نهاية خرافة التكنولوجيا الأمريكية

نهاية خرافة التكنولوجيا الأمريكية

تحليل وآراء

الخميس، ٢٨ يونيو ٢٠١٨

لو غراند سوار 22/6/2018
في الوقت الذي يواجه فيه ترامب صعود القوة الصينية الجديدة، هناك مواجهة تثير المخاوف من اندلاع الحروب التجارية إزاء المنتجات المتداولة كالصلب، ويبدو أن واشنطن نسيت الآليات التي ساعدتها على فرض هيمنتها الاقتصادية عقب الحرب الباردة.
في تلك الآونة، لم تعتمد الولايات المتحدة على قوتها العسكرية فقط، وإنما أيضاً على وضع إيديولوجي كان يخفّف من مخاطر معارضة القوانين المفروضة من قبلها على الدول الأخرى. وكان المسؤولون الأميركيون يعلمون أنه من أجل تحقيق هيمنة حقيقية، كان لابد من العمل بطريقة سرية، وكانوا يعتقدون أنه من السهولة بمكان استقطاب دول أخرى تعمل كل ما تريده واشنطن إذا ما جعلتها تؤمن أنها تعمل من أجل مصالحها الخاصة. فلماذا هدر الوقت والمال لإقناع بلد ما بفضائل الاستعمار إذا كان بالإمكان دفعه للإذعان من خلال سرد القصص الجميلة حول المكاسب المتبادلة من التبادل- الحر؟!.
من بين العديد من الأساطير التي رسّخت الهيمنة الأمريكية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، تبرز خرافة الهيمنة التكنولوجية كقوة طبيعية ومحايدة وعدت بإلغاء التفاوتات وعدم المساواة بين الدول، لتبقى الأكثر تأثيراً. وعليه، تمّ إنشاء قرية عالمية بفضل الشبكات الرقمية، حتى صنّاع التكنولوجيات الجديدة يتكلمون عن “نهاية الأسطورة” بمزيد من البلاغة، إذ كانت نخبة دافوس تظن أن الطلب من الآخرين التأقلم مع تمزق التكنولوجيا أكثر خطورة من الطلب منهم الخضوع لأخطار السوق. حقيقة، تغيّر اللغة يخفي، منذ زمن طويل، الحقائق الأساسية المريبة حول العلاقة القائمة بين التكنولوجيا والسلطة:
أولاً: القرية العالمية لم تكن يوماً عالمية إلا عندما كانت تُرضي وتنال إعجاب المدافع الأساسي عنها، الولايات المتحدة.
ثانياً: المقاييس، الشبكات، والبروتوكولات التي تحكم العالم الرقمي ليس فيها شيء من الطبيعية والحيادية، بل ظهر معظمها إبان الحرب الباردة وكانت ترمي إلى توسيع دائرة النفوذ الأمريكي ليطال مجالات جديدة.
ثالثاً: تطبيق المبادئ العامة على شبكة وحيدة مُحرّمة لم يضمن التحرر الوطني. بمعنى أوضح، عملت الأسلحة ذات التحكم عن بعد والذكاء الاصطناعي، مروراً بالرقابة والربط الإلكترونيين الرقميين على خلق تفاوتات جديدة بدلاً من إلغاء القديمة نهائياً.. ورغم ذلك عملت هذه الإيديولوجيا، إيديولوجية الانترنت، على خدمة المصالح الأمريكية على أكمل وجه من خلال مساعدة واشنطن على كسب الوقت وإغناء أكبر المجموعات التكنولوجية في العالم. ولكن مع حلول عام 2018 لم يبق شيء من تلك الإيديولوجيا. ففي يومنا هذا، لم تعد القرية العالمية تحمل اسمها ويكفي مشاهدة المنصات الرقمية التي كانت مركزة لتمثّل قمة الهيمنة التكنولوجية الأمريكية مع قدرتها على التسلّل إلى كل مكان. أُنجزت المهمة إلى حين اكتشاف “سيليكون فالي” أن حلفاء الولايات المتحدة المقربين لم يكن لديهم أي حرج في نشر قوتهم المالية لنسف المنافسات المحلية من أجل توسيع عمالقة التكنولوجيا الأمريكية. على سبيل المثال، مجموعة “أوبر” التي تمّ عرقلة طموحاتها العالمية من قبل مجموعة “أول ا” في الهند، و”ديدي” في الصين، و”99 في البرازيل”، و”غراب” في جنوب شرق آسيا، و”يانديكس تاسك” في روسيا. باستثناء الأخيرة، كل هؤلاء الخصوم، ومعهم “أوبر” نفسها، تم تمويلهم من قبل البنك الياباني “سوفت بنك”، وآل بهم المطاف إلى الدمج مع صندوق الاستثمار “فيجين فاوند” الممول من أموال أقرب الحلفاء لأمريكا، السعودية والإمارات.. وعليه، ماتت “أوبر” بعدما أنفقت مبالغ طائلة.
حقيقة، قضى صعود الصين على خرافات أخرى كثيرة كانت تشكل دعامة من دعائم الهيمنة التكنولوجية الأمريكية، والمعايير الأخرى “المحايدة” غدت فجأةً محور اعتراض وانتقاد، بينما مارست بكين ضغوطاً مكثفة لوضع قوانين ومعايير تناسب مناصريها. الطموحات العالمية أجبرت واشنطن على تبني خط عدواني جعل هيمنتها واضحة ومستهدفة. بعدما حُرمت من العديد من أساطيرها ستعاني الولايات المتحدة في إقناع دول أخرى بأن تقوم كبرى المجموعات الأميركية بتجاوز شركاتها، والعزوف عن تطوير برامجها، وعدم التشكيك بالبنود الجزائية الخاصة بحرية تنقل وحركة المعطيات التي حرصت الولايات المتحدة على إدراجها، أثناء المفاوضات، في كبرى الاتفاقات التجارية. وبما أن الصين نجحت في القيام بكل ما هو عكس ذلك، فمن سيبقى في فريق الولايات المتحدة؟ هذا وكان الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، قد طرح مواضيع مناسبة للميثيولوجيا الرقمية مثل “الانترنت الحر”، في محاولة لاحتواء توسع الصين في إطار النظام التجاري العالمي الذي تديره وتحكمه الولايات المتحدة. ترامب من جهته، وضع حداً للجانب الميثولوجي وأضعف التفوق التكنولوجي الأمريكي بعيد المدى بتقليص الميزانية الخاصة بالأبحاث وتشديد القيود على الهجرة ومنع تفكيك المجموعة الصينية “زيتا”.
بعد دونالد ترامب، سيكون لدى الولايات المتحدة أكثر من إجراء: معارضة النظام الاقتصادي العالمي الذي يخالف ويعارض طموحاتها على الساحة الدولية، ووضع إستراتيجية متكاملة ضد بكين بطريقة تعاقب حلفاءها الذين اتبعوا عمالقة التكنولوجيا الصينية. عندما ستندلع شرارة الحرب الباردة التجارية، سيكون من الصعب تحديد أي فريق يدافع ويحمي مصالح الرأسمالية العالمية!.