.
  إن سوريتنا الآن بأمس الحاجة للعمل الجدي على أرض الواقع، لرؤية النتائج الحقيقية، بعيداً عن التنظير والتجميل للذات وخبراته، وتشويه للآخر وقدراته، وتحميل المسؤولية التي من المفترض أن تكون المقياس لنجاح هذا القائد الإداري أو ذاك، فالقائد الإداري القادر على تحدّي الصعاب بحكمةٍ وحنكة هو القائد الذي يستحق أن يتبوأ هذا المكان أو ذاك، فالمؤسسات تسير بشكلٍ روتيني وطبيعي، ودور القائد الإداري مضاعفة عملية الإنتاج لتؤتي ثمارها أضعاف ما كان متوقّعاً.
 عند تفعيل دور العلاقات العامة، يتم تفعيل دور كل عاملٍ في المؤسسة للقيام بالمهام المنوطة به، ونكون قد حقّقنا تأهيلاً عالي المستوى، وليس قائداً إدارياً واحداً، بل مؤسسة بكاملها، لتنال لقب الجدارة القيادية، التي تمتلك الخبرات الحقيقية والمعلومات القابلة للتطبيق على أرض الواقع التي تضاعف عمليات الإنتاج وزيادة الإيرادات بطريقة علمية عملية إيجابية لا يوجد بها جانبٌ سلبي، لأنّ العمل الجماعي يولّد نجاح وطني بالمطلق.
 فإذا كانت شهادة الجدارة القيادية مجرّد شهادة نظرية تنظيرية فلا حاجة للمؤسسات بها، فكلّ مؤسسة لها خصوصيتها ولها تعاملاتها وإلا لما رأينا مئات النظريات في العمل الإداري والقيادة والتسميات المتنوّعة علاقات عامة وموارد بشرية وتنمية بشرية وتنمية مستدامة.....، فلولا اختلاف طبيعة العمل بين مؤسسة وأخرى واتساع نطاق عمل هذه المؤسسة عن تلك لما احتجنا لكل هذه التسميات، واختصرنا الطريق بنظرية إدارية واحدة تشمل كافّة الجوانب، تقوم بها مديرية واحدة في المؤسسة توزّع المهام وانتهى..
 إننا إذا عدنا إلى تعريف مؤتمر جوهانسبرج عام 1995، للجدارة الوظيفية بأنّها "مجموعة السمات والمؤهّلات الشخصية والعملية، والتي تمكّن الموظّف من تحقيق معدلات أداء متميزة وقياسية، تفوق المعدلات العادية"، ورؤية كلاً من Fen& Tsue للجدارة الوظيفية بأنّها "القدرة على الأداء بكفاءة داخل بيئة العمل وكذلك القدرة على الاستجابة للتحديات في نطاق بيئة العمل"، نجد أنّ الجدارة القيادية أو الوظيفية ليست بالعودة للدراسة الأكاديمية، بل بسماتٍ شخصية وقدرةٌ علمية وعملية تطبيقية، والنجاح مهما كانت الظروف التي تحيط بالقائد الإداري.
 وهنا سيقول البعض ولكن هناك فائدةٌ جمّة من الأكاديمية، هذا صحيح، نحن نستفيد من المرحلة الأكاديمية، ولكن بعد الالتحاق بالعمل يتم إنشاء معاهد ومراكز دراسات بكلٍ مؤسسة، تمدّ العاملين بها بكافة المعلومات، وتواكب آخر التطورات، ولكنّها لا تعود للمربّع الأول، ونحن لدينا القدرة والإمكانية لكي تكون مؤسساتنا بحدّ ذاتها، كل منها معهدٌ ومركز أبحاث ودراسات، عندما نفعّل دور كل موظّف لدينا، ونستفيد من رؤاه وأفكاره ومعلوماته ومعارفه، أليس عقد النقاش والحوار بين العاملين بالمؤسسة وأصحاب الخبرات والتخصّص بتفعيل أداء هذه المؤسسة، وزيادة حصيلة القائد الإداري ومعلوماته وقدرته على استخدامها بالطريقة الأمثل لتطوير أداء المؤسسة، ألا يمكن للمؤسسة تفعيل نشرةٍ أسبوعية أو شبه دورية تتناول آخر ما توصّل إليه العلم والأبحاث كلٌ في مجال عمله ولو كان خدمياً.
 الجدارة القيادية والإصلاح الإداري الحقيقي يكون بتعزيز الانتماء الوظيفي والولاء المؤسساتي، وكم المعارف التي يمتلكها الفرد في تخصص معين، وإلمامه بتخصّصات أخرى تصب في مصلحة عمله، وهذه تتم عبر "كتاب أو نشرةٍ" كلّ ضمن مؤسسته، وقدرته على إدارة المواقف أنّا كانت والمهارات التي يمتلكها بتحويله الجانب النظري لعملي، وتحمّل المسؤولية، عبر اعترافه بالخطأ لكنّه يستدرك نتائجه ويعوّض الخسائر الناجمة عنه، ولديه القدرة والإمكانية على التخلّص من العقبات ومجابهة التحديّات.
  سوريتنا ليس لأحدٍ منا منيّة أنه يعمل لأجلها، فكلٌ عليه أن يعمل ضمن المهام الموكلة إليه، وبالتالي عندما نفكّر بوطنية تلقائياً سوف تنعكس نتائج العمل على كل منا دون استثناء، ولا يساوي أي عملٍ نقوم به ذرّة مما يبذله ذلك الجندي المدافع عن قدسية تراب الوطن على مدار الساعة متحدياً كل الظروف، آخذاً بحسبانه كل المخاطر والتحدّيات والأخطار التي قد يتعرّض لها.