الثقة....مفتاح الفساد..!!!؟؟.. بقلم: سامر يحيى

الثقة....مفتاح الفساد..!!!؟؟.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٣ أغسطس ٢٠١٨

فقد شعار "مكافحة الفساد" قيمته وحيويته وشرعن الفساد، وشجّع المفسدين على التمادي في طغيانهم، مستفيدين من قدرتهم على انتهاز الفرص والتعبير عما يقومون به، مسخّرين لذلك ثقة المسؤول، ووسائل الإعلام لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي، التي تشوّه صورة هذا وتجمّل صورة ذاك، الذي يحتمل جانبي الصواب والخطأ، وفجأة يصل هذا إلى منصبٍ أو يرتقي في سلّم المسؤولية، فيبعث على الإحباط واليأس، فتشويه السمعة أسهل من الاقتناع بالبراءة.
بكل تأكيد هذه ليست معضلة، ومن الطبيعي للإنسان ولو كان فاسداً لديه جانباً مشرقاً أو إيجابياً يظهره في حياته، ليساعده على نيل الثقة، ومن الطبيعي أن يثق المدير بحاشيته المقرّبة، التي ستظهر له كل الوفاء والولاء، وقد لا يشعر استغلالها تلك الثقة بالإساءة للمؤسسة واستنزافها، حتى لمن وضع بها الثقة، التي يجب أن تمنح للجميع أما الاستمرارية فتخضع للقدرة على تحمّل المسؤولية، والإبداع والعطاء، استناداً لبيانات حقيقية ملموسة على أرض الواقع، بعيداً عن المجاملة والنفاق والانتهازية والتسويف.  
 فالإرادة والإدارة الحكيمة والحنكة هي الأساس في مكافحة الفساد، ولا نحتاج لزمنٍ طويل، لتطهير مؤسساتنا من الفساد، أو إعادة غرس الوعي والانتماء لدى المواطن، وقد أثبت لنا ذلك أن السوري في بلاد الاغتراب استطاع فرض وجوده، وتأقلمه مع المناخ الجديد، وخلق مشروعه الخاص به، وتفوّق حتى على أقرانه في تلك الدولة، كما أنّ المؤسسات التي نتّهمها بالتخلّف والجمود وضرورة التغيير في الهكيليات، هي التي استمرّت بالإنتاج والصمود، كما كانت سر نهوض سوريتنا على الأقل منذ حركة التصحيح المجيد عام 1970، رغم الفساد والإرهاب.
 فلنتحمل المسؤولية ونخجل أمام دماء الشهداء، وتضحيات بواسلنا في الجيش العربي السوري، بعيداً عن عقد جلسات تنظيرية وإطلاق شعارات خلّبية، إنّما تشخيص المشكلة، ووصف الدواء المناسب، ومباشرة استخدام هذا الدواء، حتى تتماثل للشفاء، وتحقيق الهدف المنشود، بدءاً من قيام المؤسسات الحكومية بتفعيل التعاون مع المواطن بتنظيف الشوارع وفرز القمامة، وليس انتهاءً بالحفاظ على المال العام والاستثمار الأمثل المستديم للموارد الوطنية لكلٍ مؤسسة ضمن إمكانياتها وقدرتها ووجودها والمهام الملقاة على كاهلها.
  إن دفاع المسؤول عن ذاته وتحميل مسؤولية التقصير أو الخسارة للظروف أو الآخر، أو للحلقة الأضعف بمؤسسته، أو الاعتراف بخطأ دون العمل وبذل الجهد المضاعف لتعويض الضرر والبدء بالعملية الإنتاجية، هو جزءٌ أساس في تعزيز الفساد، فالمسؤول الوطني دوره مجابهة التحدّيات ضمن الأسس والمبادئ الثابتة، وقيامه بالخدمات الموكلة إليه، لا الشكوى والاعتراف بالخطأ بل تقديم العلاج الناجع، وليس التنظير إنّما التنفيذ، فالتنظير لمن هو خارج المسؤولية، عندها لن يحتاج مواطن لتقديم شكوى ولا للحصول على واسطة، أو دفع مبلغٌ من المال، فالمواطن يمكن إرضاءه بتقديم الخدمة له، أو إظهار المبرر المنطقي لتأخرنا واستيعابنا له، فيكون جزءاً أساسياً في الدفاع عن المؤسسة لا العكس، فدور الموظّف الحكومي خدمة المواطن والوطن، لا التعالي أو التكبّر عليهم.
 إذاً نحتاج التفاعل المؤسساتي، إضافةً لدور وزارات الأوقاف والتربية والتعليم العالي، التعاون بين كافة الوزارات التي تتقاطع أعمالها، ضمن المؤسسة، وبين المؤسسات، نتعامل يداً واحدةً وليس كل لذاته، لتعزيز الإرادة والولاء الوطني والانتماء المؤسساتي، بما يسهّل استثمار مواردنا المادية والبشرية بالشكل الأمثل، وإعادة الثقة بين الموظف والمواطن، إذ يوجد في الجمهورية العربية السورية ما يقارب (54) معاون وزير، عدا عن منصب المدير العام، كلٌ ضمن اختصاصه، عندما يتحمّلون المسؤولية ويعقدون اجتماعاً دورياً تتم فيه بحث جدول أعمال السادة الوزراء، ومناقشة المشكلات التي يعاني منها المواطن وحتى المؤسسات ذاتها، وبالتالي تسهيل الأمور على السادة الوزراء، لمناقشة الأمور الجوهرية والبت بالقرارات الأساسية بعيداً عن الغوص في التفاصيل والشكليات، مما يحفّز على الإبداع والعطاء وتحقيق التفاعل، وبالتالي تكون وسائل الإعلام والمؤسسات الوطنية يداً واحدةً في مسيرة التطوير والتحديث والإصلاح، لا علاقة إطراءٍ أو شتم، وبالتالي نعالج المشكلات، نحسن استثمار الموارد المتاحة لتعظيم عملية الإنتاج، بعيداً عن الخطط النظرية، التي يصعب تطبيقها على أرض الواقع، أو عندما يحين وقت تطبيقها ستكون الكثير من المستجدات قد بدأت، وبالتالي تشكّل خسارةً حقيقية فادحة للوطن ومؤسساته وأبنائه.
 ولا بد من التنويه هنا إلى أن مكافحة الفاسد القديم، أمرٌ ضروري، فمن غير المنطقي إهمال من سرق وأفسد، بإعفائه فقط، بل بالبحث عن كيفية استطاعته تكوين ثروةٍ باهظة رغم انشغالاته بمؤسسته والخسارة الكبيرة التي تحقّقها، وبالتالي من حق المؤسسة الحكومية أن تتقاسم ثروة المسؤول القديم، على الأقل استثمرها كونه مديراً في مؤسسةٍ أو مسؤولاً بهذا القسم أو ذاك، فهي صاحبة المقر المادي والمعنوي للشخص، وبالتالي يسدّد جزءاً من الدين المتوجّب عليه تجاه مؤسسته، بما فيها إهمال المؤسسة لتحقيق مصالحه الشخصية، فأي مؤسسة لم تتقدّم بشكلٍ إيجابيٍ وبناء فهي تتراجع، فلا توجد مراوحة في المكان، إما تقدّم أو تخلّف.
 أما تعديل الهياكل التنظيمية والإدارية، فلدينا طريقٌ قصير ويساهم بتفعيل دور المؤسسات في تفعيل هيكليتها عبر اللقاء بين كافّة العاملين في المؤسسة، ودراسة كل بندٍ بايجابياته وسلبياته وانطباقه على أرض الواقع، وبالتالي نقضي على الفساد المعنوي والمادي، ونساهم بتطوير هيكليات المؤسسات، بعيداً عن الخطط النظرية التي للأسف سنضطر بعد سنوات قليلة أو أشهر أحياناً لتعديل قسم منها بحجج واهية، باعتبارها غير قابلة على التطبيق على أرض الواقع، أو اكتشفنا ثغرات فيها، وقد نضع جدولاً بسيطاً يساهم بوضع الموظف المناسب بالمكان المناسب، والهيكل المناسب للمؤسسة المناسبة، على سبيل المثال كفكرة عامة يمكن وضع بنود أساسية تمكّننا من البحث في كلّ مؤسسة وإعادة تفعيل دور كل قسمٍ بها، ومعرفة احتياجاتنا من العمالة والقضاء على البطالة المقنّعة، ويوضع لمدّة أسبوع لكي يعطي كل موظّف رأيه به وبالتالي نضمن المصداقية والشمولية والمشاركة الفعّالة من الجميع:
 ((الاسم، الشهادة، العمل المعيّن على أساسه، العمل الذي يقوم به على أرض الواقع، المهام التي يتقنها أيضاً، الحاجة الفعلية للمؤسسة التي يعمل لديها، عدد الساعات الفعلية لإنجاز عمله، ساعة الذروة في العمل، ونفس الموضوع ينطبق على كل قسمٍ أو مديرية بوضع جدولٍ حقيقي فعّال........ ))  
  في الختام نقول الثقة هي الوثوق بكل من حولك، بغضّ النظر عن اختلاف وجهات النظر، ومهلة المائة يومٍ للمسؤول كافيةً، وكافيةٌ جداً، مهما كانت التحديّات والضغوطات ليرى الخطوات الأولى الإيجابية لأعمال من وثق بهم في تفعيل دور المؤسسة ولمس نتائجها على أرض الواقع أو فشله، وعندها تمنح الثقة أو تحجب، وإلاّ فهي تهرّبٌ من مسؤولية واعترافٌ ضمنيٌ ذريعٌ بالفشل..