هل يُعزل ترامب؟ سؤال في أزمات الإقليم

هل يُعزل ترامب؟ سؤال في أزمات الإقليم

تحليل وآراء

الخميس، ٣٠ أغسطس ٢٠١٨

احتمالات عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير مستبعدة لكنها ليست مؤكدة. إلى حد كبير تتوقف احتمالات العزل، أو الإفلات منه، على ما قد تسفر عنه انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل من نتائج.
على رغم التراجع الفادح في شعبية الرئيس الأميركي إلا أنه لا يزال يحظى بحماية حزبه الجمهوري صاحب الغالبية النسبية في مجلسي الكونغرس «النواب» و«الشيوخ» من أية إجراءات تتخذ ضده على خلفية التحقيقات الجارية في التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية التي صعدت به إلى البيت الأبيض.
إذا ما تغيّرت الموازين السياسية لمصلحة الحزب الديموقراطي في الانتخابات التشريعية المقبلة سوف يكون مرجحاً البدء بإجراءات العزل وانقضاء ولاية ترامب قبل أن تستكمل مدتها الأولى. بتلخيص ما تمثّل انتخابات الخريف استفتاء غير مباشر على ترامب، ومستقبله يتوقف على ما تسفر عنها. بقوة ما توافر لدى المحقق الخاص روبرت مولر من معلومات وأدلة واعترافات تدين الرئيس الأميركي من أقرب معاونيه فإن موقفه يزداد سوءاً يوماً بعد آخر. ترامب يدرك ذلك ويعمل على مواجهة أزمته المتفاقمة بتحصينات سياسية، أهمها أن يكسب حزبه الانتخابات التشريعية التي توشك أن تبدأ.
هذا خط دفاع أول بالتحسّب الانتخابي. وما بعده التخويف من مغبة عزله فإما هو أو الفوضى، هو أو سقوط المجتمع الأميركي في وهدة الفقر عندما يخسر رئيساً رائعاً مثله ـ كأنها استعارات من قاموس حكام العالم الثالث.
في التخويف خطاب شعبوي يحاول أن يتجاوز الكونغرس والميديا والمجتمع الأكاديمي واعتراضات الديموقراطيين وخصومه داخل الحزب الجمهوري وكل ما له علاقة بالمؤسسة الأميركية إلى الشارع مباشرة حيث جمهوره المتعصب ضد الأقليات السوداء واللاتينية والمسلمة، كأنه تلويح باحتراب أهلي. هذا خط دفاع ثان بالحشد الشعبوي لصناديق الاقتراع. إلى أي حد ينجح مثل هذا الحشد في تقليل الأضرار المحتملة بصناديق الاقتراع، أو اجتراح معجزة ما تنقذه من العزل؟ هذا هو السؤال الذي ينتظر إجابته في الخريف. ما يحدث في أميركا شأن يخص العالم كله. على رغم ما ألمّ بها من تراجعات واهتزازات وما جرى في النظام الدولي من تحوّلات وتغيّرات فإنها ما زالت حتى الآن القوة العسكرية والاقتصادية الأولى، وما تتبعه من سياسات ومواقف تؤثر في عمق الأزمات الدولية وتفاقمها في كثير من الأحوال.
من هنا للخريف ـ حين تتضح الصورة الجديدة للمؤسسة التشريعية الأميركية ـ فإن ظلال أزمة ترامب سوف تخيّم بصورة شبه كاملة على أزمات الإقليم المشتعلة بالنيران. بمعنى آخر فإنه سوف يحاول توظيف تلك الأزمات لمقتضى مصالحه الانتخابية، أو أن يقول لجمهوره إنه ملتزم بكل ما تعهد به أثناء حملته الرئاسية. كان احتجاز القس الأميركي أندرو برونسون داعياً إلى تصعيد غير مسبوق مع الحليف التركي التقليدي للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في مواجهة الدور السوفياتي.
لا يمكن تلخيص الأزمة في تعارض المصالح والسياسات بالشأن الكردي في سوريا، أو التذمر الإسرائيلي من بعض المواقف التركية بشأن القضية الفلسطينية. ولا يمكن تصويرها على أنها محض دفاع عن مواطن أميركي محتجز، وهذه لها أهميتها التقليدية داخل الرأي العام هناك. وسط التعارضات والتذمرات حسابات إضافية لا يمكن تجاهلها أفضت إلى فرض عقوبات اقتصادية على دولة عضو في حلف «الناتو»، فالقس المحتجز ينتمي إلى الطائفة الإنجيلية، التي تمثل إحدى الركائز الانتخابية لترامب، وينتمي إليها نائبه المتشدد مايك بنس. لأسباب أخرى من المتوقع التصعيد مع إيران والمضي في تقويض القضية الفلسطينية. بحكم التوجه العام لقاعدته الانتخابية فهي تؤيد إسرائيل على طول الخط.
لا توجد ثوابت في إدارة ترامب لسياسة بلاده الخارجية باستثناء ما تطلبه إسرائيل. حروبه التجارية لا تفرق بين حليف وخصم، وتحرشاته بالاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» لم تبق له صديقاً يثق في وعوده.
في حملته الانتخابية تعهد بالتنصل من الاتفاق النووي الموقع مع إيران، وقد التزم تعهده على رغم مخالفته لأصول الاتفاقيات الدولية. وفي إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران محاولة لتفجيرها من الداخل حتى تستجيب لما تطلبه إسرائيل من تقليص لأدوارها الإقليمية والتوقف عن مشروعها الصاروخي الباليستي. على رغم المصاعب الاقتصادية المترتبة عن العقوبات فإن قدرة إيران على التحمل أكبر مما تطيقه تركيا حيث يتمتع اقتصادها باستقلال لا يمكن إنكاره.
الاختبار الحقيقي في الأيام المقبلة ما قد يحدث في سوريا من صدامات إرادات وسلاح حول إدلب. ثمة إشارات روسية عن عمل إرهابي متوقع بالأسلحة الكيميائية في إدلب ينسب للنظام السوري حتى يصبح ممكناً استدعاء ضربات عسكرية أميركية مع حلفاء غربيين لمواقعه العسكرية. بصورة أو أخرى سوف تعمل الضغوطات على تحصين مواقع المعارضة المسلحة في إدلب، وأقواها جبهة «النصرة» المصنفة دولياً كجماعة إرهابية، حتى يمكن التوصل إلى تسوية ما تسمح للولايات المتحدة أن تكون طرفاً رئيسياً في توازنات القوى المقبلة على الخريطة السورية. 
تحت وطأة أزمة ترامب سوف يمضي هذا السيناريو، الذي يتبناه جنرالات «البنتاغون» والاستخبارات على رغم دعوته المعلنة لسحب قواته من سوريا. الجبهة الرئيسية التي سوف تشهد أعلى درجات المواجهة في الأسابيع القليلة المقبلة هي الأراضي الفلسطينية المحتلة. في سجّله فإنه الرئيس الأميركي الذي نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة وأعلن من دون سند من قانون دولي إنها عاصمة موحدة لإسرائيل. وفي سجّله أنه رفض حل الدولتين وفق أية مرجعيات دولية، وناهض فكرة الدولة الواحدة حتى لا يكون رئيس وزرائها في المستقبل اسمه «محمد» ـ بنص ما قال.
من هنا للخريف سوف تتصاعد إجراءاته الميدانية والسياسية لإثبات التزامه بالرواية الصهيونية في أشد صياغاتها تشدداً وعنصرية كالمضي في خنق وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» ومحاولة عزل غزة عن الضفة الغربية وإلغاء حقوق اللاجئين إلى الأبد والضغط على الدول العربية الحليفة لتمرير صيغة جديدة محتملة من «صفقة القرن». ومن هنا للخريف فإنه سوف يحاول بكافة الطرق القفز فوق أية حقوق فلسطينية إلى تطبيع اقتصادي وعسكري واستراتيجي مع إسرائيل بلا أدنى مقابل.
لا ينتظر من رجل بمواصفات ترامب أية عناية بقضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان وطلب الإنصاف للضحايا، لا في فلسطين ولا غيرها. من المرجح أن تكتفي إدارته بإدانة قتل المدنيين بخاصة الأطفال في اليمن بغارات جوية من دون أية إجراءات تطلب التحقيق الشفاف على ما تطالب الأمم المتحدة، أو سعي لإنهاء المأساة عبر العودة إلى العملية السياسية وموائد التفاوض. غض الطرف مسألة انتخابية يقابلها ابتزاز مالي متوقع حتى يمكنه أن يقول لقاعدته الانتخابية أنه أنعش الاقتصاد بأكثر مما فعل سلفه الديموقراطي باراك أوباما وأن لكل حماية ثمنها، وهذا ينصرف إلى أوروبا نفسها التي طالبها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن تضمن أمنها بنفسها بعيداً من الولايات المتحدة.
أسوأ ما قد يحدث أن يستثمر ترامب في أوضاع الإقليم وأزماته ليرضي قاعدته الانتخابية قبل مواعيد الخريف على حساب كل قيمة سياسية وأخلاقية مشروعة وفق القوانين الدولية.
* كاتب وصحافي مصري