قانون القومية: ترجمة للفكر الصهيوني... وتبديد للأوهام

قانون القومية: ترجمة للفكر الصهيوني... وتبديد للأوهام

تحليل وآراء

الاثنين، ٣٠ يوليو ٢٠١٨

ما يهمنا في «قانون القومية» ليس تغليب المحتوى اليهودي على الطابع الديموقراطي للدولة، كما هو خلفية السجال في الساحة الإسرائيلية – الصهيونية، فالمشكلة مع هذا الكيان أنه استعماري استبدالي يجمع بين كونه تهديداً وجودياً... وكياناً وظيفياً للاستعمار الغربي يؤدي دوراً أداتياً يهدف إلى الهيمنة على شعوب ودول المنطقة. وهو كذلك حتى لو تم سن قانون أساس، يؤكد على كون إسرائيل دولة «يهودية – ديموقراطية»، خصوصاً أن أي عنوان ديموقراطي أو غير ديموقراطي سيبقى يتحرك بالضرورة ضمن الوعاء الصهيوني. فلا قيمة لأي من هذه العناوين وشعب فلسطين ممنوع من العودة إلى وطنه، بل هي مجرد واجهات تهدف إلى تجميل الاحتلال وتؤدي أحياناً دوراً تبريرياً لكل من يريد نسج علاقات أو تحالفات مع هذا الكيان الاستعماري، بوجهيه الصهيوني والغربي.

محاولة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو تفسير مفهوم إسرائيل دولة «يهودية ديموقراطية» الذي أدلى به خلال جلسة الحكومة، «دولة إسرائيل هي الدولة القومية الخاصة بالشعب اليهودي وهي تضمن مساواة كاملة في الحقوق لجميع مواطنيها... أمام القضاء.. الانتخاب...»، هو سجال داخل البيئة الصهيونية، بين اليمين واليسار، وبين العلمانيين والمتدينين... بين مؤيدي القانون ومن يخشون من التداعيات الدولية وعلى صورة إسرائيل. أما في المضمون فلم يتضمن القانون أي بند يتعارض مع الفكر الصهيوني، لا في كون «أرض إسرائيل» وهو التعبير الصهيوني الذي يشمل كامل فلسطين التاريخية، هي «الوطن التاريخي للشعب اليهودي الذي قامت فيه دولة إسرائيل» كما نص البند الأول من المبادئ الأساسية التي لم تبقِ شبراً من فلسطين للفلسطينيين. فما دامت كل فلسطين وطناً تاريخياً لليهود، فمن يسمح لشعب آخر أن يقرر مصيره في وطنه (بحسب المنطق الصهيوني).
لم يكن تجاهل الوجود الديموغرافي الفلسطيني، الذين يشكلون نحو نصف عدد السكان الموجودين على أرض فلسطين (أرض إسرائيل وفق قانون القومية التي تشكل وطناً قومياً لليهود)، ونحو 20% من الكيان الإسرائيلي، إلا نتيجة قرار يهدف إلى إلغاء كل ما يترتب على ذلك من مفاعيل... لذلك لم يكن الحديث بحصرية عن حق الشعب اليهودي بتقرير مصيره، وعن كون فلسطين هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، إلا استكمالاً لهذا الإلغاء الهادف إلى تجريد الفلسطينيين من كافة حقوقهم.
من هذا المنطلق، شكّل القانون ترجمة لإرادة صهيونية بالبحث عن بديل يحاول من خلاله استكمال عملية تهويد فلسطين، التي بدأت مع الاستيطان الصهيوني في ظل حماية الاحتلال البريطاني، وحقق قفزة نوعية مع عملية التهجير التي مارستها الحركة الصهيونية في عام 1948. لكن لما كانت الظروف الحالية لا تسمح بتكرار النكبة، كان لا بد من ابتكار صيغة وخيار لهذه الغاية، فكان البند «ب» في قانون القومية الذي ينصّ على كون إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، حصراً، الحد الأدنى من الترجمة العملية لماهية الصهيونية التي قامت على فكرة إقامة وطن قومي لليهود في العالم. ونتيجة الثقل الديموغرافي الفلسطيني، تم حصر الحق الحصري بتقرير المصير للشعب اليهودي، في الدولة فقط، ولم يشمل كامل الوطن (كامل أرض فلسطين). لكن أصل اعتبار كامل فلسطين وطناً تاريخياً لليهود، وفي هذه المرحلة بالذات على صورة قانون أساس، يعني بالضرورة إعلاناً عن عدم أحقية أي شعب آخر بتقرير مصيره فيه، وأي صيغة سياسية تراعي هذا الواقع، هي من باب ما تفرضه قيود الواقع، وتفضّل من الصهيونية على الآخرين.
في ضوء هذه الأبعاد، يصبح واضحاً أن «قانون القومية» يتجاوز كونه مجرد قانون في سياق طرح القوانين التي تتوالى على طاولة «الكنيست» بل هو محطة في سياق سيرورة تاريخية وسياسية داخلية وخارجية، منها ما يتصل بالمشروع الصهيوني نفسه، من ضمنها التجاذبات بين تياراته، كونه ترجمة وتعبيراً عن ماهية الفكر الصهيوني، مع أقل قدر من المراعاة السياسية، وأخرى تتصل بالصراع مع إسرائيل، وبالبيئتين الإقليمية والدولية.
تبقى حقيقة ستلازم كل تطورات المرحلة، أنه من الصعب الفصل بين تبني نتنياهو والحكومة للقانون بعد مضي 7 سنوات على طرحه للمرة الأولى في عام 2011، وبين المصادقة عليه في «الكنيست» بغالبية 62، من أصل 120 عضواً، عن صفقة القرن، والاندفاعة السعودية والعربية في التمهيد للارتقاء إلى مرحلة التحالف مع إسرائيل على قاعدة المصالح المشتركة. هذا بالإضافة إلى كون هذه الخطوة تأتي انسجاماً مع تنامي الخطاب القومي الشعبوي اليميني في أوروبا، وما يماثله في إدارة دونالد ترامب.
على المستوى الداخلي، الترجمة المباشرة لهذا القانون، أنه أدى إلى شرعنة السلوك العنصري، وبات الآن قانونياً. وهو من هذه الزاوية، ترسيخ دستوري لهذه الممارسات، وبالتالي ستكون له مفاعيله القضائية التي تحرم الإنسان الفلسطيني من محاولة فرملتها بأدوات قانونية. ومن زاوية أخرى، أسقط القانون مجرد التفكير أو الرهان على إمكان انتزاع حد ما من الحقوق في ظل الكيان الإسرائيلي، باعتبارهم «مواطنين» يحملون الجنسية الإسرائيلية. ويؤكد القانون مرة أخرى، للشعب الفلسطيني على مساحة انتشاره، أن كل خيار بديل عن النضال والمقاومة ليس سوى أوهام لن يؤدي سوى إلى مزيد من التهويد وضياع الحقوق وتبديد للطاقات.