«إيل-20» لم تَسقُط بالصواريخِ السورية.. ولا تُهادن الأفعى فتلدغك

«إيل-20» لم تَسقُط بالصواريخِ السورية.. ولا تُهادن الأفعى فتلدغك

تحليل وآراء

الأحد، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٨

 فرنسا- فراس عزيز ديب
يوم الخميس الماضي أكّد المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف أن كل الأفكار التي ربطَت بين تحطم الطائرة «إيل-20» قبالةَ السواحل السورية خلال العدوان الإسرائيلي على مدن الساحل السوري وعدمَ تشغيلِ نظام «الصديق- العدو» هي مجرد «أوهام هواة»، وتابع كوناشينكوف تفنيدهُ بأن هذا النظام متعلِّق بكلِّ دولةٍ ولا يشمل حُكماً الأسلحة الروسية المصدّرة إلى الخارج.
ربما في الظاهر فإن كلامَ المتحدث الروسي جاءَ ردّاً على ما تداولهُ الإعلام الروسي تحديداً الناطق بالعربية ذاتَ نفسهِ، ونشرهِ تحليلاتٍ بدائيةٍ عن إسقاط الطائرة الروسية بصاروخٍ من صواريخِ الدفاع الجوي السوري خلال صدِّه للعدوان بسبب عدم تشغيل هذا النظام، لكن في العمق ومع أنها ليست السقطة الأولى التي يقع فيها هذا الإعلام والقائمونَ عليهِ، إلا أن الهدفَ من هكذا تفنيدٍ لا يبدو أنه مرتبطٌ فقط بمسار التحقيقات، بل بمسارِ عملٍ استخباراتي قادتهُ دول الناتو ومعها «إسرائيل» مبني على سؤالين بسيطين:
الأول: هل من روج لهذه التقارير يريد إيقاع الروس بمطبّ تأكيدِهم من عدمهِ لاستلام السوريين بطاريات الصواريخ «إس 400» المزودة أساساً بنظام «الصديق- العدو» الذي يتيح تجنُّب هكذا أخطاء؟
ثانياً: هل إن الطائرة بِما وَمن فيها كانت ضحيةً غيرَ مباشرةٍ للعدوان، أم إن العدوان أساساً كان مُفتعلاً لتبريرِ إسقاط الطائرة؟
منذ أن أُعلن عن انتهاءِ العدوان وهروبِ الطائرات الإسرائيلية تحت ضربات الدفاعات الجوية السورية، اتجه الجميع، أصدقاءَ وأعداء، لفرضيةِ سقوط الطائرةِ بصاروخٍ سوري عن طريقِ الخطأ، بالتأكيد لا أحد يدّعي امتلاك معلوماتٍ لاعن نتائج التحقيقات، ولا عن المسُّوغات التي قدمها الجانب الإسرائيلي للروسي خلال زيارةِ وفد سلاح الجو في جيش الاحتلال لموسكو، لكن التصريحات والمعلومات التي تلت هذا العدوان وما نتجَ عنها بدت وكأنها اتخذت الطريق الواصل نحو حجم الأضرار الأقل حتى تنجلي الحقائق، وبمعنى آخر:
كان الهدف امتصاصَ جميعِ الأطراف لهولِ الحدث الذي كان سيؤدي ربما لاندلاعِ حربٍ عالميةٍ منَ البحرِ المتوسط فيما لو تم التعاطي معه بمنطقِ العواطف وردود الفعل غير المدروسة، اليوم وبعد دخول الجميع بمرحلة التحقيقات فإن الإجابة على كل التساؤلات المطروحة قد نستطيع ببساطةٍ استقراءها من خلالِ ردود الأفعال عند الدولتين المعتدى عليهما والكيان المعتدي، فكيف ذلك؟
نبدأ من الجانِب السوري الذي التزمَ عملياً الصمت حيالَ مسؤوليتهِ من عدمِها عن إسقاط هذه الطائرة، وانحصرت ردود الأفعال الرسمية بينَ تحميلِ الكيان الصهيوني مسؤوليةَ الحدث والتعازي للشعب الروسي الصديق بشهداءِ الحادثة، أي إن البيانات الرسمية السورية حتى الآن لم تعترف بشكلٍ مباشر ولا غيرِ مباشر بأن الطائرة سقطت بصواريخَ سوريةٍ عن طريق الخطأ، علماً أن الاعتراف لا يمكن أن يحمِل أي تبعات، فالأصدقاء الروس يدركون تماماً أن السوريين بالنهاية كانوا بحالِ الدفاع عن النفس، بل إن الرواية التي تحمِّل السوريين مسؤولية إسقاط الطائرة بشكلٍ غير مباشر تشكِّل نقطةً مضاعفةً للقيادة السورية التي يتهمونها بأنها لا تستطيع الرد على الطائرات الإسرائيلية بطلبٍ روسي، وللأسف فإن بعض من يكيلون هذه الاتهامات إعلاميون محسوبون على ما يسمى «إعلام المقاومة»، وهؤلاء إما أنهم لم يسمعوا بإسقاط السوريين لطائرةِ إف 16 الإسرائيلية في سماءِ الجولان السوري المحتل شباط الماضي، أو إن زلّة الشاطر بألف، فالصواريخ السورية لاحقت الطائرات الإسرائيلية ولم تكتفِ بملاحقةِ الصواريخ فقط، فهل السوريون فعلياً لا يعلمون كيفَ سقطت الطائرة؟
واقع الأمر لا يوحي بذلِك على الأقل تِقنياً، وهذا الصمت السوري يبدو مطلَباً روسياً له مسوِّغاته التي يجب احترامها كونهم عملياً «أولياء الدم».
أما فيما يتعلق بالموقف الروسي فبواقعيةٍ تامةٍ فإن هذا العدوان كان سيمر مرورَ الكِرام لو لم ينته بمأساةِ الطائرةِ الروسية، بل إن الروسي تحدث فعلياً عن إبلاغهِ بالعدوان قبلَ دقيقةٍ فقط من حدوثهِ، أي إن الروسي عملياً وقعَ بحرجٍ لأنه اعترف بشكلٍ غير مباشر بأنه على علمٍ مسبقٍ بجميع الاعتداءات السابقة والتي وصلت حسب وزارة الحرب الصهيونية لأكثرَ من 200 عدوان، هنا تبدو المفارقة بسيطة بأن هذه الاعتداءات التي تُرك الجيش العربي السوري يواجهها وحيداً وبأسلحةٍ شبه منسقةٍ تم تعديلها محلياً، لم يكن هدفها فقط إضعاف الجيش العربي السوري، لكنها ببساطة أرادت تقوية الإرهابيين في سورية، وعندما نتحدث عن تقوية الإرهابيين في سورية فإن الروس عملياً هدَف، وبمعنى آخر:
نستغرِب استغراب الروسي أساساً لفرضيةِ استهداف الكيان الصهيوني لأمنِ طائراتهِ معطوفاً على ما يسمونها تفاهماتِ عدم الاشتباك، أي إن حال الروس مع الإسرائيليين في سورية كان أشبهَ بمن يربي أفعى ظناً منهُ أنها ستكون صديقاً، إلى أن تمادت ولدغته، بل إن الصحافة الإسرائيلية ذات نفسها باتت تتحدث عن الوقت الذي سيدرك فيهِ قادةَ الحرب الإسرائيليين أن التباهي بفرط القوة سينعكس سلباً إذا كان الهدف منه استفزاز الروس، فيما نرى أن هناك من الروس أنفسهم من لم يقتنع بأن هذه الغارات التي تستهدف نقاط القوة السورية هي استهداف لنقاط القوة الروسية لأن هدفها بالنهاية تقوية الإرهاب الذي تحاربهُ روسيا.
ختاماً، فإن رد الفعل الإسرائيلي على ما جرى لا يبدو بأي حالٍ من الأحوال خرجَ عن نطاقِ العنجهية التي اعتاد عليها حتى بالتعاطي مع حلفائهِ، فما بالنا بمن «يدعمونَ أعداءه»، أما محاولةَ التملص من المسؤولية فهي عملياً ليست مرتبطة بالحرص على العلاقات مع موسكو حتى بالحد الأدنى، لكنها ببساطة مرتبطةٌ بالحفاظِ على التفاهماتِ التي تتيح للإسرائيلي مهاجمة الأهداف السورية بمعزلٍ عن إمكانية إعلان موسكو تسليمَ الجيش العربي السوري منظومات إس 400، أو إعلان الروس ذات أنفسهم غلقَ المجال الجوي السوري قبالةَ السواحل السورية.
حتى الآن لا يبدو أن الإسرائيليين نجحوا في ذلك فالروس عملياً رفضوا نتائج التحقيقات الإسرائيلية التي يبدو أنها بُنيت على عجلٍ، واللافت أن البحث عن تحقيقات يعني ببساطة أن هناك حلقة مفقودة يعلمها الأطراف الثلاثة السوري والروسي والإسرائيلي، تلك الحلقة المفقودة يمكننا اختصارها بثلاث نقاط أساسية:
أولاً: لماذا قرر الإسرائيلي هذه المرة أن يستهدف بعدوانه المناطق الساحلية وهو يعلم تماماً أنه كمن يسير عبر حقل الألغام نظراً لكثافة الوجود العسكري الروسي، علماً أن الأهداف التي تم ضربها ليست أهدافاً إستراتيجية، حتى ذريعة البحث عن «صواريخِ الياخونت» المضادة للبوارج والمدمرات فهو يعلم قبلَ غيرهِ أن هكذا منظومات لا يمكن أن تكونَ ضمن معمل ألمنيوم، أو كازية وقود عسكرية؟
ثانياً: لماذا تزامن هذا الهجوم الإسرائيلي بالتحديد وفي مناطق عمل الروس مع تحليق مكثف لطائراتٍ من دون طيار كان من بينها من أُرسل لاستهداف قاعدةِ حميميم العسكرية؟
ثالثاً: وهو متعلق بطبيعة ركاب الطائرة الذين استشهدوا، فهم عملياً ليسوا من العساكر العاديين بل يتبعون عملياً لجهاز استخبارات، بل إن المعلومات تتحدث عن أن الطائرة ذات نفسها كانت تحمل معداتٍ استخباراتيةٍ عاليةِ الدقة دفعت الروس لإرسال غواصاتٍ يتم التحكم بها عن بعد لانتشالها خشيةَ وقوعها بيد الأعداء، فهل هذا الأمر محضَ صدفة؟
لا مصادفات في السياسة، فما بالنا إن اقترنت المصادفة والسياسة على أرضٍ تجري عليها أقذر حربٍ عرفها العالم، فماذا ينتظرنا؟
في الإطار العام قد نتفق على تعبيرِ أن ما قبل إسقاط الطائرة الروسية ليس كما بعده، لكن هذه المقاربة هي حُكماً ليست في إطار المبالغات التي يفترضها البعض في ردة الفعل الروسية، فالحديث عن تسليم السوريين بطاريات صواريخ إس 400 لا يبدو منطقياً، أما الحديث عن تولي الروس إسقاط الطائرات الإسرائيلية حال دخولها المجال الجوي السوري يبدو ضرباً من الخيال، فالمنطق يقودنا لفرضية أن الإسرائيلي سيواصِل عملياً تصرفاتهِ العدوانية طالما أن السماء اللبنانية متاحة، والمجال الجوي التركي الذي يقودنا للواء اسكندرون المحتل مفتوح، وهو هدّد بذلك بشكلٍ صريح عبر وزير حربه الإرهابي أفيغدور ليبرمان، لكن هذا لا يعني أبداً أن الإسرائيلي الآن لا يعاني القلق مما يجري، فهل سيتمكن الروس من استخدام نتائج التحقيقات للاستثمار في السياسة مع الكيان الصهيوني؟
ربما يتمكنون من ذلك لكن على الروس أن يستوعبوا الدرس، فمن يتعاطَ مع الإسرائيلي عبر الأسس والمبادئ والالتزامات سيلقَ ذات الخيبات التي تلقاها من تعاطى يوماً مع التركي من مبدأ «العلاقات الأخوية»، كلاهما لا مبدأ له، لكنهما الآن ببساطة سيحاولان الانحناء للعاصفة، ألم يقل أحد المعلقين الصهاينة قبل اليوم:
لن يقتنع الروس بالروايةِ الإسرائيلية إلا عندما تُزال العقبات الجوية في الهجوم القادم على سورية،
واضح أن الإسرائيليين اقتنعوا بأن روايتهم ليست مقنعة، فهل سيقتنع الآخرون؟