تحرير درعا بقرار سوري.. بقلم: علي اليوسف

تحرير درعا بقرار سوري.. بقلم: علي اليوسف

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٧ يوليو ٢٠١٨

كان من المؤكد أن معركة تحرير درعا التي بدأت في 22 حزيران الماضي تختلف في طبيعتها عن معارك الشمال، ومعارك الشرق، رغم أن قاسمها المشترك بالنسبة للحكومة السورية استعادة السيطرة على كامل الأرض السورية، ففي جبهة الجنوب، هناك اتفاق أمريكي روسي أردني، تم إنجازه خارج أستانا، على مناطق خفض توتر، ورغم استمرار تماسكه النسبي، إلا أنه أثبت هشاشة وقابلية للكسر، خاصة مع تصاعد الخلافات بين أمريكا وروسيا، وبعد التغييرات في الإدارة الأمريكية، وفي وزارة الخارجية والاستخبارات والأمن القومي، وباتجاهات تؤكد أن التصدي لروسيا أحد أبرز أوجه الاستراتيجية الأمريكية، ودون أن يعني ذلك الوصول إلى مرحلة الصدام المباشر بين الجانبين، إذ إن “حروب الوكلاء” مازالت سمة الحرب في سورية، إلا أن هناك خشية من أن يكون الرد الروسي على أمريكا من خلال هذه الجبهة.
جاءت معركة تحرير درعا بقرار سوري،  في ظل التغييرات في الإدارة الأمريكية من جهة، واتجاهات السياسة الروسية بعد تجديد ولاية الرئيس بوتين من جهة أخرى، بالإضافة إلى أن الحسم كان عنوانها الرئيسي.
كانت الدولة السورية تضع نصب عينيها الأهمية الخاصة لإعادة درعا إلى حضن الوطن، لهذا كانت معركة تحرير مدينة درعا “مصيرية”، نظراً للمكانة الاستراتيجية للمدينة بشكل عام بخريطة العمليات العسكرية، لأنه منذ شرارة العصيان والتمرد التي انطلقت من الجامع العمري، وسيطرة الجماعات المتطرفة المسلحة على أجزاء منها، وبعض مناطق أريافها، خصوصاً الشمالية والغربية، كان حاضراً منذ البداية الدعم الصهيوني والسعودي والأمريكي لهذه المجاميع المسلحة المتطرفة بعموم مناطق هذه المحافظة، لكن أولويات معارك التحرير كانت هي المتحكم في صانع القرار.
والمتتبع لسياسات استعادة المناطق التي سيطرت عليها المجموعات الإرهابية، سيجدها تنحو نحو أولويات محددة تضعها القيادة السورية، وإن انتقاء الجبهات، واختيار توقيت المبادرة هو لتجنب المشاغلة التي انتهجتها المجموعات المسلحة، والتركيز على مناطق محددة، بالإضافة إلى التعقيدات المثارة حول معركة درعا، والمتعلقة خصوصاً بموقعها الحساس حيث كان القرار متروكاً لحين نضوج أسبابه السياسية.
المجموعات المسلحة
مع بدء الحملة العسكرية لتحرير درعا، انضوت جميع فصائل “الجبهة الجنوبية” في درعا والقنيطرة تحت غرفة عمليات واحدة، وتحت قيادة موحدة تحت مسمى “غرفة العمليات المركزية في الجنوب السوري”، وتتكون الغرفة المركزية هذه من مجموعة تشكيلات عسكرية أبرزها “البنيان المرصوص”، و”رص الصفوف”، و”توحيد الصفوف”، و”اللجاة”، و”صد الغزاة”، و”صد البغاة”، و”اعتصموا”، و”مثلث الموت”، و”النصر المبين”، و”القنيطرة”.
لكن هذه “القيادة الموحدة” للمجموعات الإرهابية لم تصمد أمام قوات النخبة السورية التي كسبت خبرات قتالية من جبهات القتال الأخرى، واستطاع الجيش العربي السوري السيطرة على المحافظة، وبعد هذه السيطرة الميدانية لوحدات الجيش العربي السوري، أذعنت المجموعات المسلحة واستسلمت للترحيل نحو شمال البلاد، وتسليم الأسلحة الثقيلة تنفيذاً لاتفاق تم التوصل إليه.
قبل انطلاق العملية العسكرية للجيش السوري كانت الجماعات المسلحة تسيطر على مساحة كبيرة من محافظة درعا تقدر بـ 2350 كم2 من أصل مساحة المحافظة الكلي البالغ 3900 كم2، أي ما يعادل 60% من المساحة الإجمالية، وفلول “داعش”، و”جيش خالد بن الوليد” تسيطر على مساحة تقارب الـ250 كم 2، أي 6% من المساحة الإجمالية .
الجيش السوري عمد في تكتيكه جنوباً على مسارين الأول عسكري حيث تمكن من استعادة السيطرة على درعا، وكامل ريف درعا الشرقي المتداخل مع ريف السويداء الغربي “منطقة اللجاة”، ومعبر نصيب الاستراتيجي وكامل الحدود الإدارية لدرعا مع الأردن، والمسار الثاني عبر المصالحات الوطنية وتسوية أوضاع الراغبين، حيث انقلبت المعادلة الميدانية كلياً فالجيش السوري بات يسيطر على كامل المحافظة.
الموقف “الإسرائيلي”
بهذه العبارة: “نحن الخاسرون في الحرب السورية، والرئيس الأسد وصل إلى الحدود، أقول بتواضع إنه انتصار على “إسرائيل” أيضاً، وليس فقط  على المتمردين”،  تحدث معلّق الشؤون العربية في القناة “الثانية العبرية” عما يجري جنوب سورية، حاله كحال أغلب الصحافة “الإسرائيلية” التي أقرت بالهزيمة ضمنياً .
وللتأكيد، منذ انطلاق شرارة التمرد في الجنوب لم يكن خافياً على أحد حجم الدعم الذي قدمه العدو الإسرائيلي للجماعات المسلحة، سواء أكان لوجستياً عبر التداوي في المشافي “الإسرائيلية”، وتقديم المواد الطبية وغيرها، أو عبر الدعم العسكري، وهذا ما كشفته بعض الصور للأسلحة التي كانت تستخدمها الجماعات المسلحة في درعا، كل هذا كشف حجم الهزيمة التي مني بها الكيان الصهيوني، والتي أرغمته على التراجع عن فكرة خلق جدار بشري من هذه الجماعات المسلحة كخط دفاع يفصله عن القوات السورية، وكل ما يملكه العدو الصهيوني اليوم هو دعوته للعودة بشكل فوري إلى المواقع والقواعد التي تركها مع اندلاع الحرب في سورية في عام 2011، وفق قانون فصل القوات في عام 1974.
فشل غرفة الموك
أدركت غرفة الموك التي كان مقرها الأردن وتدار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والأردن وبعض دول الخليج، أنها لم تكن سوى أداة فاشلة لدى غرف عمليات استخباراتية سقطت بعد التقدم الميداني الكبير للقوات السورية، وهذا ما أكده تصريح واشنطن قبل بدء العملية العسكرية للجيش السوري بالتخلي عن دعم الفصائل الإرهابية، ما أجبر المسلحين في 20 حزيران أي قبل يومين من بدء العملية على إحداث مراوغة عسكرية عبر تشكيل غرفة عمليات مركزية في الجنوب السوري لصد تقدم الجيش في المنطقة، إلا أن حجم التخبط وتقاذف التهم التي ظهرت بشكل واضح على تنسيقيات المسلحين أثبتت مدى فشل تلك الفصائل وداعميها.
أهمية الانتصار
تشكّل أهمية السيطرة الميدانية على درعا بتوسيع بقعة الأمان لمحافظة السويداء، إضافة إلى زيادة الضغط على مسلحي القنيطرة، والقضاء على الجماعات المسلحة التي كانت تخدم التطلعات والأهداف “الإسرائيلية”، وخلق جدار بشري من هذه الجماعات، فضلاً عن أن تحرير المنطقة الجنوبية زاد الضغط على واشنطن للانسحاب من قاعدة التنف التي بدأت طلائع قواتها بالانسحاب بعد قمة هلسنكي التي جمعت بوتين وترامب.
كما أنه بسيطرة الجيش السوري على كامل المحافظة يكون قد وجه صفعة معنوية كبيرة للإرهابيين الذين خسروا جميع أوراقهم في تلك “الثورة” المزعومة التي تكشفت حقيقتها “للحاضنة الشعبية” بشكل فعلي وظهرت أنها “ثورة” مأجورة من خلال ما جرى في سورية عموماً والجنوب خصوصاً.
لهذا فإن انتصار الجيش العربي السوري في درعا هو انتصار على المخطط الغربي برمته، ولا شك أنه سيكون حصيلة مسار متواصل، حيث إن سورية أعلنت النصر وحصدت نتائج هذا الصمود، كما أن روسيا والصين فرضتا على الإدارة الأمريكية الرضوخ لنتيجة الصمود السوري المتمثّلة في انتهاء عصر الأحادية في العلاقات الدولية.