ماكرون.. الخائن القابع في الأليزيه

ماكرون.. الخائن القابع في الأليزيه

تحليل وآراء

الجمعة، ١٠ أغسطس ٢٠١٨

إذا كانت قضية “بينالا”، الحارس الشخصي لماكرون، تعكس شعور الإفلات من العقاب السائد في قلب الأليزيه، فهي من عدة جوانب، رغم خطورة الوقائع التي يمكن أن يلومها ايمانويل ماكرون لنفسه، لا تشكّل شيئاً تجاه جرائم أكثر خطورة ارتكبها نزيل الأليزيه.
ايمانويل ماكرون الذي يتحدر من أسرة برجوازية، والداه طبيبان، حتى لو كان يجرؤ على الادعاء بأنه يمتلك “فكراً معقداً”، وهو الموهوب في العزف على المصطلحات، فهو لا يتمتع بمستوى فكري عظيم، ورسب مرتين في الامتحان التحريري الذي كان سيسمح له بالالتحاق بمدرسة المعلمين العليا، وتابع دراسته في العلوم السياسية إلى جانب دراسة الفلسفة في باريس نانتير.
قام بوظيفة تدريب داخلي بصفته ملحقاً دبلوماسياً في السفارة الفرنسية في نيجيريا في أبوجا، باعترافه الخاص، كان على الدوام يقصد ملهى ليلياً للمثليين اسمه “ذا شراين” في ذلك الوقت، واليوم، يقسم بأنه ليس مثلياً، ولم يكن يوماً مثلياً.
في عام 2004، أنهى دراسته في “اينا”، والتحق بهيئة التفتيش والرقابة المالية العامة تحت حماية ورعاية أوروبي الأصل وصديق الممولين جان بيير جويليه، في عام 2007، استفاد من الإعانات المقدمة من صناديق مارشال الألمانية، وهي مؤسسة أمريكية- ألمانية رسمية بشكل قانوني، تؤثر على الطلاب الأوروبيين الشباب لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وكانت الفرصة التي أتاحت له الانضمام إلى بنك روتشيلد.
في عام 2006، التقى فرانسوا هولاند الذي دعمه في حملته الانتخابية في عام 2010، حيث شكره فرانسوا هولاند، ومن ثم أصبح معاونه في قصر الأليزيه في عام 2012.
قبل المضي قدماً في عرض الشخصية، والتعامل مع جرائم الدولة التي ارتكبها ايمانويل ماكرون، فإن ما قدمته الصحافة باستمرار عن شخصيته وبرنامجه خلال حملته الانتخابية لا يتوافق على الإطلاق مع الحقيقة، فقد قيل للشارع الفرنسي إنه رجل جديد في ريعان شبابه، ويحمل أفكاراً جديدة، إلا أن الحقيقة مغايرة تماماً، فنظراً لمناهجه الدراسية وشركائه وآرائه السياسية، فإن ايمانويل ماكرون جزء لا يتجزأ من عالم قديم: عالم الخونة للوطن، وتجار النوم، والممولين، والليبراليين المتطرفين المستسلمين لسيطرة الاتحاد الأوروبي على حياة الفرنسيين..  إن ايمانويل ماكرون ليس نيزكاً ينبع من العدم، بل هو العميل المخلص لعلاقة المصالح الجارحة التي تريد هدم فرنسا، ماكرون هو من عمل على إلغاء قانون العمل، ولم يبذل أي جهد أو محاولة للحد من البطالة، لأنه بكل بساطة يريد ترسيخها في فرنسا.
في 26 آب 2014، تسلم حقيبة الصناعة والاقتصاد، فقام ببيع فرع الطاقة من شركة “الستوم” الفرنسية إلى شركة “جنرال الكتريك” الأمريكية التي تشكّل جزءاً من المجمع الصناعي الأمريكي، عقب مفاوضات مع الإدارة الأمريكية، ليكون هذا الاستيلاء الأمريكي على هذا الفرع من الصناعة الفرنسية خيانة عظمى للمفاوضين الفرنسيين المعنيين.
في مجال العلاقات الدولية لا توجد مشاعر صداقة، وإنما علاقات القوة هي التي تحدد التوازن في علاقات فرنسا الدبلوماسية، وبعد أن تنازلت للولايات المتحدة عن جزء من صناعتها يعتبر في قلب الردع النووي، ارتكبت بموجب المادة 411-3 من قانون العقوبات جريمة لا تغتفر، إذ ينص على أنه: “يعاقب بثلاثين سنة من الاعتقال الجنائي كل من يقوم بتسليم معدات ومنشآت وأجهزة مخصصة للدفاع الوطني إلى قوة أجنبية أو شركة أو منظمة أجنبية”!.
في 13 تشرين الثاني 2014، شرح قائد الهجوم على الغواصة النووية، ألكسندر تاكون، هذا الأمر في معرض محاضرة ألقاها في فياتياتوم باينول سور سيز، يقول: “السرعة القصوى لغواصاتنا هي سر دفاعنا، لذلك لا يمكن الكشف عنها، الخصائص الصوتية لتوربينات غواصاتنا هي أيضاً جزء من سر الدفاع، في الوقت الراهن، وبفضل التسهيلات التي منحها ايمانويل ماكرون لجنرال الكتريك للسيطرة على قطاع الطاقة في ألستوم، فإن أنصار المجمع الصناعي العسكري الأمريكي يمكن أن يحددوا بدقة أكثر سرعة من الغواصات لدينا، وهذا يعني أن كل ميزة تكتيكية من غواصة لدينا يتم فقدانها أولاً، وعلاوة على ذلك، وإذا ما اندلع يوماً ما صراع مفتوح مع الولايات المتحدة أو مع الحلفاء، ستكون لدينا كل الصعوبات لتشكيل التوربينات لصيانة أو إصلاح سفننا الحربية”.
هذه الصفقة الصاخبة التي أبرمها ايمانويل ماكرون أضعفت قدرات فرنسا الدفاعية بشكل خطير، وأدخلت نقاط ضعف خطيرة للغاية في صميم الردع النووي لدينا، هذه الجريمة قد تجعل ماكرون يقبع في السجن 30 عاماً، ومع ذلك انتخب رئيساً للجمهورية، لأن الصحافة لم تتطرق بالمطلق لخطورة تنازله عن فرع الطاقة في ألستوم، بل هللت له وخدعت الرأي العام الفرنسي عبر مغالاتها بالحديث عن “خصاله الحميدة وكفاءاته”.
كما سمح ماكرون أيضاً باندماج شركة “سيمنس- الستون” في معدات السكك الحديدية، ما مكّن ألمانيا في النهاية من السيطرة على هذا الفرع الحساس من الصناعة الفرنسية، نظراً لارتباطها أيضاً بالقدرات اللوجستية في فرنسا، لقد علّم التاريخ الفرنسيين ضرورة التصرف بحذر مع ألمانيا، ومع المملكة المتحدة اللتين اعتمدتا دائماً على خيانة القادة الفرنسيين لإضعاف فرنسا عسكرياً وصناعياً بين كل صراع.
 
تورط ماكرون في الأزمة السورية
ثمة قضية أخرى أكثر خطورة ودموية بكثير، ومن شأنها يوماً ما ضمان بقاء ايمانويل ماكرون في السجن لفترة طويلة، فقبل خمسة أيام من تعيينه في منصب وزير الاقتصاد، كشف فرانسوا هولاند لصحيفة “لوموند” أن فرنسا سلّمت أسلحة إلى “المتمردين السوريين” منذ عام 2012، وما يجهله الشارع الفرنسي متى توقف تسليم الأسلحة الحربية إلى المسلحين في سورية؟.. تلك الأسلحة شملت قاذفات “ميلان” المصنعة من قبل شركة “ام ب بدي أ” الفرنسية، حسبما كشف تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في 8 تشرين الثاني 2015، فقبل بضعة أشهر، ذكرت القناة الإيرانية “ارب” بأن المقاومة اللبنانية استولت على الأسلحة الفرنسية المضادة للدبابات نفسها أثناء القضاء على إرهابيين من جبهة النصرة، وفي الآونة الأخيرة أشارت وكالة الأنباء السورية سانا في 3 تموز 2018 إلى أنه في أعقاب استعادة درعا من قبل القوات السورية والروسية، تم اكتشاف مخزون ضخم من الأسلحة الأجنبية، الفرنسية على وجه الخصوص، من بينها قاذفات الصواريخ “ميلان”.
وعليه فإن فرانسوا هولاند، ونيكولا ساركوزي، وكذلك ماكرون، هم صنّاع حروب، ويجب أن يحاكموا على جرائمهم المتمثّلة بتسليح ودعم الإرهابيين، ومحاولة تقويض سيادة سورية، ولا شك في أن مبيعات الأسلحة للمرتزقة العاملين في سورية استمر على الأقل حتى عام 2014، حيث لعبت كل من مشيخة قطر والسعودية دور الوسيط في مبيعات الأسلحة هذه، ولا ننسى دور تركيا وإسرائيل في هذه الصفقات، وهما اللتان تربطهما علاقات أخوية مع الإرهابيين في سورية.
ولفهم تورط ايمانويل ماكرون في صفقات تسليم الأسلحة للإرهابيين، يجب أن نعرف أن وزير الاقتصاد يشكّل جزءاً من الدفاع العام والأمن الوطني، وهو نفسه تحت سيطرة رئيس الوزراء، ورئيس الجمهورية، وكل عملية تسليم للأسلحة مشروطة بعدد من الإجراءات التي يجب اتباعها من الوزراء المشاركين في الصفقة بعد طبع تواقيعهم عليها عقب صدور المراسيم بشأنها، وعليه فإن وزير الاقتصاد ليس استثناء من القاعدة، فإذا ما علمنا أن تسليم أسلحة الحرب إلى الإرهابيين في سورية استمر بعد صيف 2014، فيمكننا اتهام ايمانويل ماكرون بتمويل الإرهاب بموجب المادة 421-2-2 من قانون العقوبات.
قوانين الإرهاب لا تعرفها إلا نسبة قليلة من الفرنسيين، فعندما قال لوران فابيوس في مؤتمر صحفي في المغرب: إن “جبهة النصرة تقوم بعمل جيد”، فقد ارتكب جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة 5 سنوات بموجب المادة 421-2-5 من قانون العقوبات الفرنسي.
نعم الرؤساء الفرنسيون وقحون، ولا يترددون في انتهاك القوانين، مستغلين جهل الفرنسيين، وصمت الصحافة والقضاة، على سبيل المثال: في القانون الدولي، في طابور فرنسا الدستوري، يُحظر التدخل في أعمال دولة ثالثة، بل ويحظر استخدام الوسائل العسكرية ضدها دون تفويض واضح وصريح من قبل غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
في الدستور الفرنسي المؤرخ في 27 تشرين الثاني 1946، تنص المادة 14 منه على ما يلي: “إن الجمهورية الفرنسية، وفقاً لتقاليدها، تمتثل لقواعد القانون الدولي العام، لن تقوم بأية حرب بهدف الغزو، ولن تستخدم قواتها ضد حرية أي شعب على الإطلاق”.
كل هذه القوانين الفرنسية والأممية لم تمنع ايمانويل ماكرون من أن يصدر أوامره للجيش الفرنسي في 13 نيسان 2018 بإطلاق عشرات الصواريخ على سورية، بذريعة تدمير مخازن ومعامل الأسلحة الكيميائية، كما زعم، ولكن في الواقع كانت هناك كذبة حول واقع الأهداف المستهدفة.
أولاً وقبل كل شيء، لأن الجيش العربي السوري دمر بشكل كامل ترسانته من الأسلحة الكيميائية بإشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي أبلغت عنها في عام 2016، وثانياً لأن الحكومة السورية كانت قادرة على الإبلاغ عن واقع الأهداف المختارة، وتدحض في كل مرة الأكاذيب التي تنقلها الحكومة الفرنسية عن طبيعة الأهداف.
والأخطر في هذه الحالة، من الصعوبة بمكان أن يتجاهل المرء الدستور الفرنسي والقانون الدولي اللذين انتهكهما ماكرون بشكل صارخ، عندما سمح للجيش الفرنسي بقصف بعض المواقع في حمص لاختبار قدرة وقوة الصواريخ المجنّحة!.
في الانتظار، قرر ايمانويل ماكرون شن هجوم على سورية في انتهاك صارخ للقانون الدولي والدستوري لفرنسا، رداً على هجوم كيماوي غامض في دوما يوم 7 نيسان 2018، ومع ذلك مُنعت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من الوصول إلى سورية في إطار زمني سريع بسبب الضغوط الغربية، وسوف لا يكون هناك الوقت الكافي لتبادل نتائج التحقيق حتى يتمكن ايمانويل ماكرون من الحصول على معلومات موثوقة يستغلها للسماح له أو عدم السماح له بالقيام بعمل عسكري ضد سورية، والذي سيبقى غير قانوني بموجب القانون الدولي.
وإذا لم يقم أي قانون بقمع استخدام الوسائل العسكرية للبلاد ضد دول أخرى سيادية في انتهاك للمعاهدات المصادق عليها، وعلى نظام فرنسا الدستوري، فقد يتم حجب قضايا أخرى تتعلق بالجرائم ضد الإنسانية مع قوى أجنبية لتأهيل الجريمة.
 
ختاماً:
تبدو قضية “بينالا”، مقارنة بخيانات ايمانويل ماكرون الأخرى، مجرد قضية بسيطة، ومع ذلك، من الواضح أن الأوامر غير القانونية يتم تطبيقها على كل المؤسسات الخدمية في فرنسا، أو حتى أكثر من ذلك، لم يتم اتباع الإجراءات الإدارية والقضائية من قبل القاضي الأول في فرنسا، في الوقت الذي كان على دراية بالحقائق الجدية التي ارتكبها ألكسندر بينالا.
من غير المفهوم أن أعلى المسؤولين في الشرطة والدرك لم يضطربوا من مثل هذه الأعمال، وكشفوا للصحافة التهم الموجهة للمشاكس بينالا لتوجيه تحذير لايمانويل ماكرون.
وإذا كانت مؤسسات الدولة موالية بالضرورة، وأنها لن تشارك في أية تحركات أو مناورات ضد ايمانويل ماكرون، فإن الأمر متروك للمواطنين الفرنسيين للإطاحة نهائياً برئيس الجمهورية.
الكسيس دو توكفيل قال: “أنا لا أخاف حق الاقتراع العام، لأن المواطنين سيصوتون كما سيتم إخبارهم”، وقد اتضح أنه لما يقرب من عامين، عانى الفرنسيون من ضجة إعلامية كبيرة حول ايمانويل ماكرون، في حين تم تدمير الحملات الانتخابية للعديد من المرشّحين المنافسين بسبب تحريك أمور قضائية ضدهم لإبعادهم عن منافسة ماكرون، بينما استمتع آخرون بالاستعراض أمام وسائل الإعلام عندما لم يخضعوا لنظام رقابة حقيقي يبعدهم، لذلك من المنطقي تماماً أن يتم انتخاب ايمانويل ماكرون على رأس الجمهورية الفرنسية، ومن المنطقي اعتبار شرعيته مغتصبة.
إذاً يوجد الآن على رأس فرنسا رجل كاذب مزدوج، رجل مراوغ، خائن، وقاتل، لذلك على الفرنسيين عدم التنازل عن أي شيء، والاستفادة من قضية “بينالا” لتوجيه الاتهام بشكل واضح إلى ايمانويل ماكرون، واستخدام المادة 68 من الدستور الفرنسي من قبل البرلمانيين الفرنسيين لإقالة رئيس الجمهورية، وإحداث توازن القوى الدائم والثابت بما يكفي لإجلاء الخونة القابعين في قصر الأليزيه، خاصة أن شعبية ماكرون تتهاوى إلى أدنى مستوياتها منذ توليه الرئاسة، وفق ما أفادت آخر استطلاعات الرأي.