ضرورة إعادة فهم مقاصد الدين الحقيقية.. بقلم:مصطفى محمود النعسان

ضرورة إعادة فهم مقاصد الدين الحقيقية.. بقلم:مصطفى محمود النعسان

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢ أكتوبر ٢٠١٨

أدمت الأحداث التي شهدتها سورية خلال السنوات الثماني الماضية، قلوب مواطنيها وباتت تحتم علينا وعلى كل من يعتلي منبراً ثقافياً أو فكرياً أو دينياً أن يعيد طرح ومناقشة موضوع في غاية الأهمية يتمثل في فهم مقاصد الدين الحنيف فهماً صحيحاً لا مشوهاً ولا مزيفاً، معتدلاً لا غلو فيه ولا تطرفاً.
لقد تعرض الإسلام للتشويه والدسائس من فئتين فاعلتين في الأحداث التي عصفت بسورية، الفئة الأولى يغلب على سلوكها الجهل ولا تفهم من الإسلام إلا اسمه، ومن الدين إلا رسمه، ركبت الموجة وسارت في المؤامرة بجهل وغباء وتجييش للعواطف التي «لا تسمن ولا تغني من جوع» العواطف التي تهدم ولا تبني، وهذه الفئة وجدت في المساجد ضالتها أيام الجمعة، فامتطتها وسخرتها بلا حياء وبلا خوف من اللـه لتحقيق غاياتها الشريرة وأهدافها الوضيعة التي تخالف وتتصادم مع تعاليم الإسلام السمحة.
دخلت، هذه الفئة، المساجد وهيجت الناس السذج للخروج في تظاهرات، وهي فئة لم تتوجه إلى المساجد ولم تيمم وجهها شطر القبلة إلا في هذا اليوم، ومن أجل هذا الهدف الوضيع، فكان أن دنسوا المساجد وشوهوا مقاصدها النبيلة التي هي في حقيقتها ترفض هذا السلوك وتدينه وتتصادم معه.
أما الفئة الثانية، فيغلب على تفكيرها الحمق ويتسم سلوكها بالتطرف والغلو الذي حذر منه الإسلام ورفضه الشرع رفضا قاطعاً ومطلقاً حيث قال الرسول محمد صلى اللـه عليه وسلم: «لا غلو في الدين»، وهذه الفئة تمثلها التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش وجبهة النصرة ومن لف لفهما وسار في ركبهما، وهذه الفئة، كسابقتها، وجدت في المساجد ضالتها.
ولكن أين المساجد وحقيقتها في الدعوة إلى اللـه وممارسة الدين باعتدال وسماحة وإنسانية من مقاصد هذه الفئات المتطرفة التي ارتضت الغلو والفهم الخاطئ للدين منهجا لها فشوهت الدين وأساءت إليه أيما إساءات.
حتى نكشف حقائق هاتين الفئتين، فإننا نحتكم في ذلك إلى الشرع الحنيف في محورين اثنين لا ينفصلان ويتمم أحدهما الآخر نقدمهما عن طريق السرد وليس من خلال الترتيب والتبويب.
المحور الأول يتمثل في أن من أول مقاصد الشرع والغاية من كل تعاليمه وطاعاته وفرائضه هو أن تصقل السلوك وتقومه فيحسن المسلم التعامل مع أخيه الإنسان قال الرسول صلى اللـه عليه وسلم: «إنما الدين المعاملة»، وفي هذا الحديث الصحيح يبين (ص) أن الدين كله ومجمله من ألفه إلى يائه يتجسد في حسن المعاملة بين البشر، وما يؤكد ذلك قوله (ص) في الحديث الآخر الصحيح: «من غشنا فليس منا» أي لا يجوز للمسلم أن يغش أحدا ولو كان من دين آخر، فكيف بالدين الذي لم يبح الغش وحرمه وأخرج صاحبه من ذمة الإسلام أن يبيح قطع الرؤوس وسبي النساء وتكفير الناس؟! فالإسلام ليس صلاة وصياماً وما إلى ذلك رغم أهميتها، بل الإسلام قبل هذا وذاك، حسن معاملة وسلوك قويم رفيع، يقول الرسول الكريم (ص): «… أقوام تحقرون صلاتكم أمام صلاتهم وصيامكم أمام صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، وقال (ص): «من كفر مسلما فقد باء بها» أي فقد كفر.
هذا هو المحور الأول الذي يبين فسق وفجور هؤلاء الجهلة المتطرفين أصحاب الغلو الذين شوهوا مقاصد الدين الحنيف وأبعدوه عن أهدافه ومراميه وغاياته.
أما المحور الثاني فهو ما يجسده قوله تعالى: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي»، وهو ما يجسده أيضاً قوله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، قالها للعالمين ولم يقلها للمسلمين، وقالها عامة ولم يقلها خاصة، لأن الإسلام في حقيقته دين رحمة للناس جميعاً وليس دين قتل وسبي كما يفهمه هؤلاء المتطرفون.
فأين سلوك هؤلاء من هذه التعاليم والنصوص السمحة الرحبة الرحيمة؟! أين سلوكهم من قوله (ص): «من آذى ذميا فقد آذاني».
نسوق في هذا المقام ثلاث قصص وحقائق تبين وترسخ رحمة اللـه ومغفرته ورأفته بعباده وخلقه مما ينسف نسفاً تاماً وكاملاً أكاذيب وإدعاءات هؤلاء المتطرفين من الأساس، أما القصة فهي ما نص عليه الحديث الشريف من أن امرأة باغية، أي تمارس الزنا، سقت كلباً كان يلهث من العطش بخفها فشكر اللـه لها فغفر لها.
والقصة الثانية أن رجلاً لم يعمل خيراً في حياته قط إلا مرة أزال الشوك من الطريق فغفر اللـه له فيها.
والقصة الثالثة فتتمثل في أن رجلاً كان يمهل المدانين المعسرين ويسامحهم فيما أدان فقال اللـه له: «نحن أحق بالمسامحة منك» فغفر له ذنوبه كلها.
هذه القصص والحقائق الثلاث نتائجها منبثقة من قوله تعالى: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللـه إن اللـه يغفر الذنوب جميعاً»، فأين إرهاب هؤلاء وتكفيرهم من لطف الباري ورحمته؟!
لقد تأولوا على اللـه فضيقوا واسعاً ورحباً، بفهمهم المحدود للدين الحنيف، فأساؤوا إليه، وبقصد في معظم تصرفاتهم، وبدفع من مشغليهم ومموليهم، ولم يتورعوا عن تشويه مقاصد الدين، فكانت النتيجة أن اغتالوا أهدافه وغاياته النبيلة.