حكم الشعب..!؟ .. بقلم: سامر يحيى

حكم الشعب..!؟ .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٨

لم يكن الشاعر مبالغاً أو يتكلّم عن عبثٍ عندما قال:
 
لا تمدحنّ امرءاً حتى تجـــــــــــَــــــــــــرّبه            ولا تذمنــــــــــــــــــــــــــــّه من غير تجريب
 
فحمدك المرء ما لم تبــــــله سَرفٌ            وذمّك المرء بعد الحمد تكذيب
 
                                       *اختلف نسب هذا البيت بين المقري وأبو الأسود الدؤلي.
 
        هذا يدعونا لعدم إطلاق الأحكام من دون معرفةٍ وتأكّد، من دون متابعةٍ ولمس الموضوع على أرض الواقع، بعيداً عن التشدّد لرأي، فليس بالضرورة ما أراه صواباً يراه غيري صواباً والعكس صحيح، فالحكم يطلق على الواقع الحقيقي، وعندها تكون المحاسبة الجديّة على ما يلمسه المواطن على أرض الواقع، والمفترض ألا تزيد عن مائة يومٍ لأي مؤسسة مهما كان حجمها.
 
     بطبيعة الحال عندما يكون مجموعة أشخاصٍ مجتمعين معاً، يطلقون الألقاب والأوصاف، النقد والإيجاب، يقيّمون عمل المسؤول والمؤسسات وحتى أعلى الهياكل القيادية بأقل من ساعةٍ زمنية، وتتغيّر الصيغة بتغيّر الحضور، أو الشخص المخاطب، مما أدى إلى ظلم الشرفاء والإطراء على الفاسدين، وسهّل الطريق على الفاسد الذي استطاع تطويع عمله المؤسساتي لصالحه الشخصي على حساب مؤسسته ووطنه، مما أدى لاتساع الفجوة بين المواطن ووطنه، بين الموظّف ومؤسسته، وهذه مسؤولية وسائل الإعلام بكلّ أشكالها وأنواعها وأساليبها وأدواتها لدى كل المؤسسات، بهدف رفع الوعي المجتمعي والتنشئة السليمة، بالتعاون مع المثقفين وأصحاب الخبرات والرؤى، بعيداً عن التنظير الأكاديمي، أو الشتم والإطراء التي تختلف من شخصٍ لآخر ومن فترةٍ زمنية لأخرى، فشتّان بين مناقشة علمية عقلية تخاطب الجميع وتقنعهم، وبين عقلية تخاطب العاطفة الآنية التي تقنع البعض لكنّها تسيء في جوهرها، وتثير الأحقاد وتفتح ثغرات لتناولها سلبياً.
 
     إن عبارة "حكم الشعب نفسه بنفسه" ليست عبارةً خلّبية، إنّما مصطلحٌ جديّ يجب الالتزام به فإذا نظرنا إليها بالطريقة الإيجابية البناءة سنجدها بأنّها هي أن يقوم كل شخصٍ بخدمة نفسه، والحكم على نفسه، لتقويم سلوكه ويمارس دوره بالشكل الأمثل والأسمى لبناء وطنه، فكلّنا مسؤولٌ كل ضمن إمكانيته ومكانته والمهام الموكلة إليه، ضمن أسرته وضمن مجتمعه وضمن مؤسسات التي يعمل لديها، ودور وسائل الإعلام تمتين وتقوية هذه العبارة، لأنّها تعزّز الانتماء الوطني والولاء المؤسساتي والمشاركة المجتمعية.
 
   إن البرامج التلفزيونية الناقدة تحت شعار التحرّر والواقعية ومجاراة الآخر، وتحميل المسؤولية للآخر، صفات ساهمت بل بررّت الفاسد الانتهازي، فكم نرى كبار المسؤولين الذين مهمتهم مكافحة الفساد والبحث عن أسباب لمعالجته من جذوره يتحدّثون عن وجود فساد، يقبل هذا الكلام من مواطن عادي، لكنّه غير مقبولٍ من صاحب قرار، لأنّه يبرّر بل يساعد الانتهازيين على الاستمرار والصعود والانتصار، لأنّهم كانوا الأقدر على استغلال الظروف لصالحهم بغض النظر عن مصلحة الوطن، أم ضدّه، بينما البعض الآخر بقي يشتم ويلعن ويمدح وينسى أنّه إنسانٌ عليه القيام بالدور المنوط به، وهذا لسنا بحاجة لسنوات طويلة للبدء به، إنّما يتطلّب إرادة حقيقية، وإدارة حكيمة وحنكة في التعامل، وعمل جماعي ليس صعباً عند وجود تلك الإرادة، والبحث الجدي بأفضل السبل لكل قضية، لا سيّما لدينا مؤسسات متخصصة بكل نواحي الحياة، علينا النظر للأفعال لا للأقوال، والولاء الوطني المعتمد على البناء والتطوير والتوثيق، لا على الشعارات والتصوير والتنظير.
 
    إن منح أبناء الشعب الثقة لبعض أبنائه لعضوية الإدارة المحلية أو مجلس الشعب، إلى ما هنالك، والتي تنقسم عادةً إلى مرحب أو معارض، مهمل أو متجاهل، يكيل التهم، ينظر لانتمائه المؤسساتي والحزبي أو المناطقي، ولكن لم نفكّر بالبرنامج الانتخابي، فالمسابقات أولى ما تطلبه معرفةً بقانون العاملين والنظام الداخلي للمؤسسة، والجامعات تمتحن بما درسه الطالب بمنهاجه، إذاً المفترض بمن يتقدّم لأي منصبٍ أو منح الثقة من القيادة، وحتى من أراد أن ينتقد، أن تكون لديه خطة عمل أو منهجية أو اطلاع مباشر على ما يتطلّع إليه ويتكلّم عنه، وليس بالضرورة أن تكون فكرة محددة، عن موضوع محدد، إنما  منهجية عملٍ حقيقية، ومن ثم تتم قولبتها وتطبقيها على أرض الواقع لتسهيل عملية الإداء وتقييمه، عندما تتوفّر البيانات ويدرس المعطيات ويدرك المهام الملقاة على عاتقه، مبتعداً عن الخطط التنظيرية، واضعاً كل التحديّات والإيجابيات والمعوقات والإمكانيات ليستطيع النجاح الفاعل، فنحن لا نريد خطّة بناءة تنظيرية تدغدغ أفكار المواطن لكنّها خلّبية بعيدة عن أرض الواقع، وغير قابلةً للتطبيق، أو لم نضع بحسباننا أن هناك الكثير من العوائق والتحديّات وأن هناك من يريد إفشال العمل لأسباب شخصانية أو حقدٍ على الوطن وعلى أبنائه والضغوط الخارجية والإمكانيات المادية المتوفرة، فعندما أكتب فكرتي المفترض أن لا تكون حبيسة أدراج، لأنّها قابلة للتطوير والتحديث والبناء الفعّال.
 
على الإعلام أن يدرك بأنّ الالتزام الوطني لا يعني الفشل وعدم مواكبة التطوّرات المتسارعة، والاعتماد على الذات لا يعني أن تقاطع الآخرين، إنّما العمل الجدي ضمن الإمكانيات المتاحة والتعاون الجماعي بين جميع فريق العمل للوصول للهدف المنشود، والحقيقة الصادقة، وبث الوعي واستقطاب الجميع، بعيداً عن المجاملة والإطراء، أو النقد والشتيمة، أو الاستهتار والاستهزاء، بل الاعتماد المنطقية الوطنية التي تؤمن بأن الإعلام هو صوت الحكومة لدى المواطن، وصوت المواطن لدى الحكومة، بما يساهم باستنهاض الكفاءات والشخصيات القادرة على العطاء والعمل لتحقيق الاستثمار السليم بالشكل الأمثل، وصقل المهارات والخبرات والرؤى الموجودة، لأنّ الشخص لا بد أنه اكتسب مهارةً ويحتاج توجيها ًسليماً تشاركياً وتأطيراً بنّاءً.
 
لنعمل معاً يداً بيدٍ بهدف التشاركية الحقيقية، والبرامج الجدية الواقعية، كلٌ ضمن دوره وإمكانياته، للسير بخطى موازيةً لنجاحات القيادة السياسية، في وجه أعتى تحالف إرهابي سياسي عسكري في العالم، وانتصارات الجندي العربي السوري المتشبّع بالعزّة والكرامة والوطنية والإنسانية.