سوتشي حدود النجاح.. بقلم: سيلفا رزوق

سوتشي حدود النجاح.. بقلم: سيلفا رزوق

تحليل وآراء

الجمعة، ٢١ سبتمبر ٢٠١٨

لن يكون من الجديد الإشارة إلى الاستنتاج القائل إن ما جرى في «سوتشي» قبل أيام والتوقيع على الاتفاق الذي رحبت به كل الأطراف المعنية، وعلى رأسها الحكومة السورية، جنّب الشمال الوقوع في خسائر كبيرة على كافة الصعد، وحقق جزءا من الأهداف التي كانت ستنجزها العملية العسكرية التي حشد لها الجيش السوري.
الترحيب الذي خرج من دمشق وطهران وبطبيعة الحال من الأطراف المؤيدة لعملية أستانا، انسحب وبصورة لافتة على واشنطن والدول الحليفة لها، والتي كانت على أهبة الاستعداد لاستصدار ذريعة تمكنها من تنفيذ عدوان جديد على سورية ترضي فيه إسرائيل ومعها الأطراف المؤيدة لتل أبيب داخل الإدارة الأميركية نفسها، لكن هذا الترحيب جاء على الصيغة التي فهمت به هذه الدول الاتفاق، والذي يعني بحسب قراءتها له بأن الدولة السورية لن تكون قادرة على استعادة أراضيها، والحديث عن «منطقة منزوعة السلاح» يعني بالضرورة سلاح الدولة وليس سلاح الميليشات الإرهابية.
وحدها إسرائيل كانت على ثقة بأن ما دفعت به موسكو والإقرار التركي بتنفيذ بنود استأنا والمساهمة بالقضاء على الأدوات الإرهابية، لن يكون في مصلحتها ليأتي الجواب الإسرائيلي مباشراً، وبعيد ساعات قليلة من التوقيع في «سوتشي»، عبر تنفيذ عدوان جديد حمل هذه المرة تداعيات غير متوقعة له.
تساؤلات عديدة ومشروعة بدأت تلوح حول حدود نجاح الاتفاق الذي جرى في سوتشي، ومن حق الجميع طرح تساؤلات عن أسباب امتناع تركيا عن تطبيق بنود «أستانا» والتي تحتم على أنقرة المساهمة في القضاء على الإرهاب، أيضاً ماذا عن الجدية التركية في الذهاب بعيداً لمحاربة الإرهاب ووفقاً للمعايير الزمنية التي فرضها الاتفاق الجديد، وماذا أيضاً عن الخيارات المتاحة في حال عاد رجب طيب أردوغان عن الالتزام بالشروط الموضوعة له، وهل سيعني ذلك العودة للسيناريوهات العسكرية السابقة ومعها التهديدات الأميركية، والرجوع مرة أخرى للحديث عن «الكيميائي» وحماية المدنيين!
حتى اللحظة التسريبات الإعلامية تشير إلى أن قياديين من جبهة النصرة ومعها الحزب التركستاني الفصيلين اللذين حظيا بالدعم التركي المباشر لسنوات طويلة، رفضا الاتفاق وذهبا لحد وصفه بـ«الخيانة للدين»، فإذا ما قدمنا هذا المعطى المبدئي وأضفنا إليه الأنباء التي تحدثت عن قيام «الجولاني» بتحركات باتجاه الاندماج مع «داعش» وتنفيذ إعادة انتشار سريعة لإرهابييه على خطوط التماس المفترضة لما سمي بـ«المنطقة منزوعة السلاح»، فإننا سنكون أمام الاختبار التركي الأول، لمعرفة حقيقة وجدية التحركات التركية، فذهاب النصرة بعيداً في الخروج عن عصا الطاعة التركية سيعني بالضرورة اللجوء للسيناريوهات العسكرية التي حاولت أنقرة الدفع بها بعيداً قدر الإمكان خوفاً من الارتدادات المتوقعة.
التنبؤ بالخيارات التركية يبدو صعباً وإن كانت الترجيحات تميل إلى ذهابها هذه المرة صوب تنفيذ تعهداتها، نظراً لطبيعة التحولات الكبيرة التي فرضها الميدان السوري والضغوط الأميركية الاقتصادية القاسية، التي ستدفع تركيا أكثر بالذهاب صوب الخيارات المقابلة.
يبقى إذا العامل الإسرائيلي الذي يبدو حتى اللحظة خارج الحسابات الإقليمية والدولية الحاصلة، على طريق إنهاء الحرب في سورية، والرسائل الإسرائيلية المتكررة عبر اختراق السيادة السورية وتنفيذ سلسلة اعتداءات على مواقع عسكرية داخل البلاد، كانت شديدة الوضوح في قراءتها، على أن ما يجري على الأرض بدأ يخرج عن الإطار الذي سعت تل أبيب طويلاً لتطبيقه، والفوضى التي تريد استمرارها عبر الأدوات الإرهابية توشك على لفظ أنفاسها الأخيرة، وعليه فإن العامل الإسرائيلي ودوره المفترض في التخريب على التحول الأخير على طريق الحل في سورية سيظهر بصورته المباشرة دون مواربة، في سعي ربما سيكون الأخير للتخريب على مساعي الحل التي سحبت من أيدي إسرائيل ومعها أميركا ورقة مساومة جديدة في إدلب، ستمهد لاحقاً للالتفات حول النقطة الأخيرة والأخطر والتي بالضرورة ستشكل عامل التقاء إقليمي، عنوانه «الوجود الأميركي شرق الفرات».
التنبؤ بحدود نجاح «سوتشي» ربما يكون مبكراً، لكن القارئ للتطورات الميدانية التي سمحت للدولة السورية ببسط سيطرتها على معظم أراضيها يدرك جيداً، أن كل الخيارات وأياً تكن الطريقة ستذهب صوب استعادة إدلب.
الوطن