ترامب الهائج يدخل النمور الغاضبة في حديقة بوتين!

ترامب الهائج يدخل النمور الغاضبة في حديقة بوتين!

تحليل وآراء

الخميس، ١٦ أغسطس ٢٠١٨

سلام مسافر
ترامب يخاطر بإنشاء حلف بين تركيا وإيران والصين وروسيا.
 
هكذا يعتقد باحثون غربيون في معرض تحليل حملة العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي، ويعتزم المزيد منها، على روسيا وإيران وتركيا، وشن حرب تجارية على الصين.
 
ويذهب خبراء أمريكان بشؤون الشرق الأوسط إلى الاعتقاد بأن ترامب يخلق من إيران عدوا، فيما لا تشكل طهران خطرا على المصالح الأمريكية.
 
واقع الحال، فإن الأدبيات السياسية الروسية، طلقت منذ انفراط عقد الاتحاد السوفيتي، الأحلاف، ويكتفي الكرملين في العقدين الأخيرين؛ بوصف علاقات روسيا القوية مع بعض الدول بأنها "شراكة" وفي أحيان نادرة يعتبرها "استراتيجية".
 
ولعل الحذر الروسي من سياسات الأحلاف مرده إلى أن الكرملين، وخلال سنوات ما بعد الحقبة السوفيتية، سعى لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، والغرب عموما. ولطالما راود صناع القرار الدخول في شراكة حقيقية مع أوروبا العجوز ومع واشنطن.
 
وحتى بعد التحول، الذي بدا حادا؛ في سياسة روسيا الخارجية، على يد فلاديمير بوتين، حرص الكرملين، على وصف الخصوم بالشركاء، وواصلت دبلوماسية سيرغي لافروف الحفر في جدار الصد الغربي، سعيا وراء تحقيق الأمنية الروسية القوية في التعاون. بيد أن الجفاء الأوروبي، الذي اتسم بنظرة متعالية؛ والدعاية المضادة، لروسيا، وفتح ملفات حقوق الإنسان، وضم القرم، والتدخل العسكري في سوريا، باعد بين موسكو وعواصم القرار الأوروبي؛ التي لا تستغني عن الغاز الروسي، ولا تريد أن تفقد السوق الروسية المستهلكة لمنتجات الغرب بعد أن أجهزت بيريسترويكا غورباتشوف، وسياسات فريق بوريس يلتسين، على الصناعات الروسية، وحولت الدولة العظمى إلى سوق للبضائع من كل حدب وصوب.
 
إن تفاقم العداء الأمريكي لروسيا؛ وتعامل الغرب الحذر مع سياسات بوتين الخارجية؛ دفع الكرملين، إلى البحث عن شركاء لا تعنيهم ملفات حقوق الإنسان أو علاقة روسيا مع جاراتها السوفييتيات السابقات، ولا يقلقهم التدخل العسكري الروسي في سورية. 
 
شركاء تجاريون واقتصاديون، لا شروط سياسية لديهم في التعامل مع روسيا. يتطلعون لإبرام عقود سلاح بشروط مناسبة، واقتناء تقنيات عسكرية روسية حديثة، تضاهي؛ وأحيانا، تتفوق على الأسلحة الأمريكية والغربية المكبلة بالاشتراطات.
 
وحتى حلفاء واشنطن الأكثر انصياعا للإرادة الأميركية، أخذوا يبتزون من طرف خفي البيت الأبيض، ويلوحون بشعار تعدد مصادر التسلّح، ويعقدون صفقات مع موسكو ولو من بعيد.
 
بل أن تركيا أردوغان؛ أبرمت صفقة لشراء منظومة (S-400) الصاروخية، رغم التحذيرات الأمريكية التي تحولت إلى وعيد، تجلى مؤخرا بفرض عقوبات على أنقرة بذريعة القس الأمريكي المحتجز لدى السلطات التركية.
 
صحيح أن قوة الولايات المتحدة الاقتصادية التي تمنحها هيمنة عالمية، تربك الخصوم، وتثير مخاوف الأصدقاء من مغبة الخروج من بيت الطاعة، إلا أن أصرارا تركيا ورفضا إيرانيا، واستهانة روسية بالعقوبات، تدفع بالمراقبين إلى الاعتقاد بإمكانية نشوء تحالف الضرورة بين دول، ليست على انسجام تام في المواقف، من الممكن أن تنضم إليه الدول الناقمة على سياسات البيت الأبيض السوداء في مختلف بقاع العالم.
 
أليس ملفتا أن قطر التي تسعى لكسب الود الأمريكي بإزاء شقيقاتها الخليجيات المقاطعات لها منذ أزيد من عام؛ تهرع لنجدة الليرة التركية التي يعمل ترامب على انهيارها؟!
ومعروف أيضا أن قطر، تبحث مع الروس إمكانية شراء منظومة (S-400)؟
وقبل ذلك، نهجت الدوحة، مسارا مغايرا للسياسة الأمريكية المعادية لإيران. وأخذت بسياسة الانفتاح على حلفاء طهران في المنطقة، دون إذن من واشنطن.
 
وفِي سياق، الإجراءات المضادة للنهج الأمريكي، توصل المختلفون على تقاسم بحر قزوين، روسيا وإيران وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان إلى اتفاق تاريخي على الوضع القانوني للبحر، يتوج مباحثات وصفها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بانها كانت شاقة استمرت 20 عاما
 
وحقًّا؛ شاقة! 
فقد تهيأ لكاتب هذه السطور مرافقة الوزير لافروف أكثر من مرة مع الفريق الصحفي في زياراته لإيران لبحث ملف بحر قزوين.
 
وفِي كل زيارة ، كنّا نسمع من الوزير، عبارة "مباحثات صعبة"، في طريق العودة من طهران إلى موسكو على متن الطائرة الخاصة.
 
ومرة، لاحظنا كيف كان لافروف، يخرج كل ربع ساعة تقريبا من قاعة الاجتماع المغلقة مع نظيره الإيراني، للتدخين في الباحة والضيق باد عليه.
 
ثم انقطع عن الخروج بعد بضع مرات. ولم نفوت الفرصة لنسأل. ماذا جرى؟ 
وكعادته، أجاب لافروف بأريحية، ضاحكا : قلت لهم إما أن ننقل المباحثات إلى الهواء الطلق أو أن أدخن في القاعة! 
وواضح أن المفاوض الإيراني صعب المراس، فضل حبس دخان الجدل الصعب في القاعة المغلقة على أن يظهر إلى العلن.
 
كانت إيران تطالب بتقاسم البحر على أساس المناصفة ،لأنها كانت والاتحاد السوفيتي السابق فقط، تتشاطئان قزوين، وفق اتفاقيات قديمة وقبل ظهور ثلاث دول جديدة، متشاطئة، هي كازاخستان وأذربيجان وتركمانستان، كانت في عداد الامبراطورية السوفيتية.
 
واستهلك لافروف، حين كان يدخن بشراهة، مئات السجائر في مفاوضات مع تجار الفستق الإيرانيين الذين يعرفون التقشير وحياكة السجاد والبيع والشراء. وبعد عقدين، توصلت روسيا وشريكاتها السوفييتيات السابقات إلى اتفاق يؤسس لقسمة تلبي مصالح المتشاطئين على قزوين دون بخس لحق أحد.
 
ولعل، توافق المصالح الروسية الإيرانية، والسعي لمنع التدخل والنفوذ الأمريكي في البحر المغلق الغني بالموارد، ساهم إلى حد بعيد في انضاج الاتفاق.
 
لقد ظهرت أنياب التفاهم الروسي الإيراني ثانية، مرة في سورية، ولاحقا في قزوين. وقد تظهر مع تركيا والصين في أماكن أخرى.
 
صحيح أن موسكو لا تعول كثيرا على بكين المعروف أنها تجيد اللعب على الحبال، لكن البراغماتية الصينية، ستلاقي، الحاجة الروسية التركية الإيرانية المشتركة لتأسيس مصد يواجه الثور الأمريكي الهائج.
 
إنها شراكات الضرورة التي قد تتحول إلى تحالف دائم، وفق القاعدة البراغماتية الغربية الشهيرة.
 
لا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بل مصالح دائمة.
 
النمور الاقتصادية تقفز نحو الحديقة الروسية بحكم الضرورة وليس إدمانا على عشبها!