الوطن و الانتماء.. بقلم: محسن حسن

الوطن و الانتماء.. بقلم: محسن حسن

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٥ أغسطس ٢٠١٨

● الوطنُ دائرةٌ كبيرةٌ ، مركزُها – بالنسبة لأي إنسانٍ – المكان الذي ولِدَ فيه ، ونظر عليه ، مارآه لأوّلِ مَرَّةٍ ، وتابَعَ عليه رؤية كُلَّ شيءٍ ، وبقي مشدوداً إليه ، بجذورٍ لا تراها العيُن ، و لا تلمُسها اليدُ ، ولكن يشعُرُ  بها أكثر من الحقيقةِ و الرؤية الحقيقيّةِ بكثير ، في كُلِّ مراحِل العُمُرْ ،  على مدى الحياة ..... يأخذُ منه الكرامَةَ و السّيادة و الهويّة .... 
● عليه تتحقَّقُ الأمنياتُ ، وتولَدُ العبقريّاتُ وتتراكم الثقافاتُ وتزهو الحضارات... في غاباتِه تُغرّدُ طيورُ الحُريّةِ ، وفي ميادينه تُعزفُ موسيقى الخلود ، فيزدادُ وجهْهُهُ جمالاً ، وجبينُه إشراقاً ، وعبيُره انتشاراً ، وعِطرُه تضوّعاً ..... منه يبدأ كلُّ شيءٍ ،وفيه وعليه ، ينتهي كُلَّ شيء ....
● في الوطن عنوانُك الوحيدُ ، الذي تُعرفُ فيه ، ويُرسلُ إليه كلُّ ما يُوهَبُ ، ويُهدي إليك ، لأنه عنوانُك الثابتُ الخالِدُ الوحيدُ ، الباقي ..... ولا يصِلُك َ شيءٌ إلاّ عن طريقه ، ومن خِلالِه .....
● أنت وما وُجِدَ بكَ ، ووضعَ فيك ، وكسبته من خُبراتٍ ، عليه ، وكلُّ ما خزّنه ، وأودعه اللهُ لك فيه ، اكتَشِفُته – بخبَرتِكَ – وجِدّكَ وجَهدِكِ ، وإلهامِك ، وتعثر عليه ، فيه ...... لا تدري ، متى ، وكيف ، وأين .... متى تصلك السعادةُ ، و متى يُداهمُكَ الشقاءُ .....؟! و بين الشقاء و السّعادة فاصلٌ رقيقٌ ، ووقتٌ قد يكون قصيراً .... وقد تنتقل من حالٍ إلى حالٍ ، بأقلَّ من لمحِ الْبَصَرْ  
● في الطّفولةِ ، كان الوطن راعيّاً ، وفي الشبابِ كان حافظاً ، وحبيباً ، وموجّهاً ، وفي الشيخوخة كان مَلجأً ، ومَلاذاً ، ومآلاً وانتهاءً ......
● هو الحنون الأول ، و الحبيبُ الأول ، و الأخيرْ.....هو الوجودُ ، و الخلودُ ، والبقاءْ ... هو جسدُك الثاني الكبير ....  والانسانُ لا يُمكنُهُ الخروجُ من جَسدِه ،قطُّ ،  لأن خروجه منه ، يعني عَدَمَ الوجودِ ، وأكثرَ من الموتْ...
● كُلُّ مواطنٍ ، في هذا الوطن يُحبُّ شيئاً ، قد لا يُحبُّه الآخَرُ ، وله هدفٌ ، قد لا يكونُ هَدفَ الآخر .... ولكن المواطنين جميعاً ، المُحبّين ، و الأحبابَ ، والأهداف َ ، والأمنيات .... كُلُّهم في هذا الوطن و عليه ....فإذا اجتمع الأحبابُ ، وما يحبّون ، من أهدافٍ وأمنياتٍ ، وتوحّدوا و وحدّوا ، وحّدهُمُ الوطنُ ، ووحّدوه ... تجدُ الوطنَ ، بشكلٍ طبيعيٍ ، وقد تجمعت أجزاؤه ، وتوحّدتْ أو صاله ، واتّحَدَ أبناؤه .... وأصبح واحداً عزيزاً ، سيداً ، رائعاً ، شامخاً .... يُبادُلهُمُ الحُبَّ ، يحنو عليهم وهم ساجدون في محراب طُهْرِهِ ، يلعبون في حدائقِ سِحْرِهْ ، سعيدين في إشراقات صباحاته ، وابتسامات ربيعه ، فمصالحُهُمُ جميعاً ، في الحفاظِ عليه ، و الاتّفاق فيه ، في عَدَم الاختلاف ، وعَدَمِ التّدمير ، لأن الوطنَ إذا دُمِّرَ ، دُمَّر الجميعُ ، ودُمّر كل شيءٍ ... وإذا ما اتفقوا وتوحّدواعَبَروا ، ونجوا ، وبقوا ، وعاشوا....
● الوطنُ هو الدمُ الذي يجري في شرايين كُلِّ البْشَرِ ، دونَ مَعرِفةِ أصحابها ، و التّمييز بينهم ، لأي سببٍ كان ، لأنّهم جميعاً مواطنين ، وحّدَهمُ الوطنُ ، جَمَعَهُمُ حُبُّهُ و الانتماءُ إليه ....
● الوطن هو سفينةُ النّجاةِ ، التي تَعبُر بِكَ ، من قلب المُحيطِ إلى شاطئ ، السّلامَةِ و الحياةْ ..... أيها الوطنُ العظيمُ ، يا واهِبَ المَلامِح ، و الشرايينِ ، و المواهِبِ ، و الكبرياء....  كلُّ شيء يولد منكَ ،و فيكَ ، و عليكْ ...المحبَّةُ ، و الحُرْيَّةُ ، والدّيمقراطيّةُ .... من أرضِكَ ، وأبنائِكَ .... كان شعبُك دائماً مصدرَ البطولاتْ..... على شاطئِ ، بحرك ، وقِمَمِ جبالك ، ونجوم صحاريكْ ، لم تخبُ لكَ جذوةٌ ، و لم تهن لك عزيمةْ .... بقي بحرُك عَصّياً وجبلُكَ أبيّاً .... استشهدَ الأجدادُ على حِياضكَ ، وأمامَ عينيك ...... أمام أسواركَ ، كُرمى لعينيك ، وعزّتِكَ ، ورفعْتِكْ ، قَبَّلوا تُرابَكَ ، وسَلّموا الأرواح فداءً لقُدسيتكِ ، وشموخِ جبينِكْ .....
● أيها الوطنُ الغالي ، في خِضّمِ المِحَنِ يزداد الانتماء إليكْ ، و يتجذّر الحُبُّ فيك ، و تتدفق البطولة مِنك نهراً ، يَغسلُ وجهَكَ ، وجبينَك الشامخَ الكريمَ و يسقي أزهارَ حُريتِكَ على امتدادِ ربوعِكَ ومساحتِكْ .....   
● أيها الوطنُ ، القديمُ ، الجديدُ ، الخالِدُ الباقي .... يا رائحةَالعروبةِ ،و عملقةً البطولةِ ، يا أنْدَرَ ما بقي ، وأغلى ما سَيْبقَىَ ...
● أنت قاعدةُ الصمودِ ، وقمّةُ الشموخ ،  والانطلاقْ ، أنت نقطة البدايةِ ، وحقيقةُ النهاية .... نحن بك ، ومنِكَ وإليكْ ...
● أنتَ آخرُ القِلاع العربيّةِ ، الباقيّةِ ، الشامِخَةْ ، وستبقى قويّاً سَيّداً ، عزيزاً .....
● سيّدي الوطن ، إنَّ الذين لم يعشقوا جمالَكَ و لم يتذّوقوا – صحيحاً – طَعْمَ خُبزِكَ ومِلحِكَ ، لم يستشعروا عزَّتَك وشموخَك ..... هؤلاء العملاء ، الاذلّاءَ ، المارقين ، الذين كانوا يعتقدون أنّهم أبناءُ الاستعمارِ الي رَحَلَ عن تُرابِكَ وغادر حدودك ،     - مُرْغماً-  .....- تقدموا إليه بطلباتٍ للعَمَلِ لديهِ – عَمالَهٍ زبّالين ، خدّامُينٍ، لارتباطهم به ، وانتمائهم إليه .... فرفض الاستعمار طلباتهم ، لم يوافق على استخدامهم لأنه - كما زعم –لم ينسَ أحداً من ابنائه المنسيين ، أو عملائه المُخلصين ، و لم يَقْبِلْهُمُ للعمل لديه – زبّالين ... لأنَّك ، بعد أن وصمْتَهُمْ  بالعمالةِ ، والخيانةِ ، وطردتّهم من رحمتكَ ... فقدوا الإنسانيّة و المواطنة ، و الهُويّة ، أضاعوا الكرامة ،  وأصبحوا أقزاماً ، ودخلوا الخزي و العار ....في التّيه و الضياع ، إلى الأبَدْ ...
● و اليومَ ، وبعدَ فوات الأوانْ ، اكتشف هؤلاء ، المارقون ، إنّ حُبّكَ هدفٌ و الالتصاق بك واجبٌ ، و الموتُ في سبيلِكَ عبادةٌ ، وشهادةٌ ، وأنّك الوحيد العظيمُ ، الذي يمنح النّسب ، و الكرامة ، و الهوية ، ومن خانك يفقد الثّقة به حتى ممّن كان لهم عميلاً .....
● كلّ الذين تخلّوا عنك ، أخطؤوا بحِقَك  ، و بُقدسِ طُهرِكَ و أغلى ما يأملون ، العودة إليك ، و تقبيلَ يديكْ .... فالوطن يفتقَدْ ..... تفتقَدُ عاداتُه ، والفُتُه ، ومَحبّتُهُ ، ورِحَابُهْ .......
●الوطنُ يلحقُ بمن غادَروُه ، يسكنهُم ، و لا يتركهم ، يبقى دَاخلهم في قلوبهم ، وعيونهم ، يشعرون به ، يرونه ، يحدّثهم ، و يحدّثونه ...
● اللهُ واحدٌ لا شريكَ ، ولا شبيهَ له ، نلجأ إليه ، طائعين ، تأبين ، و الوطن لا شريكَ له ، ولا شبيه له ، نلوذ به ، و نُدافعُ عنه ، ونحميه ، ونستشهد في سبيله ، ذوداً عنه ، مُختارين .... وكلُّ الأرواح التي وَلِدَتْ عليه آلت الاّ تقبضُ إلاّ فيه ، وفي سبيلهِ ، - شهادةً و فداءً وافتداءً ، وكلٌّ بايعه ، وعاهده ، ودعا اللهَ ورجاه القبولَ ، و تحقيقَ الأمنياتْ .... عِـشْ على أرض الوطن ، عش فيه ، ومعه ، وعليه ، ومع من عليه ، وماعليه ، من بشرٍ ، وشجرٍ ، وحجرٍ .... فَكلُّهم فيه ، ومنه ، وإليه .... هم اجزاؤه و تفاصيْلُه ..... بادله حُبّاً بِحُبٍّ ، وثقةُ بثقةٍ ، لا تكره عليه أحدا ، او شيئاً فهم الوطنُ ، والوطنُ هم .... لا تشكَّ في الوطنِ طَرفةَ عَينْ ، فسعادتُك ، وشقائُك فيه ، وبه ، ومنه ، و إليه ،  وعليه .....  أنت في حضن وطنٍ مُقاوِمٍ ، عزيزٍ  شامخٍ ، جَبّارٍ ، صامِدٍ، لا يهونُ ، ولا يضعفُ ، ولا يُرْكَعْ ....
●وكلُّ الذين راهنوا على ركوعِهِ ، واستسلامِهِ ، كانوا أغبياءَ ، وبدوا أقزاماً ، أمام انتمائه ، وصموده ، ودفاعه الأسطوري .... جيشُه كان أسطورةً في صموده واستبساله ، ولا مثيل لشجاعته وافتدائه ... كتب التاريخَ ، كما شاء ، وخلّد البطولاتِ – كما أراد – لا أروعَ ، ولا أجْمَلْ ... صدق رجاله ما عاهدوا الوطنَ عليه ،فبعضُهم من قضى ، وبعضُهم من ينتظرْ .... واستسلم لهم الموت وانضمّإليهم ، وخاض الحربَ معهم ، بين صفوفهم ، واصبحوا و الموت واحداً  ، يقودهم إلى العلياءِ و الشموخِ ، والعزّةِ ، والكرامةِ ، و النّصرِ ، و التحريرِ ، رئيسٌ بَطلٌ قائدٌ زعيمٌ مغرمٌ به ، وعاشقٌ له ، عزيزٌ عليه ، حامِلٌ علمه ، ورافعٌ رايتَه ، الرئيسُ بشارُ حافظ الأسد ...
● قضوا على الإرهاب ، أبادوا جبهة النصرة ، سحقوا داعش ومستعدّون للقضاء على من لفَّ لفَّهَم ، وايدهم و وقف مَعَهُم ....
●كانوا أعظم من المؤامرةِ ، وأكبرَ من الإرهاب ، حَققّوا النّصرَ وأنجزوا التّحريرَ ، وحصّنوا الوطن ، و روّعوا العدوُّ  ، ولقّنوه في البطولة دروساً ، وحطّموا له الأماني و الأحلامّ ....
● لم يُصلّوا في الأموي بعد سبع سنوات ، ولم يدخلوا دمشقَ و لم يسقط الأسدُ ، ولم يرَحَلْ..
بقي الأسدُ قائداً مُنتصراً ، وقاسيونُ جبلاً شامخاً ، رابضاً ، وبقيا ،الأسدُ وقاسيونُ ، حارسين ، حاميين لدَمشق  ، ودمشق عاصمةً ، عزيزةً منيعة ، مثلهما شامخةً ...   " إن في ذلك ، لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السَّمْعَ ، وهو شهيد "..