حين تُخطئ الحسابات الاستراتيجية لإسرائيل.. مصيدة الانتصار السوري

حين تُخطئ الحسابات الاستراتيجية لإسرائيل.. مصيدة الانتصار السوري

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٨

أمجد إسماعيل الآغا
يبدو أن حادثة إسقاط الطائرة الروسية “إيل-20″ قبالة الساحل السوري، لن تكون حدثاً عرضياً يمكن تجاوزه بالاعتراف بالخطأ، أو صِيَغ الاعتذار، ما يُفسِّر التصريحات الروسية المُتكرِّرة بأن إسرائيل هي المسؤولة أولاً وأخيراً، لتتوضَّح التفاصيل أكثر وتُعلن وزارة الدفاع الروسية بأن إسرائيل مُتورِّطة في إسقاط الطائرة الروسية، وفي مثل هذه الحوادث، لا يمكن العودة إلى طبيعة العلاقة بين روسيا والكيان الإسرائيلي لحلحلة تداعيات إسقاط الطائرة، و لا بدّ من ردٍّ مباشر على الهمجية الإسرائيلية.
أمام التطوّرات المفصلية في مسارات الحرب على سوريا، يبدو أن خيار المواجهة مع إسرائيل بات أكبر من أيِّ وقتٍ مضى، حيث أن الهزائم المُتكرِّرة للفصائل الإرهابية، والانتصارات الاستراتيجية للدولة السورية وجيشها، أرغمت إسرائيل على أن تخرج من خلف الستار لمواجهة الصمود السوري، فالوضع الحَرِج الذي تعيشه إسرائيل هو نتيجة منطقيّة لجُملة الوقائع التي باتت تُشكِّل بتفاصيلها عنوان الانتصار السوري، إضافة إلى ضِيْق الجغرافية التي لم تعد تستطيع من خلالها إسرائيل كَسْب الرهانات وفرض الخيارات، فضغط الزمن الذي بات في ثوانيه الأخيرة لإعلان الجغرافية السورية خالية من الإرهاب، أرَّقَ إسرائيل ووضعها في خانة البحث عن استراتيجيات من شأنها إطالة وقت الحرب، وسيناريوهات يُمكن من خلالها إلهاء الدولة السورية وجيشها، لتكون الاعتداءات الإسرائيلية المُتكرِّرة ردّاً على ما تم حصده سورياً خلال سنوات الحرب، لكن حين تُخطئ الحسابات الاستراتيجية تكون النتائج كارثيّة، فـالبيئة الاقليمية الجديدة التي فرضها صمود الدولة السورية ومُعادلات الرّدع التي حقّقها الجيش السوري، إضافة إلى تشكيلِ منظومةِ المقاومة ” دمشق طهران بغداد حزب الله ” وحليف قوّي مثل روسيا، هي مُعطيات لا يمكن أن يُبدِّدها أيّ اعتداء إسرائيلي، لتأتي الحماقة الإسرائيلية بالعدوان على الساحل السوري مُخالِفة لكل ما خُطِّط له في إسرائيل، فالخطأ قاتِل حين يكون الهدف طائرة روسية على متنها خيرة ضباط الاستطلاع الروسي.
يبدو أن حادثة إسقاط الطائرة الروسية “إيل-20” قبالة الساحل السوري، لن تكون حدثاً عرضياً يمكن تجاوزه بالاعتراف بالخطأ، أو صِيَغ الاعتذار، ما يُفسِّر التصريحات الروسية المُتكرِّرة بأن إسرائيل هي المسؤولة أولاً وأخيراً، لتتوضَّح التفاصيل أكثر وتُعلن وزارة الدفاع الروسية بأن إسرائيل مُتورِّطة في إسقاط الطائرة الروسية، وفي مثل هذه الحوادث، لا يمكن العودة إلى طبيعة العلاقة بين روسيا والكيان الإسرائيلي لحلحلة تداعيات إسقاط الطائرة، و لا بدّ من ردٍّ مباشر على الهمجية الإسرائيلية.
وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أعلن وبإيعاز من الرئيس فلاديمير بوتين، أن وزارة الدفاع الروسية ستتَّخذ ثلاث خطوات مهمّة بهدفِ تعزيزِ القدرات القتالية للدفاعات الجوية السورية.
الأولى: تسليم منظومات الدفاع الجوي “إس-300” إلى سوريا خلال أسبوعين، وهي قادرة على اعتراض الأهداف الجوية على مسافةٍ تتجاوز 250 كم، بسبب قُدرتها العالية على عرقلة التشويش وسرعتها المُتفوِّقة في إطلاق الصواريخ.
الثانية: ستُجِّهز روسيا المراكز القيادية لقوات الدفاع الجوي السورية بنظامٍ آليّ للتحكُّم موجود حصرياً لدى الجيش الروسي، ما سيضمن الإدارة المركزية لجميع الدفاعات الجوية السورية، وتحديد جميع الطائرات الروسية في الأجواء من قِبَلها.
الثالثة: أعلن شويغو عن إطلاق الجيش الروسي التشويش الكهرومغناطيسي في مناطق البحر المتوسّط المُحاذية لسواحل سوريا، بهدف منع عمل رادارات واتصالات الأقمار الصناعية والطائرات أثناء أيّ هجوم مستقبلي على سوريا.
ضمن هذه المُعطيات، باتت تُدرِك إسرائيل أن الحرب على سوريا لا يمكنها أن تكون أبعد مما تتحمَّله المنطقة، فأيُّ توتّرٍ إضافي من شأنه أن يكون مُقدِّمات لحربٍ عالميةٍ حقيقيةٍ، كما باتت تُدرِك إسرائيل أن توازن الرعب الذي حقَّقته الدولة السورية سيكون مانِعاً لأية حماقة قد تُفكِّر إسرائيل بالإقدام عليها مُستقبلاً، وأن دفاعات محور المقاومة باتت تُشكِّل تهديداً كبيراً لكل مغامرة إسرائيلية بالحرب، وبالتالي لقد انتهى زمن التفوّق الإسرائيلي جواً وبراً و بحراً.
في المُحصّلة، روسيا تعلم مدى حماقة وخطورة إسرائيل على المنطقة، لكن سياسة الاحتواء الروسية المُعتمِدة على مُعالجة التطوّرات بذكاءٍ ورويةٍ، لتجنّب الإنجرار والوقوع في حروبٍ سيكون الجميع خاسِراً فيها، كما أن إسرائيل تعلم أن روسيا لا يمكن أن تتخلَّى عن حليفتها الاستراتيجية سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة إلـى إيران التي تشترك معها بنفس الرؤى الاستراتيجية في ما يخصّ العديد من القضايا الاقليمية والدولية، وبالتالي موقف إسرائيل من الناحيةِ الاستراتيجية والسياسية والميدانية ضعيف أمام روسيا في هذه الملفات، وبعد أن باءت جميع المحاولات الإسرائيلية الرامية لإبعاد روسيا عن سوريا وإيران بالفشل، تعمَّدت إسرائيل توجيه ضربة غير مباشرة لروسيا، في محاولةٍ لإيصالِ رسالةٍ إلى روسيا تكون بمثابة الإنذار والتحذير من الإنجرار أكثر في دعم سوريا، لكن الرسالة الروسية المُضادَّة لم تكن مُتوقَّعة، لتدخل بذلك إسرائيل في نفقِ الأخطاء الاستراتيجية، فـالكبار وحدهم مَن يقومون بفرض التفوّق الاستراتيجي والتوازن الحقيقي الرادِع لإسرائيل مستقبلاً.
الميادين