الـ «سين – سين» في موسكو: هل بدأت ترتيبات ما بعد تحرير إدلب؟

الـ «سين – سين» في موسكو: هل بدأت ترتيبات ما بعد تحرير إدلب؟

تحليل وآراء

الأحد، ٢ سبتمبر ٢٠١٨

تقولُ أحوالُ الطقس: إن الأسبوع الحالي سيشهد ارتفاعاً غير مسبوقٍ لدرجات الحرارة في سورية والمنطقة، لكن فيما يبدو فإن هذا الارتفاع في درجات الحرارة هو بالنهاية انعكاسٌ لارتفاع درجات التسخين العسكرية والدبلوماسية ونحن على أعتاب تحولاتٍ سياسيةٍ وعسكرية ستصل شظاياها لما هو أبعد من الإقليم المحيط بمركز الكون سورية.
تسخينٌ لم يكن مردّهُ فقط لاقتراب المعركة الأهم للجيش العربي السوري والحلفاء ضدّ أقذر خزانٍ بشري متطرف عرفه التاريخ، والذي يتخذ من المدنيين والأبرياء في مدينة إدلب وريفها دروعاً بشرية ولا للتهديدات الأميركية المتتالية لمحاولة عرقلتها، لكنهُ عملياً تسليمٌ بأن ما بعد المعركة ليس كما قبلها، أما نظرياً فتحرير إدلب من الإرهاب بات خلفنا، والحراك الدبلوماسي اليوم مرتبط بترتيبات اليوم الذي سيلي رفع العلم السوري فوق القصر البلدي في إدلب، فما مؤشرات ذلك؟
أولاً: زيارة وزير الخارجية وليد المعلم المترافقة مع زيارة وزير خارجية آل سعود عادل الجبير إلى موسكو.
في نهاية حزيران الماضي وفي مقالٍ بعنوان «دمشق بين الغزل الفرنسي والثبات الروسي: لا تراهنوا على الصفقات»، قلنا في خاتمة المقال إن مطار دمشق سيتحول إلى عقدة مواصلاتٍ دولية، كيف لا وصاحب البيت كما وصفه يومها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «يُدافع عن سيادة بلاده وأراضيها، وعن المنطقة برمّتها في وجه الإرهاب».
اليوم بدأ يتكشفُ جبل الجليد عن هذه الحقائق المتعلقة بزياراتٍ هنا وهناك بعضها معلن وبعضها لم يتم الإعلان عنه لمسؤولين غربيين إلى دمشق، أو عن عروضٍ وصلت القيادة السورية بذات السياق، بل إن الانفتاح الدولي على سورية سرّاً وعلناً بات في مرحلة صعودٍ أجاد في وصفه السفير بشار الجعفري عندما تحدث قبل أمس عن انحسار عدد الدول المعادية لسورية من 147 دولة إلى أقل من 27، لكن هل يمكن صرف هذا الكلام فعلياً في بنك عودة التواصل السوري السعودي على المستوى الرسمي؟
من الطبيعي أن يزور وزير الخارجية وليد المعلم موسكو، كذلك الأمر من الطبيعي أن يزور وزير خارجية آل سعود عادل الجبير موسكو لكن توقيت الزيارتين شبه المتزامن فتح الباب لتساؤل مهم:
هل إن موسكو جادة فعلياً بمسعاها لحدوث تقاربٍ سوري سعودي ينهي الكثير من الأزمات؟
قد لا نبتعد عن الحقيقة إن قلنا نعم، تحديداً أن الروس اكتسبوا ثقة خصومهم بثبات موقفهم، هذا الأمر ربما سيفتح الأبواب لموسكو لتكون هي الحامل للواء هذا التقارب وتقديم الضمانات الكافية فيما يتعلق بالملف الإيراني، وآلياتٍ عملية لإنهاء الحرب على اليمن، تحديداً أن آل سعود باتوا يدركون أن أحلامهم في سورية منتهية حتى ما قبل بدء معركة إدلب لأنهم لا يملكون النفوذ القوي عند الفصائل الإرهابية التي تقاتل هناك، أما حصرية تمثيل وتشكيل المعارضات السورية فخسره آل سعود لمصلحة عدوهم اللدود النظام التركي. لكن هناك ما هو أهم سيدفع بالسعودي نحو هذا الاتجاه وهو وضعه الداخلي، فولي العهد محمد بن سلمان الذي يسعى لتوطيدِ حكمهِ يخرج من متاهةٍ ليضعَ نفسه في متاهةٍ أبشع، تحديداً أن قيامهُ مسبقاً بوضعِ طموحاته الهتلرية كاملة بعهدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر في ظل ما يعانيه ترامب أساساً من عزلةٍ على المستويين الداخلي والخارجي، لدرجةٍ لم تسلم منه حتى منظمة الأونروا، وبالتالي يبدو أن عقلية آل سعود الآن تنحو باتجاه لملمة الخسائر قدر الإمكان حتى ولو كان الأمر عبر بوابةٍ اسمها دمشق وبرعايةٍ روسية، فهل سينجحون بذلك، وما حدود التنازلات التي سيقدمونها؟
ثانياً: توافق تركي أممي على سحب الحماية من «جبهة النصرة» وتفرعاتها.
لم يكن كلام المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا عن وجود 10 آلاف إرهابي في إدلب إلا انعطافة إلزامية لم يعتد عليها، فهي من المرات القليلة التي ينطق بها دي مستورا بالحق، لكن كالعادة فإن كلامه يومى إليه وليس من بنات أفكاره وإلا فإن الجميع في هذا العالم بات يعلم ماهية الخزان الإرهابي في إدلب وهو ذات نفسه الذي كان في حلب فلماذا لم يقرّرْ إلا اليوم أن من حق الدولة السورية استعادة أراضيها؟! هل إن هذا الحق مرتبط باسم المدينة، أم مرتبط بتسليمه بأن قرار سحق الإرهابيين في إدلب اتخذ، فسعى للحفاظ على خط الرجعة لضمان منصبه على رأس المؤتمرات القادمة المتعلقة بما يسمى «الحل السياسي»!
هذه الانعطافة الديميستورية كانت متزامنةً مع انعطافةٍ مماثلة أطلقها النظام التركي عندما أعتبر بمرسوم رئاسي مُعدّل أن تنظيم «النصرة» والذي يتلقى التمويل من حليفه القطري منظمة إرهابية.
إن لهذا التبرؤ التركي علاقة مباشرة بما يمكننا تسميتهُ عدم قدرته على الإيفاء بالتزاماته المتعلقة بفصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفة، لكنه مرتبطٌ أيضاً بتسليمٍ تركي بأن المعركة في إدلب قادمة، فأرادوا استباق أي فرضيةٍ لوصول اللاجئين إلى الأراضي التركية من بينهم قيادات معروفة في «جبهة النصرة» وتفرعاتها وبعضهم يمتلك نشاطاً تجارياً في الأراضي السورية المحتلة جنوب تركيا سيتم حكماً الاستيلاء عليها، هذا التوافق التركي الأممي على سحب الحماية عن إرهابيي إدلب هو بالنهاية مؤشر إلى أن كلا الطرفين بات ينظر إلى من يمكن تبنيهم كوجوه سياسية قادرة أن تلعب دوراً ما في الحل السياسي لا أكثر.
ثالثاً: المناورات الروسية في المتوسط.
ربما أن التوقيت الذي سيتم فيه إجراء هذه المناورات أخطر عملياً من المناورات بحد ذاتها، لكنه في الوقت ذاته يطرح تساؤلاً مهماً: هل هذه المناورات هي التخريجة التي اتفق عليها كل من الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب في قمتهما الأخيرة في هلسنكي لتمرير عملية تحرير إدلب؟ الأمر وارد تحديداً أن بيانات الإدارة الأميركية تبدو كتكرار ممل للتحذيرات من عملياتٍ عسكريةٍ سابقة، فوزارة الدفاع الأميركية أملت أن تتصرف السفن الروسية بأمان ومهنية خلال مناوراتها العسكرية في المتوسط، أما وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو فاكتفى باتهام نظيره الروسي بالدفاع عن الهجوم المحتمل الذي سيشنه الجيش العربي السوري على إدلب، لكن من قال إن هذا اتهاماً إذا كان لافروف ذات نفسه تحدث عن حق السوريين باستعادة أراضيهم وتطهيرها من الإرهاب وطالب الغرب أن يبتعدوا عن الاستفزازات وعرقلة محاربة الإرهاب، فماذا ينتظرنا؟
في السابع من الشهر الحالي ستعقد في تبريز الإيرانية القمة الثلاثية التي ستجمع الرئيس الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان وعنوانها العريض: سورية، إن انعقاد هذه القمة يبدو رداً عملياً على إلغاء كل من فرنسا وألمانيا اجتماعاً كان سيضم إضافة إلى الرؤساء السابقين كلاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتبدو فرصةً لوضع اللمسات الأخيرة على ما سماه الوزير وليد المعلم «الفصل الأخير» للحرب على سورية، فالتركي سيحضر بمطلبين أساسيين الأول ضمان مشاركة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية، والثاني مرتبط بالدور التركي بإعادة الأعمار.
بالتأكيد إن الروسي والإيراني يعرفان تماماً ما توافق وما لا توافق عليه القيادة السورية، فموضوع الإخوان منته شعبياً قبل أن ينتهي حكومياً، أما موضوع إعادة الأعمار فسيكون قيد التفاوض، فالتركي اليوم لم يعد يمتلك ذات الأوراق والقدرة على المناورة تحديداً أن عودة السعودي إلى الساحة السورية ستجعله يحرق المزيد من الأوراق من بينها العداء القديم بين آل سعود وكل ما يمت لـ«الإخوان المسلمين» من جهة، أما إعادة الأعمار فإن الوفرة المالية التي ما زال يتمتع بها الاقتصاد السعودي سيجعل الشركات التركية ومن خلفها القطرية في مأزقٍ أصعب، أي من كانوا بالأمس يتهاوشون على صيدٍ اسمه سورية، سيتهاوشون على من يسبق للحصول على الرضى السوري، لكن أين الأميركي من كل ذلك؟
حتى اللحظة لا يبدو أن الأميركي سيخرج من المولد بلا حمص؛ لكنه بالنهاية سيقع بين فكي كماشة: الوضع الداخلي الأميركي الذي يتطلب من الإدارة الحالية الانكفاء في الملف السوري والثورة الشعبية التي ستندلع عاجلاً أم آجلاً في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» التي هي الأداة التي تضمن الوجود الأميركي في مناطق شرقي سورية، ليبقى بالنهاية العامل الإسرائيلي، فهل سيقبل بهذه السهولة بالتسليم بحلم «من الفرات إلى النيل»؟
بالتأكيد لا، فوزير الحرب الصهيوني قال قبل أيام: إن (كيانه المسخ) إسرائيل ليست معنية بأي تسوية سياسية قادمة في سورية، هو يعي تماماً أن هناك تسوية ويعي أنه لم يعد بإمكانه إيقافها، لكن مشكلتهُ أنه لا يستطيع كما الآخرون طلب ودّ دمشق فهل سيتمكن من التشويش على ما يجري؟ حكماً سيقوم بذلك بل قد يجر البنتاغون معهُ لتوجيه ضرباتٍ تستهدف مطارات الدعم والإسناد المشاركة في معركة تحرير إدلب، وبمعنى آخر: السوريون وحلفاؤهم باتوا الآن يجهزون المنطقة لما هو أبعد من تحرير إدلب، على حين لا يزال الإسرائيلي ومن تبقى معهُ غارقين بتحليل صورٍ فضائية لطريقٍ جديد يتم شقهُ على محور القدموس وادي جهنم، ليقولوا إنهُ معمل لتصنيع الصواريخ، دعهم يتسلون بما لديهم من معلومات ودعونا نجهز وديان جهنم التي تبتلع طموحاتهم.