نتنياهو ومحاولات «ترقيع» هزائمه من جبهة الشمال.. بقلم: تحسين الحلبي

نتنياهو ومحاولات «ترقيع» هزائمه من جبهة الشمال.. بقلم: تحسين الحلبي

تحليل وآراء

السبت، ١٤ يوليو ٢٠١٨

اعتقدت «القيادة» الإسرائيلية في عام 2011 مع بداية شن الحرب الإرهابية على سورية أن الطريق نحو استكمال المشروع الصهيوني التوسعي سيصبح معبداً وبدأت باستنفار كل وسائلها الإعلامية والسياسية والاستخباراتية لـ «إسقاط» سورية في شباك حلفائها الإرهابيين وداعميهم وأخذت رسائلها بمختلف أشكالها تروِّج لخطاب إعلامي وسياسي يحدد «أسبوعاً ثم شهراً ثم أشهراً لسقوطها وتلاشي مؤسساتها القيادية».
وخاضت «إسرائيل» الحرب على سورية بكل ما لديها من قدرة إلى جانب الإرهابيين وحلفائهم طوال تلك السنوات الثماني من دون أن تحقق جزءاً من الأهداف التي عملت على تحقيقها.
وتحوّل ميزان القوى بين سورية و«إسرائيل» في هذه الأوقات إلى حالة تناقصت فيها قدرة الردع الإسرائيلية التي تعدها «القيادة» العسكرية الإسرائيلية «من أهم عوامل القوة» وازدادت في المقابل أشكال التصدي العسكري السوري لكل غارة عدوانية يقوم بها سلاح الجو الإسرائيلي.
وفي تقدير الوضع الاستراتيجي الإسرائيلي الذي يعده ما يسمى«مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» الصادر في نهاية عام 2017 للعام 2018 يرى المعدون للتقدير أن «إسرائيل» خسرت أوراقها بعد انتصار الجيش العربي السوري ولم يعد في مقدورها أن تشارك في «رسم» مستقبل سورية وأن ميزان القوى الراهن بين «إسرائيل» والجبهة الشمالية يميل لغير مصلحة «إسرائيل» ما تسبب في زيادة التحديات التي تواجهها وتناقص قدرة الردع الإسرائيلية، ويعترف مركز الأبحاث الإسرائيلي، بأن أي حرب شاملة تشنها «إسرائيل» وحدها على جبهة الشمال ستعرضها لأخطار جسيمة وأن سياسة الغموض المتعمد في عدم إعلان «إسرائيل» رسمياً عن مسؤوليتها حين تشن بعض الغارات العدوانية «التكتيكية» فوق الأراضي السورية تدل على النقص الذي اعترى قدرة الردع التكتيكي الإسرائيلية لأن «إسرائيل» ترى أن قدرة الردع تصبح كاملة حين تشن غارة ولا يقوم المستهدف بالرد عليها، وهي تشاهد الآن أن الرد السوري لا يتأخر ولا يتوقف ضد أي عدوان إسرائيلي وهذا ما جرى حين تصدت الدفاعات الجوية والصاروخية السورية للعدوان الاسرائيلي الأخير على مطار التيفور وسط البلاد.
ويبدو أن الرسالة التي أراد نتنياهو رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي توجيهها من خلال التوقيت الذي اختاره لشن هذا العدوان في 8 تموز الجاري تتعلق باستعراض سياسة الغموض هذه قبيل زيارته موسكو وذر الرماد في العيون وهو الذي التقى الرئيس الروسي مرات منذ سنتين ولم يحقق شيئاً مما كان يريده في سياسته الخارجية، وفي داخل الكيان الإسرائيلي تزداد حملة الانتقادات عليه وعلى حزبه لأنه ترأس حكومات تزيد على عدد الحكومات التي ترأسها ديفيد بن غوريون أول رئيس لحكومة الاحتلال منذ عام 1949 ولم يحقق أي اختراق لمصلحة «إسرائيل» على أخطر الجبهات على مصير «إسرائيل» وهي الجبهة الشمالية التي أصبحت تجمع قدرات عسكرية لثلاثة أطراف في هذه الظروف، وبعد حرب طاحنة على سورية طوال ثماني سنوات لم تؤد إلى نتائج لمصلحة «إسرائيل».
ويبدو أن هذا العامل هو الذي يدفع نتنياهو إلى محاولة «ترقيع» هزائمه العارية بالإعلان عن تقارب بعض الدول العربية معه مثل السعودية وغيرها من الدول وبممارسة الضغوط على واشنطن لتنفيذ «صفقة القرن» وإجبار الدول الحليفة لها على التجاوب معه بعد أن تعثرت مسيرة هذه الصفقة بفضل رفض الشعب الفلسطيني ودعم قوى محور المقاومة للشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه.
ولذلك ترى مختلف التحليلات والدراسات الإسرائيلية العسكرية والسياسية أن «إسرائيل» تكسب مصلحة تكتيكية من هنا أو هناك من بعض الدول العربية وتخسر في تحقيق أي جزء من المصلحة الاستراتيجية حين تعجز عن إنهاء جبهة الشمال التي لم تكن موجودة بهذا القدر من القوة ومتانة التحالف قبل أحداث ما يسمى «الربيع العربي».
فـ«إسرائيل» تجد نفسها الآن أمام قدرة عسكرية وسياسية إقليمية لم تستطع منع وجودها وتزايد قدراتها المطردة وأمام كتلة دولية تزداد أشكال تحالفها مع سورية وإيران وحزب الله ويتصاعد تأثيرها في السياسات العالمية، والتاريخ لن يعود إلى الوراء وسوف يظل نتنياهو يدور في النهاية حول نفسه داخل كيانه وخارجه.